الأردن و"إعمار سورية": شبكة علاقات معقدة تفرض تحديات كبيرة
الوقائع الإخبارية: تؤكد دراسة إيطالية صدرت حديثا عن المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI) أن الأردن يقف أمام شبكة علاقات معقدة حينما يتعلق الأمر بالمشاركة بعمليات إعادة إعمار جارته الشمالية سورية التي تعاني من تبعات الحرب الدائرة هناك منذ ثماني سنوات.
وتشير الدراسة إلى أن الأردن في الوقت الحالي، يجد نفسه في معضلة ، إذ أنّ الخطط الاقتصادية تفترض تطبيع العلاقات المتوترة مع النظام السوري، وتميل إلى منحها الشرعية، لكن هذه الخطوة ستواجه انتقادات وقد تثير ردود فعل من أقرب الحلفاء.
وتلمّح الدراسة الى أنّه على الرغم من أن إحياء طرق التجارة مع سورية ضروري للاقتصاد الأردني، إلّا أنّ هذا يواجه باعتراض السياسات الأميركية والأوروبية التي تركز على تثبيط العلاقات الاقتصادية مع سورية بقيادة نظامها الحالي.
وتبين الدراسة أن العديد من شركات المقاولات والمستوردين الأردنيين ليس لهم روابط بشركات أميركية أو أصول أميركية وقد تكون على استعداد لتحمل المخاطر من أجل الحصول على عقود في سورية، على افتراض أن واشنطن لن تخرج عن طريقها لاستهداف الشركات الصغيرة في الأردن.
في المقابل، تقول الدراسة إن "الأردن يدرك أنّ عودة اللاجئين وتأمين حصة له في خطط إعادة الإعمار في سورية سوف يتطلب توثيقا للعلاقات الدبلوماسية مع روسيا والنظام السوري”.
ووفقا للدراسة، فإنّ الصين التي استثمرت بالفعل أكثر من ملياري دولار منذ العام 2015 في تعزيز قطاعي البنية التحتية والطاقة في الأردن ، كانت قد أعلنت عن رغبتها في الاستثمار في الأردن كمركز لجهود إعادة الإعمار في سورية والعراق.
وهي تقوم بالفعل بتمويل عدد من المشاريع الحيوية والمهمة في المملكة ، بما في ذلك مساهمة بقيمة 1.6 مليار دولار في مشروع للنفط الصخري بقيمة 2.2 مليار دولار.
وفي تموز (يوليو) 2018 ، أعلنت الصين عن خطة تنمية طموحة للشرق الأوسط، بما في ذلك 20 مليار دولار كقروض للتنمية الإقليمية، وأعلنت عن تقديم ما يقارب الـ 100 مليون دولار كمساعدة لإعادة الإعمار للأردن وسورية ولبنان واليمن.
وتوضح الدراسة أن الاقتصاد ما يزال يواجه تحديات كبيرة وهو في حاجة ماسة إلى مزيد من التنويع والاعتماد أقل على القروض والمنح الخارجية، هذا هو المكان الذي تصبح فيه سورية عاملاً مهماً في السياسة والاقتصاد المعقدين في الأردن.
وتشير الدراسة الى أنّ إعادة فتح المعبر الحدودي في تشرين الأول (أكتوبر) 2018 لم تسفر عن النتائج التي كانت متوقعة، حيث قامت الحكومة السورية برفع التعرفة الجمركية بشكل كبير، مشيرا إلى أنّ الرسوم الجمركية على الشاحنات الكبيرة مثلا ارتفعت من 10 دولارات إلى 62 دولارا ، وحظرت سورية بعض الواردات، وقد بررت دمشق الارتفاع الهائل في التعريفات الجمركية والحظر على بعض السلع بـ”حماية المصالح الوطنية السورية وتحديداً بنيتها التحتية التالفة”.
وتوضح الدراسة أن لدى الأردن فرصا كبيرة ليكون له دور بارز في إعادة إعمار سورية لشركات لا تملك أحجاما كبيرة.
وتلمح الدراسة إلى أنّ الأردن حاول وضع نفسه كمستفيد من إعادة الإعمار السوري لفترة من الوقت ولقد كان هناك سلسلة من الخطوات الجدية جعلت الأردن أقرب من أي دولة أخرى للمشاركة في هذا الاعمار.
وذكرت الدراسة أنّ هذه المحاولات قد تواجه باعتراضات من بعض الجهات الدولية، وهو ما اعتبرتها الدراسة تحديا رئيسيا لدخول الأردن في إعادة الإعمار السوري.
وذكرت الدراسة أنّ الأردن كان قد استضاف في آب(أغسطس) 2017 مؤتمراً دولياً لإعادة إعمار سورية ضم شركات ومطورين محليين وإقليميين تحت شعار "تحويل الأزمة السورية إلى فرصة اقتصادية حقيقية” وفي آب(أغسطس) 2018 ، دعا السفير الأردني في موسكو إلى التعاون بين بلاده وروسيا من أجل تحويل الأردن إلى مركز لوجستي لإعادة الإعمار السوري، مما يسلط الضوء على عوامل الجذب للأنظمة المصرفية والقانونية الصديقة للأعمال التجارية في الخارج.
وفي أيلول (سبتمبر) 2018 ، حضر وفد أردني برئاسة ، النائب الأول لرئيس غرفة تجارة عمان معرض دمشق الدولي وأنشأ لجنة خاصة للعمل على تحسين التعاون التجاري والصناعي بين البلدين.
وأكدت الدراسة أنّ قرب الأردن من سورية، يجعلها ضرورية لعملية إعادة الإعمار، ولهذا السبب اجتذبت المستثمرين الدوليين المهتمين بلعب دور في هذه العملية.
وبعد إعادة فتح السفاراتين الإماراتية والبحرية في دمشق في كانون الأول(ديسمبر) 2018 ، عزز الأردن علاقاته الدبلوماسية مع سورية من خلال تعيين القائم بالأعمال، مبررا هذه الخطوة كخطوة أخرى نحو الحصول على تأكيدات من النظام السوري من شأنها تشجيع اللاجئين السوريين على العودة إلى وطنهم.
وفي شباط (فبراير) 2019، استقبلت الحكومة السورية وفدا من نقابة المقاولين الأردنيين في دمشق واقترح وزير الأشغال العامة السوري مشاريع من شأنها إشراك الشركات الأردنية في إعادة بناء الطرق والجسور وشبكات المياه والمناطق السكنية.
كما استضافت نقابة الأطباء والصيادلة والمهندسين والمقاولين والجمعيات القانونية في محاولة لتعزيز العلاقات بين البلدين ومناقشة الفرص التجارية التي ستفيد كلا الاقتصادين.
وأكدت الدراسة على أنّ الدافع وراء استراتيجية الأردن هو فكرة أنه إذا ومتى ما بدأت إعادة الإعمار، يجب أن يكون الأردن في وضع يتيح له تعظيم فرصه لتوليد الأعمال التجارية للشركات الأردنية المنتجة والمصدرة لمواد البناء والغذاء إلى سورية.
وسيؤدي ذلك أيضا إلى خلق وظائف لإعادة الإعمار في سورية وتوفير حافز للاجئين للعودة ، لأن العديد منهم دخلوا في فقر دون الحصول على وظائف.
وأشار التقرير إلى أنّ الأردن يستضيف 666.294 لاجئا سوريا مسجلا لدى مفوضية الأمم المتحدة، معظمهم في المناطق الحضرية وأكثر من 85 % يعيشون تحت خط ومع ذلك ، تشير الأرقام غير الرسمية إلى أن هناك حوالي 1.4 مليون لاجئ سوري في البلاد ، مع 20 % فقط في مخيمات اللاجئين في و 80 % أخرى منتشرة في المجتمع .
وأشارت الى أنّه وفي أعقاب الأزمة المالية التي حصلت في 2008 ومع تراجع التحويلات من الخارج، عانى الاقتصاد الأردني أكثر من تدفق اللاجئين الفارين من الحرب في البلدان المجاورة (سورية والعراق واليمن)، ومن إغلاق الحدود مع العراق وسورية (الذي يعتبر سوقا حيويا للصادرات الأردنية) ومن انخفاض الاستثمار والدخل السياحي ، لأسباب ليس أقلها التباطؤ الاقتصادي في دول الخليج.
ويضاف إلى ذلك ارتفاع الدين الوطني إلى نحو 40 مليار دولار، ومعدل بطالة مرتفع (بطالة الشباب 35 %) ، ونسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي حوالي 95 % ، و 10 مليارات دولار في المساعدات للأردن منذ العام 2011 لا يكفي لضمان استقرار البلاد.
ونفذ الأردن مؤخرا العديد من الإصلاحات لوضع الاقتصاد على طريق النمو، ويحاول إحياء التجارة مع جيرانه، خاصة العراق.
في شباط (فبراير) 2019 جاء مجتمع المانحين لمساعدة الأردن مرة أخرى في مبادرة لندن، وهي شراكة بين البلد وتحالف دولي من الشركات والمستثمرين ورجال الأعمال تهدف إلى مساعدة عمان على الوفاء بالتزاماتها تجاه شعبها واللاجئين.
وتلقت عمان حزمة مساعدات بقيمة 2.6 مليار دولار "تقديرا لدورها في حماية الاستقرار في المنطقة وتقديراً لجهودها في استضافة اللاجئين السوريين”. وكان الهدف هو دعم محاولات البلاد لتحقيقه التنمية الاجتماعية والاقتصادية والمضي قدما في خطط البنية التحتية.
ومع ذلك، وفقًا لأحدث تقرير للبنك الدولي، ما يزال الاقتصاد يواجه تحديات كبيرة وهو في حاجة ماسة إلى مزيد من التنويع والاعتماد أقل على القروض والمنح الخارجية، هذا هو المكان الذي تصبح فيه سورية عاملاً مهماً في السياسة والاقتصاد المعقدين في الأردن”.
ووفقا للدراسة، فإنّ جعل جنوب غرب سورية آمناً أمر مهم من الناحية الاستراتيجية للأردن بحيث يمكن تهيئة الظروف لعودة اللاجئين.
ومن الناحية النظرية ، يجب أن يتبع ذلك عملية إعادة بناء تولد عامل جذب لسوريين يعيشون في الأردن. كما أنّه ينطوي على فرصة مالية للأردنيين المستثمرين والشركات، والتي ينبغي أن تعزز بشكل كبير اقتصاد المملكة. وأشارت الدراسة إلى أنّ معبر نصيب – جابر الحدودي الشمالي، الذي تم إغلاقه في 2015 بسبب المخاوف الأمنية، يعتبر عنصراً حيوياً للاقتصاد الأردني ، وبالتالي كان عاملاً أساسياً في تشكيل سياسة الأردن تجاه سورية ونظام الأسد. مشيرا الى أنّ الأردن وسورية لم يقطعا العلاقات بالكامل.
قبل اندلاع الحرب الأهلية السورية كان هذا المعبر يستخدم للتجارة مع سورية وتركيا ولبنان من الشمال والتجارة بين الأردن ومصر والخليج من الجنوب. وكان تقريبا 17 % من صادرات الأردن ، حوالي 270 مليون دولار ، تمر عبر حدود نصيب قبل العام 2011. كما كانت منطقة التجارة الحرة (FTZ) ، التي تأسست منتصف 1970 لتسهيل التجارة والاستثمار تتعامل بما قيمته 1.5 مليار دولار سنويا، ويعمل فيها حوالي 4 آلاف سوري وأردني.
وأكدت الدراسة على أنّ معبر نصيب جابر الحدودي يعتبر أمرا حيويا للاقتصاد الأردني ، وتصدير البضائع من خلاله هو ثلاث مرات أرخص من التصدير عبر خليج العقبة ، كما يمكن أن يكون للتخطيط لمنطقة تجارة حرة جديدة أن تساعد في تخفيف الضغوط الاقتصادية في المناطق الحدودية الشمالية للأردن.