لعب بالوقت الضائع

لعب بالوقت الضائع
حسم مجلس الأمة موقفه من منحه استثناءات في تعيينات موظفيه خارج جداول الخدمة المدنية برفضه الحصول على هذا الامتياز. البرلمان بشقيه؛ النواب والأعيان، لم يعترف بأنه طلب ذلك، حيث يتحدث بعض النواب عن وقوعهم في فخ الحكومة بهذا الشأن. الحكومة من جانبها، وبحسب ما همس بعض أعضائها سرا، تعرضت بالفعل لضغوط نيابية باتجاه منح النواب تلك الاستثناءات، ولم يكن أمامها سوى خيار وحيد هو عدم عقد جلستها المقبلة إلا بعد أن تفشل مخطط النواب تحت ذريعة أن هذا الإجراء غير دستوري ويتناقض مع كل مبادئ العدل والمساواة في التعيينات. إحباط الحكومة لهذا الأمر كان عبر تسريبات لوسائل الإعلام بهدف كسب ود الشارع الذي لن يوافق على مثل هذه الاستثناءات، وستثور ثائرته ضدها، وهذا بالفعل ما تحقق حيث كان تصريح رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة واضحا بهذا الشأن عند إعلانه عن عدم تأييده للتعديلات على نظام الخدمة المدنية التي تستثني مجلس النواب من التعيين خارج إطار ديوان الخدمة المدنية. وهو الموقف ذاته الذي اتخذه رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز. الطراونة قال إن عدم تأييده لهذه التعديلات يأتي "حتى لا يزداد غضب الناس على مجلس النواب… المجلس ليس خلف هذا التعديل”. معركة سريعة وخاطفة دارت رحاها بين السلطتين؛ التشريعية والتنفيذية، نجحت الحكومة، ويسجل لها ذلك، في تجنب عواقبها الوخيمة المترتبة على خضوعها لأي ضغوطات من شأنها اغتيال العدالة والمساواة في تعيينات موظفي القطاع العام، فيما سارع البرلمان لتبرئة ساحته، فهو، ومع اقتراب انتهاء عمره الافتراضي، لا يريد أزمة جديدة مع الشارع تزيد من الهوة الحاصلة بينه وبين الناخبين الذين سيتوجهون بعد أشهر إلى صناديق الاقتراع لاختيار ممثلين لهم في مجلس نيابي آخر. الصراع بين الطرفين مؤشر على تردي العلاقة بينهما، وقد بدا ذلك واضحا في عدة جلسات رقابية عقدها المجلس النيابي في دورته الحالية ووجه خلالها موجات قاسية من الأسئلة التي تحول بعضها إلى استجوابات. أغلب النواب لا يفكرون الآن سوى بالطريق الذي سيضمن لهم العودة إلى مقاعدهم في الانتخابات المقبلة، لذلك تجدهم يلعبون على وتر مساعدة الناس والظهور أمامهم بموقف الأبطال المناضلين من أجل قضايا المواطنين. وبعيدا عن هذه المعركة، نستطيع القول إن المستفيد كان هو المواطن الذي أدرك مدى الرهبة والخوف الذي تعيشه السلطتان من ردة فعله على قرارات قد تتخذ وتمسه بشكل مباشر، وتستهدف حقه بالمنافسة المشروعة في الحصول على فرصة عمل في القطاع العام. الرعب الداخلي المزروع في قلب الحكومة والنواب من ردة فعل المواطن هو حصيلة ما قدمته السلطتان من سوء إدارة في العديد من الملفات كل في اختصاصه، والتي أدت بشكل غير مسبوق إلى بلوغ عدم الثقة بهما إلى درجات قياسية، فالأولى أشبعت الشارع وعودا وتعهدات لم تف منها سوى ما هو يسير ولا أثر له على حياة الناس، بعد جملة من القرارات التي أنهكته، فيما لم يكلف المجلس النيابي الحالي نفسه ببذل المزيد من الجهود في سبيل الدفاع عن هم الأردنيين واحتياجاتهم ومطالبهم باعتبارهم الصوت الذي يجب أن ينطق باسمهم. اللعب في الوقت الضائع، بالنسبة للطرفين، على وتر رضى الشعب واسترضائه لن يجدي نفعا، فما تبقى من مساحة للركض فيها لن تسمح لهما بالوصول إلى السرعة القصوى لتحقيق الهدف، كما أن ذلك لن يعيد الألق إلى حياة الأردني.

تابعوا الوقائع على