مطالبات بمأسسة آلية وطنية لحقوق الإنسان تحترم التزامات الأردن الدولية

الوقائع الإخبارية: وسط تفاؤل هيئات حقوقية ونشطاء بالسياسات التوجيهية التي صدرت عن رئيس الوزراء عمر الرزاز بخصوص حقوق الإنسان، إلا أن الانتقادات لم تتوقف للحكومة حيال هذا الملف، خاصة على ضوء سلسلة من الأحداث العامة التي شهدتها البلاد وتخللها وقوع انتهاكات في حرية التعبير والرأي والتجمهر، كأزمة المعلمين، وتسجيل اعتقالات بين صفوف نشطاء وحزبيين، حيث اعتبر الخطاب الحكومي حيالها "رخوا وغير مؤسسي”.
وجددت هذه الهيئات والنشطاء مطالباتها للحكومة، بدفع عجلة إنفاذ توصيات الاستعراض الدوري الشامل الثالث (UPR)، ومأسسة آلية توافقية مع المجتمع المدني حول ملف حقوق الانسان، عدا عن المضي قدما بالتزاماتها التي أعلنت عنها، بما في ذلك التحضير للتقرير النصفي للاستعراض المقرر تقديمه بعد عام تقريبا من الآن.
ومضى عام على مناقشة الأردن التقرير في دورته الثالثة أمام مجلس حقوق الانسان في جنيف، إذ أعلنت الحكومة عن قبولها 149 توصية من توصيات الاستعراض، فيما لم تقر بعد مصفوفة إنفاذ التوصيات بصيغتها النهائية بعد أن عرضت مسودتها الأولية على هيئات المجتمع المدني في 3 أيلول (سبتمبر) الماضي. وعلى مدار أكثر من عام ، أصدر الرئيس الرزاز عدة قرارات وتوجيهات وتعميمات، من شأنها تعزيز حالة حقوق الانسان ومأسسة عمل هذا الملف حكوميا، من بينها إصدار قرار بتشكيل لجنة موسعة في 29 تشرين الأول (اكتوبر) 2018 لتحليل منظومة الاتفاقيات الدولية المتصلة بحقوق الإنسان ومقارنتها ومقاربتها مع نصوص القانون الوطني.
كما استحدثت وحدة متخصصة لحقوق الإنسان في رئاسة الوزراء استنادا لنظام الهيكلة الجديد أواخر العام 2018، وصدور تعميم للجهات الرسمية والحكومية بتنفيذ توصيات الاستعراض في 9 نيسان (إبريل) الماضي، وكذلك صدور قرار بتعيين الدكتورة عبير الدبابنة، كمنسقة حكومية جديدة لحقوق الانسان في 18 آب (أغسطس) الماضي بعد شغور الموقع لأشهر. كما صدرت توجيهات رسمية بمراجعة الخطة الوطنية الشاملة لحقوق الانسان 2016-2025 ، وعقدت عدة اجتماعات أولية لها، كان أحدثها الاجتماع الذي عقد في 19 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، لكن الأوساط الحقوقية لا تزال تنتظر الخروج بنتائج حاسمة معلنة.
ورأى المنسق العام لهيئة تنسيق مؤسسات المجتمع المدني "همم”، نضال منصور، أن هناك عدة نقاط رئيسة يمكن تسجيلها في هذا الصدد، أولها أن "المجتمع المدني ما يزال ينتظر من الحكومة التوافق على الآلية الوطنية لحقوق الانسان التي قدمتها (همم) في كانون الثاني (يناير) الماضي لبناء سياق مؤسسي فاعل في التعامل في التعامل مع قضايا حقوق الانسان”، مراهنا على أن الآلية المطلوبة ربما ستدفع بآليات للعمل في خطوات ممنهجة للأمام.
وقال منصور، في تصريح لـ”الغد”، إنه على مدار عام بعد مناقشة الاستعراض الثالث، "شهدت البلاد انتهاكات متكررة، خاصة فيما يتعلق بحرية التعبير وحق التجمهر السلمي”. وأشار الى "هذا جزء من الأولويات التي تتكرر في الاستعراض الدوري الشامل والاجتماعات المتعلقة بالآليات التعاقدية وغير التعاقدية والانتقادات في التقارير الأممية عن الأردن”، مشددا على "ضرورة أن يسعى الأردن لتحسين مؤشرات حقوق الانسان لديه، وأن يتخذ خطوات معلنة وواضحة غير قابلة للاجتزاء، وتحترم كل الالتزامات في المعاهدات الدولية والاتفاقيات الدولية”.
وحول الخطة الوطنية الشاملة لحقوق الانسان 2016-2025، دعا منصور إلى الاسراع في مراجعتها ومواءمتها ووضعها في "سياق أكثر انضباطا وبشكل قابل للتطبيق والقياس”، مشيرا إلى أن هذا الجهد الذي بدأت به الحكومة وأعلنت عنه، لا بد أن يتبلور قبل نهاية العام الحالي مع المجتمع المدني لجهة إعادة تطوير وبناء الخطة، في الوقت الذي "تتفق منظمات على أن الخطة فضفاضة ولا تتضمن مؤشرات للقياس”. وقال ان الأردن أكد التزامه بتقديم تقرير نصفي العام المقبل عن إنفاذ الاستعراض الدوري الثالث، لافتا الى أنه "تبقى عام على موعد تقديم الحكومة للتقرير النصفي، وهذا يتطلب خطة واضحة المعالم لإنفاذ التوصيات”. وفيما دعا منصور أيضا إلى مناقشة التوصيات التي لم يقبلها الاردن في الاستعراض جديا، جدد مطالبته بضرورة إعادة النظر في لجنة مواءمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية، وبما يضمن وجود تمثيل للمجتمع المدني فيها. وتواجه الحكومة ملفات شائكة في حقوق الانسان، من بينها ضعف دعم الفئات الأكثر عرضة للانتهاك (المرأة وكبار السن وذوي الإعاقة والأطفال) التي استحوذت على 42 % من توصيات الاستعراض، وملف الحقوق السياسية والمدنية التي تشكل نحو 27 % من التوصيات، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تشكل 20 %.
ومن أهم المقترحات التنفيذية التي وضعتها الحكومة في مصفوفة مسودة إنفاذ التوصيات، وضع حد لممارسات الاحتجاز وتعزيز ضمانات المحاكمات العادلة وتحديد قوائم بالعقوبات البديلة، وتشكيل لجنة لدراسة المواد المتعلقة بمناهضة التعذيب، وإصدار قانون حقوق الطفل وغيرها. وتضمنت المصفوفة مقترحات محددة لمراجعة تعديلات قانون الاحداث، ومجابهة العنف والتمييز ضد الأطفال المهمشين أو المحرومين، وتفعيل نظام الرعاية اللاحقة للأحداث، واقتراح إنشاء نظام (آلية تلقي الشكاوى) ومتابعتها، ورفع الوعي لتسجيل المواليد، وتوفير الخدمات الاساسية للاجئين والمهاجرين، وإعادة إدماج ضحايا الاتجار بالبشر، وإنشاء آلية وطنية للشكاوى المتعلقة بانتهاك حرية التعبير، إلا أنها لم تتطرق لعقوبة الإعدام رغم وجود توصيات في الاستعراض بشأن العمل على إلغائه. بدورها، أشارت مديرة مركز العدل للمساعدة القانونية، هديل عبدالعزيز، الى خطوات إيجابية في "إدارة ملف حقوق الانسان” على مدار أكثر من عام، "لكنها ليست كافية، بما في ذلك استحداث موقع المنسق الحكومي لحقوق الانسان في رئاسة الوزراء”.
ورأت عبدالعزيز، أن استحداث آليات للتنسيق بين الحكومة والمجتمع المدني، لا بد أن تترافق مع تفعيل عملي بعيدا عن الطابع الشكلي، وقالت: "لا يمكن أن نقول ليس هناك تقدم في عدة مسارات، لكن نريد أن تكون عملية التنسيق بين الحكومة والمجتمع المدني فاعلة وليست شكلية، لأن الحوارات التي أجريت مع المجتمع المدني قبيل الاستعراض الدوري الثالث لم تنعكس في التقرير الوطني عند المناقشة”.
وأشارت إلى أن هناك "حاجة ماسة إلى دفع حكومي لمأسسة العديد من الممارسات المعززة لبيئة حقوق الانسان، من بينها على سبيل المثال لا الحصر، الدعم القانوني للموقوفين خلال الاحتجاز في المراكز الأمنية الذي وإنْ شهد تقدما لكنه بحاجة إلى مأسسة أكبر وتفعيلا ليصبح واقعا معمولا ومسلما به”.
وفي سياق الحديث عن الخطة الوطنية الشاملة لحقوق الانسان، قالت عبدالعزيز "هي واحدة من أهم الانجازات، لكنها بحاجة إلى تنفيذ جدي على أرض الواقع، وهناك مؤشرات سلبية لقياس تنفيذها حيث ورد العديد من مضامين الخطة في الاستعراض الدوري الشامل ورفضت، رغم أنها معتمدة في الخطة”.
وشددت على ضرورة قيام الحكومة بجهد أكبر، في تعزيز آليات ودور الهيئات الرقابية على حالة حقوق الانسان في البلاد، سواء أكان عبر دور المركز الوطني لحقوق الانسان ومنظمات المجتمع المدني أو جهات الرصد والنقابات المهنية والعمالية، والتوقف عن التضييق على الحريات العامة والإعلام.
ويعتبر الأخذ بتوصيات المركز الوطني لحقوق الانسان السنوية، واحدا أيضا من أبرز الالتزامات الحكومية في تعزيز بيئة حقوق الانسان في البلاد، حيث سيصدر المركز تقريره السنوي لحالة الحريات عن العام 2018 صباح يوم غد الاثنين.
وتعهد رئيس الوزراء الرزاز في زيارة له للمركز الوطني لحقوق الانسان في 22 آب (أغسطس) الماضي بالدعم الكامل للمركز ومجلس الأمناء الجديد، وقال "لا ندعي اننا وصلنا الى مرحلة الكمال في مجال حقوق الانسان، ولكن هناك تصميما وارادة سياسية تعكسها توجيهات جلالة الملك بالمضي قدما في هذا المجال والارتقاء به نحو الأفضل”. ولا تزال الأوساط الحقوقية والشعبية بانتظار نتائج لجنة التحقق في انتهاكات إضراب المعلمين التي شكلها المركز الوطني قبل نحو شهرين، وسط انتقادات حقوقية لتأخر النتائج التي اعتبرها البعض تعود لمماطلة حكومية في تزويد المركز بالمعلومات اللازم.