"وادي عربة".. المزاج السياسي وعقدة "المال" يتحديان طموحات الأمن المائي

الوقائع الإخبارية: رفع خبراء في قطاع المياه من شأن إعادة مناقشة بنود الملحق الخاص بالمياه ضمن اتفاقية وادي عربة، والمعروفة باتفاقية السلام، بالتزامن مع مضي 25 عاما على توقيعها بين الأردن وإسرائيل، مؤكدين ضرورة تحديث بنود الاتفاقية، خاصة الشق المتعلق بالمياه، في ضوء المستجدات المائية المتزايدة والمُلحّة والتغييرات المناخية التي غيرت ملامح تبعات المواسم الصيفية والشتوية في مختلف مناطق المملكة ورصدها منذ عام توقيع الاتفاقية العام 1994. وبين تركيز دعوات متخصصين بضرورة تجديد بنود اتفاقية المياه المشتركة بين الأردن وإسرائيل لتتواءم ومستجدات التغيرات الحاصلة خلال الأعوام الأخيرة والمتوقعة مستقبلا، أكدت وزارة المياه والري، حصول الأردن على كامل حصته المائية المتفق عليها ضمن المعاهدة الموقعة. أمين عام سلطة وادي الأردن علي الكوز، شدد، في تصريحات له على المتابعة الحثيثة من قبل اللجان الأردنية – الإسرائيلية المشتركة لكافة بنود اتفاقية وادي عربة والمتعلقة بالحقوق المائية المشتركة، والتفاصيل المنبثقة عنها، مؤكدا "ضرورة الإسراع في مشاريع تحلية المياه، لإنقاذ احتياجات الأردن المائية الحرجة”. وأكد أن وزارة المياه والري ما تزال في وضع "لا تحسد عليه”، لا سيما وأنها "مضطرة لإيجاد مصادر مائية جديدة، حتى وإن كانت ذات كلفة عالية” كضخ واستخراج المياه الجوفية العميقة ونقلها (مياه الديسي مثلا)، وتحلية مياه البحر (ناقل البحرين الأحمر- الميت) لتلبية الاحتياجات المتزايدة، لافتا الى أن "التحديات المالية ما تزال تحول دون إمكانية الإسراع بتنفيذ تلك المشاريع، خاصة لمشروع تحلية مياه البحر الأحمر في العقبة”. وأشار بهذا الخصوص الى تحدي إمكانية الولوج بمشروع ناقل البحرين (الأحمر-الميت) الإقليمي المشترك بين الأردن وإسرائيل وفلسطين، والذي لم تتم تسميته بوضوح ضمن اتفاقية "السلام” الموقعة في العام 1994، إلى أرض الواقع، فيما تم إدراجه بشكل صريح ببرنامج الاستثمار في الأردن، والوارد ضمن خطة السلام الشاملة إلى الازدهار، وذلك ضمن 15 مشروعا من المقرر أن يتم تنفيذها في الأردن. من جهته، أمين عام سلطة وادي الأردن الأسبق ورئيس لجنة المياه الثنائية مع إسرائيل أثناء مفاوضات السلام دريد محاسنة، اعتبر أن الأردن "فقد فرصته بتحقيق أولى خطوات ناقل البحرين، حين فاوض على استيراد الغاز من إسرائيل”، في الوقت الذي كان يمكنه أن يعمل على توفيره من أي جانب آخر أو عبر الطاقة البديلة التي تسد الحاجة بدلا من المستوردة، "لا سيما وأنه لم يطلب مقابلا للضغط نحو تنفيذ ناقل البحرين”. وأشار محاسنة الى أنه منذ العام 1998، وحين تم الاتفاق الأولي على إنشاء قناة البحرين (الأحمر-الميت)، كبديل عن (المتوسط)، "تتذرع إسرائيل بحجج واهية لعدم رغبتها بتنفيذ المشروع الأردني”؛ إلا أنه ونتيجة الضغوطات والحاجة للمياه؛ تفضل إسرائيل المضي بمشروع الناقل عبر المتوسط، وهو ما لا ستحمد عقباه في حال تم تنفيذه، حيث سيتم حينها الاعتماد جزئيا أو كاملا على تحلية المياه من إسرائيل. ويؤكد محاسنة في الوقت نفسه أن ناقل البحرين (الأحمر-الميت)، "خيار استراتيجي أردني سيوفر مياها للأردن على مدى سنوات، ويرفع منسوب البحر الميت، ويحقق مشاريع تنموية في منطقة وادي عربة ويوفر فرص عمل ضمن الأمن المائي الأردني”. وتأكيدا على أهمية اتخاذ الأردن قراره الحتمي وعزمه نحو السير في المشروع الوطني لتحلية مياه البحر الأحمر في العقبة، رفع أستاذ علوم المياه الجوفية وكيميائية المياه في الجامعة الأردنية إلياس سلامة، من شأن أن "يعتمد الأردن على نفسه بتحلية المياه في العقبة، لا سيما وأن تلبية احتياجات الأردن المائية أولوية قصوى، وتندرج تحتها صياغة سيناريوهات لإنقاذ البحر الميت”. ودعا سلامة الى "إجراء محادثات مستجدة عقب مرور 25 عاما على توقيع معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل للتوصل الى اتفاقية جديدة في ضوء المستجدات المائية الملحة والمتزايدة، وصولا لصياغة اتفاقية جديدة تراعي مستجدات وتحديات الأوضاع المائية”. وسيأخذ الأردن بموجب مشروع التحلية في العقبة، بالاعتبار كافة الأمور المرتبطة بالقوانين الدولية والمتعلقة باتفاقية وادي عربة، بخصوص موقع محطة تحلية المياه المزمع إنشاؤها، وسيمضي ضمن خطواته الممنهجة. وقال سلامة إن الطرفين الأردني والإسرائيلي، التزما ببنود الاتفاقية المشتركة، لكن المرحلة الحالية، والتي تشهد ترديا كبيرا بالوضع المائي، تتطلب نظرة استراتيجية ذات أولوية. هموم الأردن المتوازية مائيا وماليا تتزايد تصاعديا عاما بعد عام، وسط مداهمة تحديات وانعكاسات شح المصادر المائية واستنزاف الموارد الجوفية، وارتفاع أسعار الطاقة والكهرباء على قطاع المياه الذي يعاني عجزا في المديونية تتجاوز قيمته ملياري دينار، شكلت نحو 7.2 % من حجم مديونية خزينة الحكومة حتى نهاية العام الماضي 2018، بحسب هؤلاء الخبراء. وإذا لم يسارع الأردن في تنفيذ مشاريع التحلية، فإن تحدياته المائية ستتفاقم بشدة، خاصة ما يتعلق بإنقاذ وضع الأردن المائي، وخفض مرتبته ضمن مستوى الفقر المائي في قياسات ندرة المياه العالمية، والذي يصل حاليا إلى المستوى الثاني. وفي الوقت الذي تتميز فيه الكفاءة الأردنية في إدارة المياه، إلا أن هذا الأمر لا يلغي مخاوف من استمرارية "نزيف” المصادر المائية المحدودة أصلا بالمملكة، خاصة مصادر المياه الجوفية، وسط عجز مائي سنوي يفوق 400 مليون متر مكعب سنويا. وفي سياق الحفاظ على متبقيات الموارد الجوفية، أكد وزير المياه والري الأسبق محمد النجار، ضرورة تمسك الأردن بموقفه حيال استفادة المملكة من المياه الجوفية في منطقة الغمر والتي كان الجانب الإسرائيلي يسيطر عليها. وجدّد النجار دعوته الى إعادة النظر في بنود المياه المدرجة ضمن اتفاقية وادي عربة، في ضوء المستجدات التي طرأت خلال 25 عاما الماضية، والتغيرات المناخية، فضلا عن تغير استخدامات المياه. وبمقتضى برنامج الاستثمار في الأردن الوارد ضمن "خطة السلام للازدهار”، والتي تم نشرها على الموقع الإلكتروني للبيت الأبيض، اندرج ضمنها مشروع ناقل البحرين (الأحمر – الميت) المرحلة الأولى ودعمه، باعتباره يوفر المياه لإسرائيل والأردن، مع الأخذ بالاعتبار التخفيف من حدة انخفاض مستويات المياه في البحر الميت. وأوردت الخطة أن من المتوقع أن تشمل الميزات الرئيسية للمشروع، الذي رجحت أن تستغرق أعماله عامين، محطة لتحلية المياه على البحر الأحمر بهدف توفير المياه للمناطق الجنوبية من الأردن وإسرائيل، وبيع المياه الإسرائيلية إلى شمال الأردن، إلى جانب اتفاق إسرائيلي فلسطيني لتوفير المياه الإضافية إلى الضفة الغربية وغزة. كما أدرجت الخطة مشروع ناقل البحرين (الأحمر – الميت)، المرحلة الثانية، فضلا عن مشروع إعادة تأهيل نهر الأردن، في سياق تنفيذ برنامج إعادة دراسة الآثار الواقعة على نهر الأردن والحد من التلوث الناجم عن جريان المياه العادمة والزراعية. ويواجه مشروع ناقل البحرين (الأحمر-الميت) حاليا مطبات تتمثل في تنصل الجانب الإسرائيلي من مسؤولياته أمام المجتمع الدولي وشراكته مع الأردن بخصوص أهم الأولويات الاستراتيجية المتعلقة بالتعاون في جانب المياه. ونتيجة أزمة سياسية بين الجانبين الأردني والإسرائيلي في العام 2017، توقف "حلم”
تنفيذ مشروع "البحرين” الذي طالما اعتبرت أوساط علمية وسياسية تنفيذه، "ضربا من الخيال”، رغم الحصول على موافقة لتمويل مرحلته الأولى. واجتهدت الحكومة الأردنية خلال السنوات الماضية بالتواصل مع المجتمع الدولي للمساهمة في إعداد الدراسات اللازمة لمشروع ناقل البحرين والمساعدة في إيجاد التمويل اللازم، والذي بلغ نحو 283 مليون دينار أردني. وسيجني الأردن بموجب المرحلة الاولى من المشروع، توفير 85 مليون متر مكعب، وإطلاق مبادرة الحفاظ على بيئة البحر الميت، وتزويده بكمية تصل الى 200 مليون متر مكعب سنويا، اضافة لإحداث تنمية شاملة في منطقة وادي عربة، حيث سيعمل المشروع على توفير 2000-3000 فرصة عمل جديدة اثناء التنفيذ و 300 فرصة عمل دائمة لأبناء وأهالي المنطقة. وأشارت تقارير صحفية إسرائيلية في هذا السياق، الى تفاقم نقص المياه في المملكة رغم الوعود الإسرائيلية على مر السنين بتوفير المياه للأردن، ما "قوّض” ثقة المسؤولين الأردنيين بنظرائهم الإسرائيليين”. ولم تستبعد معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل في العام 1994 فكرة ضخ المياه إلى البحر الميت ونصت على أن "كلا البلدين يجب أن يتعاونا بشكل أو بآخر في مشروع قناة البحرين”، وفي الوقت نفسه ترك الأردنيون هذا الخيار "حلما مفتوحا”.