تعميق أزمة المعلمين.. الأبعاد الخفية حكوميا ونقابيا من وجهة نظر نيابية

الوقائع الإخبارية: في الوقت الذي وصف فيه أحد رؤساء اللجان النيابية إنهاء إضراب المعلمين بـ "المهمة المستحيلة”، أعلن رئيس الوزراء عمر الرزاز عن استنفار الاجهزة الرسمية لإنهاء الإضراب الذي دخل أسبوعه الرابع وتسهيل عودة طلبة المدارس الاسبوع الحالي الى مقاعد الدرس. ولا يعرف بعد إلى ماذا استند الرزاز في ذلك وهل هناك حديث ومفاوضات تجرى في الحديقة الخلفية للحكومة والنقابة يمكنها ان تسفر عن تفاهمات غير معلنة تفضي الى إنهاء القضية دون تحصيل نسبة الـ 50 % التي يطالب بها المعلمون ولتظهر الحكومة ورئيسها بمظهر المنتصر في أزمة تعمّقت وبدت آثارها واضحة على كافة أطياف المجتمع. وفي السياق يكشف مراقبون نيابيون لـ "الغد” أن كلا الطرفين "صعد الشجرة ولم يعد النزول منها ممكنا في ظل تمترس الجهتين”، عازين ذلك الى ضعف الخبرة في صفوف نقابة المعلمين من جهة وعدم وجود خبرات سياسية تتحلى بالحنكة الدبلوماسية خلال الحوار من جهة اخرى. وأشار هؤلاء الى أن نقص الخبرة لدى النقابة ادخل الحكومة في "الحائط” لتمترسها وراء مطلب وحيد كلفته المالية 112 مليون دينار دون فتح الباب لمطالبات اخرى كزيادة عدد مقاعد أبناء المعلمين في المكرمات أو تحسين مستوى التأمين الصحي أو أي مطالب من شأنها تحسين الوضع المعيشي والعملي للمعلم. ولفتوا إلى أنه كان الأولى في النقابة التدرج في التصعيد بدءا من الاعتصام ساعة او ساعتين وصولا الى الاضراب وفقا للقانون بـ 28 يوما في المؤسسة الرسمية و14 يوما في المؤسسة العاملة بالقطاع الخاص وان لا يشمل كافة الصفوف، إذ كان يمكنها استثناء طلبة الثانوية العامة والصفوف الاساسية الاربعة الاولى من الاضراب وتخفيض عدد الحصص بدءا من اربع حصص الى حصتين وهكذا بحيث يمكنها الحصول على التعاطف الشعبي مع مطالبها وقضاياها. غير ان نائبا مخضرما، اكد ان النقابة وبدءا من تأسيسها الذي جاء بناء على اضراب كان سببه خطأ رسمي لأحد الوزراء "وعدم وجود خبرة”، اعتادت ان تحصل مطالبها بالإضراب بدءا من الاعوام 2010 وحتى 2019 فكان ليّ ذراع الحكومة هو الطريقة المثلى للحصول على المكتسبات والمطالب. الحكومة التي لم تفلح كافة محاولاتها بثني النقابة عن فك الاضراب خفضت تمثيل المفاوضات من رئيسها وفريقه الوزاري الى مرتبة مدير الامتحانات القائم بأعمال الامين العام وفقا لمراقبين قالوا انه "ليس بالضرورة ان النفس الطويل في المفاوضات كفيل بأن يزحزح المعلمين عن موقفهم ويعودوا الى اعمالهم دون الحصول على زيادة الـ 50 %”، معتبرا ان هذا من ضرب الخيال، فيما يؤكد خبراء آخرون ان "الحل الوحيد هو عدم استعمال العصا والجزرة في التعامل مع المعلمين والابتعاد عن العصا الغليظة في التعاطي مع مطالبهم التي يؤمنون انها حق مشروع لا يمكن التنازل عنه”. أزمة المعلمين مع الحكومة وصلت الى طريق مسدود وفقا لنواب "اعتبروا انها تستدعي معالجات جراحية قاسية لجهة إرغام المعلمين على العودة الى مقاعد الدرس في حال بقيت النقابة متمترسة خلف مطالبها ولم تبد أي ليونة في موقفها، والتوافق مع الحكومة على بدائل تمكنها من تحصيل الجزء الاكبر من مطالبها دون ان يتوسع الشرخ ليصل الى حدود غير مقبولة”. التسريبات من الحكومة وأطراف نيابية تشير الى ان "البدائل الرسمية لحل ازمة اضراب المعلمين قاسية وفيها عامل خطورة كبير، غير انها قد تلجأ لها في حال اضطرت الى ذلك وبشكل جزئي بعد أن فشلت في خلق حالة من الخصومة بين المواطن والمعلم”. خطاب الحكومة للإعلام في التعبير عن مفاوضات المعلمين هو خطاب إنشائي ولم يبرز أي تفاصيل للمفاوضات كما لم تفصح عنه أي أرقام يمكن ان تقنع الناس بجدية إنهاء الأزمة، كما أنها لم تعترف بشكل رسمي بأحقية المعلمين بالعلاوة . ومن جهتها، المبادرات والتدخلات النيابية لم تنجح في رأب الصدع بين الحكومة والمعلمين ذلك انها لم تلامس الحد الأدنى من تقديم مقاربات منطقية بين الطرفين او تقديم حلول يمكن تطبيقها على ارض الواقع، اذ ان القضية بالنسبة للحكومة ليست مالية فقط وإنما يمكنها ان تفتح باب المطالبات الوظيفية والزيادات لموظفي الدولة في البلديات والأئمة ومختلف القطاعات ما يرتب عبئا ماليا كبيرا على الموازنة العامة التي يسعى رئيسها الى تخفيف النفقات العامة.
وفيما بقيت مطالبات نقابة المعلمين محصورة بعلاوة الـ 50 % ولم تترك المجال واسعا للحكومة للتفاوض بشأنها فإن هذا يعني أن الحكومة إما أن تقر بالعلاوة أو لا تقر، وفي المقابل فإن قرار النقابة ليس محصورا بالنقيب وأعضاء المجلس وإنما بقواعد النقابة في المحافظات التي لن تقبل بأي شكل بالتراجع عن مطلبها الذي تعتقد انه محق ولا تنازل عنه. ويبدو أن الحلول الخلاقة تغيب عن بال الحكومة لإنهاء الأزمة بأقل الخسائر دون أن تتعمق وترمي بظلالها على كافة القطاعات الرسمية، فيما يرى برلمانيون أن من شأن هذه الأزمة أن تطيل من عمر الحكومة وفريقها الوزاري الذي وصل الى الشوط نصف النهائي ويرغب في البقاء الى نهاية المدة الدستورية مع مجلس الأمة والتي تنتهي عمليا في نيسان (ابريل) العام المقبل، معتبرين أن اجتراح المزيد من الأزمات من شأنه الإبقاء على الحكومة الى حين حلها وبأقل الخسائر في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة للمواطنين وعجز الموازنة العامة وحالة الركود التي تعانيها مختلف القطاعات الاقتصادية.