"المركز الوطني": فشل الحكومات يفرز مشاكل اقتصادية معقدة وواقعا معيشيا مترديا

الوقائع الإخبارية: في معظم الجوانب الاقتصادية التي رصدها المركز الوطني لحقوق الإنسان في تقريره السنوي المنشور أخيرا، يؤكد المركز في أكثر من موقع فشل الحكومات خلال العام الماضي في وضع الإجراءات المناسبة لتحسين الحال الاقتصادي، بل دورها في تكريس هذا الوضع في كثير من الجوانب. وبدءا من ملف الاستثمار الذي يؤكد المركز "استمرار وجود قصور في الإجراءات ومعيقات لنموه” إلى "المديونية” و”الفقر” والبطالة” و”النمو الاقتصادي” وغيرها من المؤشرات والقطاعات يؤكد المركز مرارا وتكرارا على فشل الإجراءات المتخذة لتحسينها والنهوض بها. وكان من أبرز ما تمّ التأكيد عليه هو "الحق في مستوى معيشي لائق” الذي يرى المركز أنّه شهد تراجعا، نتيجة سلسلة من السياسات الحكومية، التي زادت من الأعباء المعيشية على المواطنين، وأثّرت سلباً على قدرات الأسر الأردنية في تحمّل النفقات الأساسية للمعيشة، لا سيما الطبقتين؛ المتوسطة ومتدنية الدخل. وأكّد أنّ تنفيذ برنامج فعال لمكافحة الفساد في الأردن ما يزال ينتابه بعض القصور ولم يرتق إلى ممارسات يلمس أثرها المواطنون في عمل الإدارات الحكومية والخدمات العامة. أما الطاقة، فقد أكد أنّ هذا القطاع يشكل عبئاً على المواطن، ويضيف اعباء إضافية عليه، من خلال ارتفاع أسعار الوقود والمحروقات، وارتفاع أسعار فاتورة الكهرباء، وما تحويه من ضرائب ورسوم ثابتة، "لا يعلم المستهلك آلية فرضها ولا اوجه انفاقها، ولاسيما بند فرق أسعار الوقود التي تثير العديد من التساؤلات حول السند القانوني لهذه الرسوم التي تفرضها الحكومة دون ان تفصح أو توضح ذلك للمستهلكين؛ ما يعتبره المركز إخلالا بمبدأ الحكم الرشيد والشفافية”. وأشار إلى أنّ البادية والمناطق القروية والريفية "ما تزال تواجه أحوالا اقتصادية واجتماعية متعثرة”. وأكّد أنّ العبء الضريبي لا يتسم بتحقيق العدالة الضريبية، لاسيما ضريبة المبيعات التي تتحملها كافة شرائح المجتمع وبنفس القيمة. كما أنّ هناك ضبابية وعدم نجاعة في الإجراءات الحكومية لتحسين مستوى معيشة الأردنيين وتمتعهم بهذا الحق على الرغم من السياسات المعلنة في هذا الجانب. الاستثمار والبيئة الاستثمارية يرى التقرير أنه على الرغم من الإجراءات الحكومية التي اتخذتها الحكومة خلال العام الماضي لتشجيع الاستثمار وتحفيز البيئة الاستثمارية، وانعقاد العديد من المؤتمرات واللقاءات لجذب المزيد من الاستثمارات، إلا أن المركز يرى انه ما يزال ينتاب هذه الإجراءات "بعض القصور والمعوقات”. وأضاف "هناك عائق يتمثل في تعقيد الإجراءات والبيروقراطية وغياب الشفافية وتجذّر ظاهرة الفساد في بعض مفاصل الدولة، ووجود بعض الممارسات الاستغلالية، وتعقيد إجراءات الحصول على التراخيص اللازمة لأي نشاط استثماري وعدم التعامل مع مرجعية واحدة من قبل المستثمر، على الرغم من وجود هيئة خاصة لهذا الجانب هي هيئة الاستثمار”. وألمح الى مؤشر ممارسة الأعمال الذي حقق فيه الأردن تقدما إيجابيا ومبشراً في تحسين بيئة الأعمال الوطنية. المديونية
قال التقرير ” ما زالت المديونية تعد من أبرز العقبات التي تواجه الدولة، وتشكل التحدي الأبرز في مسيرة التنمية الوطنية، لما لها من آثار سلبية نتيجة توجيه مبالغ طائلة من الإيرادات العامة لخدمة هذا الدين وفوائده بدلا من توجيهها للاستثمار في مشاريع تنموية تنعكس على تحسين حياة المواطنين ومستوياتهم المعيشية، على الرغم من وجود العديد من الخطط والبرامج التنموية. النمو الاقتصادي ما تزال الأرقام والإحصائيات تشير إلى أن معدلات النمو دون المستوى المطلوب عن الهدف الذي حددته رؤية الأردن 20-25 أما من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي فقد احتل الأردن المرتبة 120 عالميا وبمبلغ 6.115 دولارا سنوياً من أصل 187 دولة شملها التقرير الصادر عن منتدى الاقتصاد والأعمال /الأمم المتحدة. الصادرات على الرغم من الظروف الإقليمية غير المستقرة وخاصة في بعض دول الجوار (العراق، سورية، اليمن) وإغلاق بعض الأسواق في وجه الصادرات الأردنية إلا أن العام 2018، شهد تحسنا طفيفا في سوق الصادرات الأردنية، إذ سجلت قيمة الصادرات الكلية خلال العام 2018، ما قيمته 5518.5 مليون دينار، بارتفاع نسبته 3.5 % مقارنة بالعام 2017. والعجز في الميزان التجاري، والذي يمثل الفرق بين قيمة المستوردات وقيمة الصادرات الكلية قد بلغ 8834.7 مليون دينار، وبذلك يكون العجز انخفض خلال العام 2018، بنسبة 4.2 % مقارنة مع العام 2017م.
الأسعار والضرائب والرسوم قال التقرير إنّه في 2018 تأثر المستوى العام للأسعار بسلسلة القرارات الحكومية المتخذة خلاله، والتي من أبرزها تحرير أسعار المشتقات النفطية، وتعديل ضريبة المبيعات على العديد من السلع والخدمات وفرض المزيد من الضرائب والرسوم تحت مسميات مختلفة كالضرائب الخاصة، حيث ارتفع معدل التضخم قياساً بالتغير النسبي في الرقم القياسي لأسعار المستهلك خلال العام 2018 بمعدل 4.5 % مقارنة مع العام 2017. المشاركة الاقتصادية الكلية
في هذا الجانب تشير بعض البيانات الحكومية إلى محدودية المشاركة الاقتصادية الكلية وضآلة فرص العمل المستحدثة في الاقتصاد الأردني خلال الربع الثالث من العام 2018، اذ بلغ معدل المشاركة الاقتصادية المنقح ( قوة العمل منسوبة الى السكان 15 سنة فأكثر) ما نسبته 36.8 % ، 56.9 % للذكور مقابل 15.8 % للإناث مقارنته مع 39.2 % للعام 2017م ،60.7 % للذكور و17.1 % للإناث مما يشير الى "عدم نجاعة السياسات الحكومية المعلنة على صعيد التنفيذ لاستحداث المزيد من فرص العمل وزيادة معدل المشاركة الاقتصادية، وخاصة لدى النساء والفتيات وتخفيض نسب البطالة”. الرواتب والأجور
لم يشهد 2018 أي زيادة في الرواتب والأجور باستثناء بعض الزيادات الطبيعية المقرة وفق بعض التشريعات كالزيادات السنوية مثلا، إلا أن العام 2018، شهد زيادة التضخم السنوية لمتقاعدي الضمان الاجتماعي، بنسبة 1.59 % اعتباراً من 1/5/2018. كونها استحقاقاً قانونياً، حيث نص قانون الضمان الاجتماعي رقم 1 لسنة 2014م، على ربط راتب التقاعد وراتب الاعتلال بالتضخم أو بمعدل النمو السنوي لمتوسط الأجور أيهما أقل وبسقف عشرين ديناراً حداً أعلى، وذلك في شهر أيار(مايو) من كل سنة. واهم الملاحظات على هذه الزيادات أنها لم تشمل رواتب التقاعـد المبكر، ورواتب العجز الإصابي الجزئي، وإنما يتم الشمول من أكمل سن60 عاماً للذكور و55 عاماً للإناث، أو في حال الوفاة.
وكذلك زيادة رواتب عمال الوطن العاملين في البلديات ومجالس الخدمات المشتركة علاوة مقدارها 25 دينارا شهريا.
ويعتبر المركز هذه الزيادات "ضعيفة في ظل ارتفاع زيادة طفيفة لرواتب العاملين في بعض البلديات من عمال الوطن”. البادية والمناطق القروية والريفية
ما تزال تواجه هذه المناطق أحوالا اقتصادية واجتماعية متعثرة، وخاصة في ظل انتشار ظاهرتي الفقر والبطالة، واللتين تعصفان بالسكان جراء عدم توفر فرص العمل وندرتها، وضعف السياسات الحكومية في إيجاد المشاريع الاستثمارية والتنموية الانتاجية والمولدة لفرص العمل، والتي تتوافق مع البنية الثقافية لقاطني هذه المناطق، وتساهم في تحسين أحوالهم المعيشية إذ يعتمد غالبية أبناء هذه المناطق وخاصة من فئة الشباب على القطاع العسكري، كأكبر مشغل لهم.
قطاع الطاقة ما يزال هذا القطاع يواجه العديد من التحديات على الرغم من وضع التشريعات والخطط والبرامج الناظمة له؛ ما يوجد إشكالية وتداخلا بينها لا سيما القوانين. وقال "هذا القطاع يشكل عبئاً على المواطن، ويضيف اعباءً اضافية عليه، من خلال ارتفاع أسعار الوقود والمحروقات، وارتفاع أسعار فاتورة الكهرباء، وما تحويه من ضرائب ورسوم ثابتة، "لا يعلم المستهلك آلية فرضها ولا اوجه انفاقها، ولا سيما بند فرق أسعار الوقود التي تثير العديد من التساؤلات حول السند القانوني لهذه الرسوم التي تفرضها الحكومة دون ان تفصح أو توضح ذلك للمستهلكين؛ ما يعتبره المركز إخلالاً بمبدأ الحكم الرشيد والشفافية”. ويرى المركز ان هذه الأعباء – بمجملها- شكلت مصدر قلق للمستهلك؛ ما دفع العديد منهم الى اللجوء لأساليب غير مشروعة للحصول على هذه السلعة الضرورية، سواء بالاستجرار غير المشروع، او السرقة من الشبكات العامة، ما يرفع نسبة الفاقد من الشبكة العامة للكهرباء، ويمس حقوق المواطنين الملتزمين، ويرفع نسبة الفاقد على الشبكة الكهربائية، وحرمان العديد من المواطنين من التمتع بهذه الخدمة؛ نتيجة الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي عنهم، إضافة إلى عجز العديد منهم عن تسديد الذمم المالية المترتبة عليهم لشركة الكهرباء، نتيجة ارتفاع قيمتها؛ ما يتسبب بفصل التيار الكهربائي عنهم، جراء عجزهم عن تسديد قيمة هذه المطالبات المالية.
من جانب آخر، وعلى الرغم من البيئة المواتية في الأردن لاستخدام الطاقة البديلة؛ من طاقة شمسية، وطاقة الرياح، إلا أن الجهود الحكومية في هذا الجانب ما تزال ينتابها بعض القصور، لاسيما الجوانب الاستثمارية في هذا القطاع.
وعلى الرغم من وجود العديد من الخطط والاستراتيجيات الوطنية اتجاه هذا القطاع، وتعدد المرجعيات التنفيذية الناظمة له، وعلى الرغم من أن الأردن احتل العام 2018م، المرتبة الثالثة من بين 103 دول، لأفضل بيئة استثمارية بمجال الطاقة المتجددة ، والتوجهات الحكومية لتعزيز التوجه نحو بدائل للطاقة التقليدية، وتشجيع الاعتماد على الطاقة المتجددة، ورفع مساهمتها في خليط الطاقة الكلي، لكونها طاقة نظيفة وآمنة ورخيصة، وتوفر البيئة المواتية لذلك في المملكة من رياح وطاقة شمسية، إلا أن الحكومة قررت إيقاف منح التراخيص لمشاريع الطاقة المتجددة ، لحين انتهاء دراسات وزارة الطاقة والثروة المعدنية، دون أن تحدد فترة زمنية لاستئنافها، وأن الشبكة الحالية للكهرباء لا تستوعب مزيدا من الإمدادات، مما يثير تساؤلا عن السبب، ولماذا لم يتم تخفيض الانتاج في محطات التوليد التي تعمل بالوقود التقليدي لاستيعاب كمية الكهرباء المولدة من الطاقة البديلة، وهل هنالك تعارض بين مشاريع الطاقة المتجددة ومصالح شركات الكهرباء، ومدى التعارض بين الاتفاقيات الموقعة من الحكومة مع الجهات المزودة للطاقة التقليدية من نفط وغاز، وتوجهها بالاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، الامر الذي يعتبره المركز يتنافى مع التوجهات الرسمية بتنويع مصادر الطاقة في ظل تقلبات أسعار الطاقة التقليدية واستيراديها، وعبئها على الموازنة ومساهمتها في رفع المديونية ونسبة العجز في الموازنة العامة للدولة، إذ تدفع الحكومة مبالغ طائلة لقاء ذلك، بدلاً من توجيهها لمشاريع تنموية.
ولاحظ المركز ضعفا في الإجراءات الحكومية اتجاه توجيه المواطنين وتحفيزهم في استخدام الوسائل الموفرة للطاقة، وضعف برامج التوعية والإجراءات المتخذة في معايير السلامة العامة في قطاع الكهرباء وخاصة المنزلية منها. وألمح الى أنه رغم من سخط المواطنين ومطالبهم الجلية بالكشف عن بعض الاتفاقيات المبرمة مع بعض الجهات فيما يتعلق بهذا الجانب، والتي تمس بشكل مباشر حقوقهم لاسيما اتفاقية الغاز الموقعة مع الجانب الإسرائيلي، الا انه لم يتم الكشف عن هذه الاتفاقية ومصارحة المواطنين عن أهم بنودها. الفساد وتأثيره على الحق في التنمية يرى المركز أن تنفيذ برنامج فعال لمكافحة الفساد في الأردن ما يزال ينتابه بعض القصور ولم يرتق إلى ممارسات يلمس اثرها المواطنون في عمل الإدارات الحكومية والخدمات العامة، وانما يتطلب بذل المزيد من الإجراءات، من أبرزها؛ تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني، والتعامل مع تقارير المؤسسات الرقابية بجدية ووضوح، والتعاون بين القطاع العام والخاص، وبناء منظومة للحكم الرشيد وتحديد الأعراف الاجتماعية المشجعة لهذه الظاهرة ومعالجتها، علما بأن ظاهرة الفساد ما تزال تشكل هماً وطنياً وتشكل مصدر قلق للمواطن الأردني؛ ما أدى إلى زعزعة الثقة بين المواطن والحكومة، وظهر ذلك جلياً من خلال العديد من الشعارات التي تم طرحها خلال موجة الاحتجاجات التي شهدها هذا العام، على سياسات فرض المزيد من الضرائب ورفع الأسعار والتي كان من أبرزها محاربة الفساد ومحاكمة الفاسدين واسترداد الأموال المنهوبة من مقدرات الوطن، فهو ما زال ظاهرة متجذرة في المجتمع الأردني، ويشكل قناعات لدى المواطنين بأنهم لا يستطيعون الحصول على حقوقهم دون اللجوء إلى الواسطة أو المحسوبية أو تقديم الرشوة أحيانا. التنمية المستدامة
وضعت الدولة عدة اولويات لها في هذا الباب تمحورت حول تقوية العلاقة بين التعليم وسوق العمل ودعم الريادة لتقليل نسبة البطالة وضمان العمل اللائق ومحاربة الصور النمطية لضمان المساواة الجندرية، وتقليل التفاوت الجغرافي، وتخفيض نسب الفقر، وضمان الوصول العادل للخدمات الاجتماعية وتعزيز المساءلة واحترام حقوق الانسان والمساهمة في الاستقرار الاقليمي وتعزيز الوعي بالقضايا البيئية وتشجيع الطاقة المتجددة ومعالجة مشكلة ندرة المياه.
على أنّ المركز يرى أنه لم يطرأ أي تحسن في سبيل تحقيق هذه الأولويات خلال 2018، إذ ما تزال معدلات البطالة مرتفعة، وتراجع مخرجات التعليم مع التركيز على التعليم الأكاديمي على حساب التعليم التقني والمهني، واتساع الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، وفجوة التنمية بين المحافظات الأردنية لاتزال ملموسة وخاصة في المناطق النائية. الحق في مستوى معيشي لائق
يمكن القول بان 2018 ، شهد تراجعاً في التمتع بهذا الحق، نتيجة سلسلة من التطورات في السياسات الحكومية، التي زادت من الأعباء المعيشية على المواطنين، وأثّرت سلبا على قدرات الأسر الأردنية في تحمّل النفقات الأساسية للمعيشة، لاسيما الطبقتين؛ المتوسطة ومتدنية الدخل، في ضوء تراجع الناتج الإجمالي بالأسعار الحقيقية الى ما نسبة 2.0 % خلال هذا العام، مقارنة بـ2.1 % للعام 2017 . وارتفاع معدل التضخم إلى ما نسبته 4.5 % مقارنة مع العام 2017م، وارتفاع معدل البطالة للأردنيين الى ما نسبته 18.7 % خلال الربع الرابع لنفس العام المنصرم، مع ثبات في مستويات الدخل والأجور. وشهد 2018، فرض المزيد من الضرائب والرسوم، من خلال إقرار قانون معدل لقانون ضريبة الدخل رقم 38 لسنة 2018، الذي جوبه بالرفض الشعبي من كافة أطياف المجتمع، ودفع بغالبية المواطنين الى التظاهر والاحتجاج عليه، وعلى النهج الاقتصادي المتّبع من الحكومة بشكل عام، حيث عملت الحكومة بموجب هذا القانون على توسيع قاعدة شرائح المكلفين بدفع الضرائب من خلال تخفيض قيمة الدخل الخاضع للضريبة، وتخفيض الاعفاءات الممنوحة لقاء نفقات العلاج والتعليم والإيجار وفوائد قروض الإسكان. إضافة إلى تعديل ضريبة المبيعات على العديد من السلع والخدمات لاسيما الأساسية منها، بنسب متفاوتة دون مراعاة لطبقات المجتمع، وخاصة الطبقات الفقيرة والمهمشة وأوضاعهم المعيشية، فهي لا تميز بين الغني والفقير، ولا تأخذ نسبة الدخل بعين الاعتبار عند دفع هذه الضريبة، اذ يتم تحميلها للمستهلك بالدرجة النهائية. ومن جانب آخر تشير بعض البيانات الى تنوع الضرائب والرسوم التي يتحملها المواطن الأردني، إذ يتجاوز عددها 120 نوعاً من الضرائب والرسوم الرئيسية، وتصل فروعها وأقسامها المختلفة إلى أكثر من ألف قسم ونوع تحت مسميات مختلفة، والتي تعتبر من أعلى النسب في العالم؛ ما يثقل كاهل المواطن ، وتضيف أعباء إضافية عليه، كما كشفت دراسة حكومية ان نسبة العبء الضريبي إلى الناتج المحلي الإجمالي للعام 2018، قد بلغت 26.5 %، واشارت الى وجود خلل هيكلي في مكونات النّظام الضريبي، اذ تنخفض الضرائب المباشرة كضريبة الدخل الى نسبة 24 % من إجمالي الإيرادات الضريبية، فيما ترتفع الضرائب غير المباشرة كضريبة المبيعات والرسوم إلى نسبة 76 % من إجمالي الإيرادات الضريبيّة. ويرى المركز في هذا الجانب أن العبء الضريبي لا يتسم بتحقيق العدالة الضريبية، لاسيما ضريبة المبيعات التي تتحملها كافة شرائح المجتمع وبنفس القيمة، ما يشكل أداة ضاغطة على معيشة الأردنيين دون مراعاة لمستوياتهم المعيشية، ويساهم باستنزاف دخول المواطنين وتآكلها وتعميق مستويات الفقر، في ظل ارتفاع الأسعار، وإلغاء الدعم الحكومي عن بعض السلع الأساسية، فهي تحمّل الفئات محدودة الدخل أكثر من طاقتهم، وبالمقابل فهي أقل حدة على ذوي الدخل المرتفع.
وهذا لا يتوافق مع معايير حقوق الإنسان العالمية والمعترف بها دوليا. إذ يقف غالبية الأردنيين عاجزين عن مواجهة الغلاء الذي انقضّ على دخولهم الضعيفة أصلا، فبات معظم السكان عاجزين عن الوفاء بكافة التزاماتهم المعيشية، وعاجزين عن التمتع بمستوى معيشي لائق. ويرى المركز الوطني أن هناك ضبابية وعدم نجاعة في الإجراءات الحكومية لتحسين مستوى معيشة الأردنيين وتمتعهم بهذا الحق على الرغم من السياسات المعلنة، وتصريحات صانعي القرار لتحسين ذلك، في ضوء تدني مستوى دخول غالبيتهم، إذ تشير بينات دائرة الاحصاءات العامة إلى أن متوسط الدخل الجاري السنوي للأسرة من مختلف مصادر الدخل حوالي 11.512 دينارا سنويا، أي حوالي 959 ديناراً للأسرة شهرياً، بينما بلغ متوسط الدخل الجاري السنوي للفرد حوالى 2378 دينارا أي حوالي 198 ديناراً شهريا إذ يعتبر المركز هذه المبالغ ضئيلة في ظل الارتفاعات المتتالية لأسعار السلع والخدمات والضرائب والرسوم التي أضافت أعباء إضافية على تكاليف المعيشة للمواطنين؛ الأمر الذي يعتبره المركز يتناقض مع التزامات الأردن الدولية نتيجة مصادقتها على العهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
البطالة
لم يشهد العام 2018 أي انخفاض في معدلات البطالة، ويرى المركز أن ظاهرة البطالة تعتبر من أبرز التحديات التي تواجه المواطن في تأمين أدني متطلبات العيش الكريم، لاسيما الحاجات الاساسية، مثل الصحة والتعليم والسكن والغذاء والأمن، في ضوء تدني فرص العمل المتاحة، ومنافسة العمالة الوافدة واللاجئين السوريين، وتباطؤ النمو الاقتصادي، وضعف العلاقة بينه وبين التشغيل، وعدم انسجام سياسات التعليم وخاصة التعليم العالي مع احتياجات سوق العمل ، وتدني مستويات التدريب والتأهيل ، وضعف الإقبال على برامج التدريب المهني والتقني، على الرغم من انتشار العديد من مراكز التدريب في مختلف مناطق المملكة، وسوء وضع قطاع النقل العام، ما ينذر بآثار سلبية على الأمن المجتمعي، نتيجة الاحباط لدى المتعطلين، كازدياد حالات الانحراف والجريمة والأمراض الاجتماعية الأخرى، الأمر الذي يوجب توجيه جميع الجهات المعنية لتنفيذ السياسات والبرامج ذات العلاقة بالحد من البطالة، والتركيز على المبادرات التي تحد منها، وتنظم سوق العمل لاستيعاب الداخلين الجدد، والأخذ بعين الاعتبار جميع فئات وأطياف المجتمع كذوي الإعاقة والنساء والشباب، واستهداف كل منها ببرامج تخدمهم وتستثمر طاقاتهم. الفقر
ووفقا للمركز فإنّ هذه الظاهرة ما تزال ملموسة لدى غالبية الأردنيين، من دون أن تسهم الخطط والبرامج الحكومية في الحد من معدلاته المتفاقمة.
اما على الصعيد الوطني، وعلى الرغم مما تتمتع به الدولة الأردنية من ميزة نسبية بالتنوع المناخي، يصلح لزراعة أنواع عديدة من المنتجات الغذائية التي يتم استيرادها، إلا أن الاردن مايزال يستورد الغالبية العظمى من المحاصيل الغذائية الأساسية، بما فيها حوالي 100 % من الحبوب والقمح تحديدا ، إذ تقدر فاتورة استيراد الغذاء بنحو 7 مليارات دولار سنوياً مما يفرض عبئاً متزايدا على الخزينة العامة للدولة، وينعكس بشكل سلبي على قدرة المواطنين الشرائية اتجاه العديد من المواد الغذائية المستوردة في ظل غياب الدعم الحكومي للعديد من هذه السلع والمواد، ما لم تتمكن الدولة من تعزيز الإنتاجية الزراعية لتحقيق الأمن الغذائي للمواطنين، إذ وصلت نسبة انتشار انعدام الأمن الغذائي الحادّ بين مجموع السكان في الأردن بين عامي 2015م- 2017م إلى 13.9 %، ارتفاعاً من 12.7 % بين 2014م، و2016. وبلغ عدد الأشخاص في الأردن الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد إلى 1.3مليون نسمة مع تراجع المساحات الزراعية بشكل كبير في السنوات الأخيرة بنسبة وصلت إلى 60 %، ما أثر على كميات الإنتاج الزراعي في ضوء تزايد الطلب على الغذاء في الأردن، اذ تقدر نسبة الزيادة بنحو 25 % إلى 30 % بسبب النموّ الطبيعي في السكان واللاجئين؛ ما يشير الى ازمة في هذا القطاع ، من خلال انخفاض الكميات المنتجة محلياً، وتزايد الاعتماد على الاستيراد، وهجرة الزراعة في العديد من المناطق وبالذات في الأغوار، التي تعتبر سلّة غذاء الأردن. اما بالنسبة لمرتبة الأردن على مؤشر الجوع العالمي الصادر عن المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، فقد احتل المرتبة السابعة عربياً والـ 48 عالمياً، بـ 11.2 نقطة، من أصل 119 دولة ، شملها المؤشر. الزراعة على الرغم من تعدد الجهات الحكومية التي تتعامل مع هذا القطاع الهام إلا أنه مايزال يوجه العديد من التحديات والمعوقات من أبرزها ضعف مساهمة الإنتاج الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي، إذ لا يشكل سوى 3 % وضعف دعم المشاريع الأسرية التي تعزز الأمن الغذائي وخاصة للفئات الاشد فقرا في الريف والبادية وضعف برامج تشجيع المزارعين وتوجيههم لزراعات بناء على متطلبات الأسواق المحلية والاجنبية.
وتناقص مساحة الأراضي الزراعية نتيجة الزحف العمراني عليها وتفتيتها في ظل غياب سياسات واضحة للمحافظة عليها وحمايتها وارتفاع الكلف على المزارعين، سواء من حيث مستلزمات الانتاج أو الكلف التشغيلية؛ ما دفع العديد منهم الى اللجوء الى مؤسسات الإقراض المختلفة او العزوف عن الزراعة كليا.
وكذلك غياب الحماية الاجتماعية للعاملين في القطاع الزراعي من ضمان اجتماعي وتأمين صحي. ضعف التصنيع للمنتجات الزراعية، وخاصة الفائض منها، والاعتماد على استيراد المواد المصنعة من الخارج. ضعف الرقابة على الأسواق الشعبية والباعة المتجولين وخاصة الباعة أمام المدارس ودور العبادة.
ويرى المركز أن ظاهرة تداول الأطعمة الفاسدة ما تزال ملموسة على الرغم من وجود العديد من جهات الرقابة المعنية بسلامة الغذاء.
قطاع السكن
يرى المركز أن هناك العديد من التحديات التي توجه هذا القطاع، وتحول دون الحصول على المسكن اللائق ومن أبرزها: ارتفاع أسعار الإيجارات للشقق والعمارات السكنية قياسا إلى مستوى الحد الأدنى للأجور، ارتفاع أسعار الأراضي، وانعكاس ذلك على أسعار الشقق والعمارات السكنية الأمر الذي يحول دون حصول المواطنين وخاصة الأسر ذات الدخول المحدودة والمتوسطة على المسكن الملائم.
واضافة الى ذلك ارتفاع كلف المواد الإنشائية والأيدي العاملة، ورسوم البناء والمخططات والاشراف الهندسي، وضعف خدمات البنى التحتية، وعدم التمتع بها أحياناً وخاصة في بعض المناطق التي تقع خارج حدود المناطق المنظمة لا سيما خدمات المياه والكهرباء ولجوء العديد من المواطنين إلى البنوك ومؤسسات الاقراض المختلفة للحصول على قروض سكنية وبفوائد مرتفعة؛ ما يحملهم أعباء إضافية في ظل عدم وجود نوافذ تمويلية حكومية ملائمة للمواطنين اتجاه هذا القطاع، وأخيرا ضعف الرقابة على الأبنية والمساكن وخاصة القديمة والعشوائية منها.