26 % نسبة الجرائم العائلية العام الماضي.. ومختصون: روابط المجتمع تتفكك
الوقائع الإخبارية: جرائم القتل بشكل عام تؤرق المجتمعات وتضرب في تماسكها واستقرارها، لكن الأشد إيلاما بلا شك هي الجرائم التي تحدث داخل العائلة الواحدة أو بين الأقارب، وهذا ما حدث فجر أمس، عندما قتل شاب والده طعنا داخل منزلهما في محافظة إربد، بسبب خلاف بينهما، فيما قتل أيضا مواطن خمسيني بالرصاص على يد أحد أقاربه، قبل أيام، في منطقة المصطبة بمحافظة جرش، إثر مشاجرة اندلعت بين أبناء عشيرتين من المنطقة ذاتها.
وعزا مختصون حدوث هذا النوع من الجرائم، إلى أسباب عدة، لعل أبرزها "ضعف دور "القدوات” في المجتمع عما كان عليه في السابق وترك الخلافات تتفاقم دون حل، بالإضافة إلى حدوث تغير وتراجع في منظومة القيم الدينية والمجتمعية”.
أستاذ علم الاجتماع في جامعة البلقاء التطبيقية الدكتور حسين الخزاعي أكد "أن الدراسات الرسمية أظهرت أن نسبة الجرائم العائلية خلال العام الماضي بلغت 26 %، فيما بلغت خلال الخمسة أعوام الأخيرة 36 %”، مشيرا إلى أن سببها الرئيسي هو "عدم حل الخلافات الأسرية بسرعة وتأجيل حلها، ما يؤدي إلى تفاعل سلبي بين الناس وإلى تأزيم الأمور واستفحال الخلافات وتفاقمها”.
وأضاف "أن من الأسباب الرئيسة هي غياب القدوة أي أن الذين يتدخلون لإصلاح ذات البين أصبح هناك انحسار في دورهم”، متسائلا "أين هم المخاتير والوجهاء ورجال العشائر والمعلمون ومديرو المدارس؟”.
فبحسب الخزاعي، "هؤلاء الناس الذين نسميهم قادة المجتمع والرأي، أصبحوا لا يتدخلوا إلا في حال الطلب منهم”، لكنه عزا السبب في ذلك إلى "حساسية النزاعات الأسرية وخصوصيتها”.
وأشار إلى القول الدارج في الأردن (الدم على بعضه ثقيل)، "فعندما تحدث خلافات بمن يرتبطون بصلة قربة أو صلة الدم، تكون ردة الفعل عنيفة، فضلا عن غياب لغة الحوار أيضا بين الأهل والأقارب”.
ومن الأسباب أيضا وفق الخزاعي، "انتشار ظاهرة الانعزال في المجتمع المدني، التي تعتمد على عدم السماح للناس أن يتدخلوا بين بعضهم بعضا، فالناس تنأى بنفسها عن أي تدخل في حال حصول أي مشكلة”.
من جهته، قال أستاذ علم الاجتماع والجريمة وعميد كلية العلوم المجتمعية في جامعة مؤتة، حسين محادين، إن هذه الجرائم بحاجة إلى دراسة وتحليل عميق، بحث أسباب وصول المجتمع إلى هذا المنسوب المرتفع من العنف.
وبين "أن أي جريمة لها مقدمات عند حدوثها ولها نتائج تترتب على الفعل، وفي عقود سابقة كانت تربط المجتمع الأردني علاقات اجتماعية قوية كانت تمثل حائط صد ووقاية لمنع وقوع الجرائم العائلية في شتى مناطق المملكة، لكن التفكك الذي حصل في هذه العلاقات أخذ في تحويل المجتمع من القيم الجماعية إلى القيم الفردية، بالإضافة إلى الضعف في القيم الدينية والاجتماعية التي كان يتصف بها المجتمع الأردني، حيث إن عمليات الضبط الداخلي ضعفت وأدت إلى إضعاف قيم التسامح مقابل التركيز فقط على التعويضات المصاحبة لمثل هذه الجرائم حتى لو كانت على حساب قيمة الإنسان والذي يفترض أن يكون مكرما”.
وأضاف محادين "أن المجتمع برمته لم يعد مستندا في مرجعيته على القيم الحميدة التي كان يقوم عليها، حيث إن المجتمع الآن يفتقد إلى المرجعيات المفصلية التي كانت تنهي الأزمات والقضايا العائلية بشكل سريع قبل حدوث ما لا تحمد عقباه”.
أما العميد المتقاعد، سعد العجرمي، فقد شدد على ضرورة تأكيد سيادة ثقافة التسامح بالمجتمع الأردني لتقليص آثار القضايا العائلية، إضافة إلى ضبط المجتمع بمبدأ سيادة القانون، لافتا إلى أن بعض جرائم القتل بين الأقارب تكون ناتجة عن تعاطي المخدرات والبعد عن الدين والتغير الحاصل في العادات والتقاليد للمجتمع الأردني.
التقرير الإحصائي الصادر عن إدارة المعلومات الجنائية التابعة لمديرية الأمن العام للعام الماضي، يشير إلى أن جرائم القتل بأنواعه (القصد والعمد) والمرتكبة ضد الذكور والإناث خلال العام الماضي هي الأقل منذ العام 2008، أي قبل 10 أعوام، حيث ارتكبت 89 جريمة قتل العام الماضي، فيما ارتكبت 127 جريمة في 2017، و133 جريمة في 2016، و159 جريمة في 2015، و176 جريمة في 2014، و144 جريمة في 2013، و153 جريمة في 2012، و133 جريمة في 2011، و109 جرائم في 2010، و91 جريمة في 2009، و100 جريمة في 2008.