رسائل مبطنة عبر حالات "واتس آب" تشعل الخلافات الأسرية
الوقائع الإخبارية: توصيل رسائل "مبطنة” و”مقصودة” بعبارات أو صور وحتى فيديوهات، هو ما يلجأ إليه العديد من الأشخاص عبر استخدام "الحالة” بتطبيق "واتس آب”، ما قد يسبب مشاكل عديدة في العلاقات الأسرية والاجتماعية.
عام كامل مضى على ترك زوجة خليل بيتها إثر خلاف عائلي بسيط، ازداد وكبر مع الوقت وكان وقوده منشورات "واتس آب”. يروي الأربعيني خليل أحمد تفاصيل مشكلته مع زوجته التي عزم إرجاعها إلى منزلها بعد عشرة أيام من المشكلة، إلا أن حالات "واتس آب” التي كانت تتعمد نشرها أثارت غضبه كثيرا وزاد الطين بلة، وفق قوله.
يقول "كان من الممكن أن نتدارك الأمر ونحل المشكلة، خصوصا وأن لدينا طفلة صغيرة لم يتجاوز عمرها السنتين”، غير أن الفضيحة التي تسببت بها زوجته بنشرها حالات تحمل كلمات مسيئة له ولعائلته وعبارت مبطنة تقلل منه، جعلته محط حديث أفراد عائلته الذين استهجنوا قيامها بذلك الأمر.
ويقول خليل "بعد تركها البيت أصبحت كل العائلة تعلم بذلك، الأمر الذي سبب له إحراجا كبيرا وبدأ يشعر بأن تفاصيل حياته وشؤونه الخاصة عناوين سهرات الأقارب”.
الأمر لا يختلف كثيرا بالنسبة للعشريني سليم خضر الذي ربط استمرار زواجه "بمحو واتس آب من هاتف زوجته”، معتبره السبب الرئيسي في مشاكله العائلية.
عشرات الخلافات نشبت بين خضر وزوجته اللذين لم يمض على زواجهما أربع سنوات ورزقا بطفلين؛ إذ كان وقودها حالات "واتس آب” بين صور وفيديوهات تحمل كلمات تجريح وعبارات مبطنة تسيء له ولعائلته، وأبيات من الشعر تستهدفه، الأمر الذي جعل علاقتهما الزوجية على المحك.
الصدع الذي تسببت به حالات "واتس آب” لا يقتصر فقط على العلاقات الزوجية، وفق خبراء أكدوا الأثر السلبي الذي تحدثه هذه المنشورات في إحداث "شرخ” في العلاقات الأسرية والاجتماعية، باعتبارها تفضح تفاصيل حياة الآخرين وتجعلهم كتابا مفتوحا أمام غيرهم، فضلا عما تحمله من عبارات مسيئة في بعض الأحيان ورسائل مبطنة.
وعلى الصعيد الأسري، أصبحت الرسائل المبطنة التي تضعها زوجة أخ مريم تثير استياء العائلة، خصوصا وأنها في كل مرة تضع هاشتاغ "مقصودة”.
تحاول زوجة أخيها أن تعكر صفو "بيت حماها” باستمرار من خلال نشر صور خاصة لها ولزوجها برفقة أسرتها ولحظات خاصة تجمعهم، في محاولة لاستفزازهم، كما تقوم بنشر عبارات تشكو فيها ظلم أهل الزوج وصعوبة إرضائهم.
تقول مريم "إن نشرها عبارات مطابقة لمواقف وقصص حصلت في بيتنا من دون وجه حق جعل الأمر لا يمكن السكوت عنه”، لافتة إلى أن نشر التفاصيل والحكم عليهم بعبارات مقصودة أمر "غير أخلاقي” سبب لهم إحراجا كبيرا. مشاكل عديدة سببها منشورات حالات "واتس آب” تنوعت بين خلافات أسرية واجتماعية وأخرى كانت سببا في إنهاء صداقات بسبب مشاركة صور لحفلات، رحلات وولائم غاب عنها أحد الأصدقاء فسببت الإحراج.
أصبحت هذه الرسائل والإيماءات والإيحاءات التي توضع على شكل منشورات على موقع التواصل الاجتماعي "واتس آب”، تستخدم لإشعار الآخرين بغضبهم أو "تسميع” الكلام، وفق أخصائي علم النفس الدكتور موسى مطارنة، وبالتالي يلتقط الطرف المعني الرسالة وتبدأ حالة الغضب والتوتر ويبدأ بالرد وبالتالي تخلق حالة من المشاحنات بين الناس.
كما أصبحت هذه الوسائل، بحسب مطارنة، سلاحا بين الأزواج يستخدمونها ضد بعضهم بعضا، فإذا كانت الزوجة "منزعجة” من زوجها تحاول إيصال غضبها من خلال "الحالة”، أو اهتمامها به من خلال عبارات معينة أو فيديوهات والعكس كذلك. وهذه الحالات، بحسب مطارنة، يستخدمها أشخاص "غير متوازنين نفسيا” ويفتقدون الثقة بأنفسهم بحيث يكون حل المشكلات بحسب وجهة نظرهم بهذا الشكل، مما يزيد من تفاقم الخلافات.
ويبين أن هنالك أشخاصا لا يملكون القدرة على المواجهة والإفصاح عن الذات بشكل إيجابي، فيجدون بحالات "واتس آب” مساحة لهذا الإسقاط النفسي، الذي يتسبب بمشاكل كثيرة بين الأصدقاء والعائلات، نتيجة للتهور وعدم المسؤولية التي تصدر عن هذه المنشورات.
الأصل أن تكون الخلافات، وفق مطارنة، داخلية ويتم حلها بين الأطراف المعنية، وأن لا تنشر التفاصيل على "واتس آب” كحالة من الاستعراض.
خبير العلاقات الأسرية مفيد سرحان، يبين بدوره أن الأصل من وجود مواقع التواصل الاجتماعي طرح فكرة أو حكمة وليس لتبادل الشتائم والاتهامات والتشهير بالآخرين، فمن يستخدم هذا الأسلوب "مضطرب نفسيا” ولابد أن يعالج نفسه قبل أن يتسبب بمشكلة أكبر يصعب حلها. ويلفت إلى أنه مع تطور وسائل التواصل أصبح الإنسان قادرا على إيصال رسائله للجميع بسهولة ويسر وأن يعبر عن ذاته وينقل مشاعره في لحظة زمنية معينة بل وأن ينقل تغير هذه المشاعر والأحاسيس في اليوم الواحد أكثر من مرة، مبينا أن لذلك إيجابيات، كما أن له سلبيات إن تطرق لرسائل مبطنة فيها تقصد إيذاء لأحد معين.
ويتساءل سرحان إن كان من المناسب أيضا أن ينقل الإنسان كل ما لديه للآخرين، بمعنى أن يصبح أشبه بكتاب مفتوح، ولا شك أن لذلك آثارا سلبية على علاقات الشخص بالآخرين، والمهم كيف سيفهم الآخرون المعنى والمغزى من هذه الحالة.
ويلفت سرحان إلى أن هذه المنشورات "الحالات” تؤثر على العلاقة مع الآخرين، فقد يكون على خلاف مع أحد الأشخاص يجعله يفسر ويؤول الحالة على غير المعنى المراد، وقد يسبب مثل ذلك خلافات بين الأصدقاء وزملاء العمل بل حتى داخل الأسرة نفسها وبين الزوجين، خصوصا عند الأشخاص الذين يحرصون على تغيير "هذه الحالة” استمرار.
ويقول "نحن بحاجة أولا إلى أن نحسن الظن ببعضنا بعضا وأن نبتعد عن التفسيرات التي من شأنها أن تسبب المشكلات مع الآخرين، فالتعامل بنية طيبة والتجاوز عن الهفوات يسهمان بتمتين علاقاتنا وتقليل المشكلات”.
ويؤكد سرحان أهمية أن يبقي الإنسان شيئا من الخصوصية له ولأسرته وأن يترك مجالا واسعا للانطباعات الشخصية التي تتأتى من الاتصال المباشر؛ لأن تكوين موقف عن بعد قد يصعب تجاوزه، خصوصا اذا لجأ الطرف الى طريقة مشابهة والرد المبطن وتتحول القصة لمعركة وذلك "يهدم” العلاقات.