مع دخول المئوية الثانية...أما آن للأردن إيجاد آلية ثابتة لاختيار القيادات؟

الوقائع الإخبارية: خلال 17 شهرًا فقط، أجرى رئيس الوزراء عمر الرزاز أربعة تعديلات على حكومته، خرج منها وزراء طالهم النقد من البرلمان والشارع، وبقي آخرون لم يسلموا من اتهامات بعض النواب، فيما انضم وزراء جدد للفريق الحكومي. ووسط ذلك، برزت أسئلة منها: ما هي المعايير والأسس التي اعتمدها الرزاز بتعديلاته؟، وما هي أوجه التقصير والأخطاء التي ارتكبها الوزراء المستبعدون؟، وما هي قصص النجاح التي من أجلها احتفظ آخرون بحقائبهم الوزارية؟، وما هي المؤهلات التي يملكها من اختارهم رئيس الوزراء لمعاونته؟”. كل ذلك يطرح سؤالا ذا أهمية: "مع دخول الدولة الأردنية قرنها الثاني من عمرها.. ألم يحن الوقت ليكون لدينا آلية لاختيار الشخصيات القيادية؟”. سياسيون ووزراء سابقون قالوا إن التعديلات العديدة في عمر حكومة الرزاز القصير يثير تساؤلات حول أسس وآليات اختيار الوزراء، ومن يحاسب رئيس الحكومة ووزراءها في حال فشلوا في تنفيذ مضمون كتاب التكليف السامي او التعهدات التي يطلقونها والتي يفترض أنها خريطة طريق عمل الحكومة. وزير الخارجية الأسبق كامل أبو جابر رأى أن الأردن يمر دوما بأزمات، ولذلك فإن أجواء الأزمات تفرض تغييرات جوهرية، مشيرا الى أن سرعة اتخاذ القرار أمر في غاية الأهمية. وأضاف في الوقت الذي دخلت فيه الدولة القرن الثاني من عمرها "حان الوقت ليكون لدينا آلية لاختيار الشخصيات الأساسية والرئيسة”، داعيا الى تشكيل مجلس حكماء او لجنة بدون رواتب او مكاسب تستدعى عند الحاجة وتضم نخبة من السياسيين المخضرمين لـ”تقديم النصيحة والمقترحات حول ما يجب التخطيط له اقتصاديا واجتماعيا”. وأشار أبو جابر الى أن "وزراء يدخلون على وزاراتهم لا يعرفون شيئا عن الوزارة او موظفيها او عملها او برامجها، عدا عن أنه قد لا يكون سياسيا ملما ويعمل على نظام الفزعة”.
من جهته، كشف وزير الزراعة الأسبق سعيد المصري عن "حجم الخلل باختيار الوزراء”، مؤكدًا "عدم وجود معايير حقيقية لاختيار الوزراء”.
وتساءل "لا نعرف كيف جاء الرؤساء بوزرائهم، ولا نعرف بالتالي لماذا وكيف ذهبوا؟”.
غير أن وزير الشؤون السياسية والبرلمانية السابق بسام حدادين أكد ان "أم المشاكل في هذا الملف أن رئيس الوزراء يأتي بلا برنامج لأنه فرد، والفرد لا يمكن ان يكون عنده برنامج شامل لكل محاور العمل الحكومي، وبالضرورة سيخضع هذا الرئيس لاختيار وزرائه وفقا لمقاييس تجريبية وعلى أمل أن يأتي هذا الوزير وينفذ ما يفكر به الرئيس او يخضع لبرنامج حكومة واضح المعالم”.
وأشار الى ان البيانات الرئاسية "هي عملية تجميع وتلصيق لنوايا لا أكثر، فليس هناك رئيس وزراء يحمل برنامج حزب أو تيار على أسس مدروسة وينتقي وزراءه استنادا الى سياسات محددة مسبقا، كما ان النوايا التي يأتي بها الوزير لا تتعدى خبرته في الميدان قراءة الصحف والتقارير وبعض الأكاديميات”.
وقال حدادين "إن المشكلة في الحكومات الذهاب نحو التكنوقراط المعزول عن جذوره الشعبية ومعرفته بواقع الحال في القطاع الذي سيتولى ادارته، او الواقع المعيشي للناس وأولوياتهم واهتماماتهم”، موضحا أن الشهادة والمعرفة والنظرة العامة "لا تخلق قائدا، فالوزير السياسي يجب ان يلم بالسياسات وبنود العمل الذي يتولاه”.
وتابع من الطبيعي ان "تتساقط الأوراق ونعود من جديد لنجرب ونستحضر وزراء بنوايا وليس ببرامج ومعرفة بالواقع”، متناسين أن هناك قادة حزبيين وشعبيين يرقبون أداء الرئيس ووزراءه وقادرون على تقييمه وكشف الخل.
بدوره، قال الوزير الأسبق سالم الخزاعلة، لقد استطاعت الدولة في مراحل معينة من تاريخها اختيار شخصيات وازنة ومؤهلة سياسيا ولها خلفية مهنية ترتكز الى خبرات إدارية وسياسية لإشغال مواقع وزارية، حيث استطاعت تجاوز حالة غياب الأحزاب والبرلمان.
وأضاف أن التجربة السابقة كانت اكثر نضوجا وفاعلية وشرعية وقبولا واحتراما مجتمعيا ما مكّن البلد من تجاوز التحديات وبناء الأسس الحديثة للدولة وإقامة المشاريع الكبرى ذاتيا "دون الحاجة الى أخذ شرعيات وهمية خارجية او داخلية وكانت الدولة بأجهزتها المختلفة مصنعا لهذه النوعية من القيادات الوطنية”.
وأوضح الخزاعلة في السابق كانت مراعاة التوازنات السياسية والجغرافية في الاختيار "غير ملحوظة بسبب كفاءة عملية الاختيار، وكان المجتمع كفؤا في إفراز القيادات التي تشكل قاعدة يتم الاختيار منها، وكانت أجهزة الدولة تعير اهتماما واضحا لمثل هذه الإفرازات باعتبارها تعبيرا حيويا عن مكنونات المجتمع وقدرته المتجددة على انتاج قياداته والتي بقيت أساسا بنائيا في تشكيل شكل الحكم ومضمونه وهيبته لسنوات طويلة”.
اما اليوم، حسب الخزاعلة، فقد "ضعفت طريقة اختيار الوزراء لتغيير الفهم السياسي لمعنى الحكومة وجرى تصغيرها الى مستوى عملية إدارية إجرائية في هيكل اداري لا علاقة للمجتمع فيه وليست عملية سياسية دستورية استراتيجية، وساعد على ذلك قوانين الانتخاب التي أفرزت أشخاصا غير سياسيين، يفهمون دورهم كنواب خدمات ما ساعد على استمرار نهج تعيين الوزراء باعتبارهم موظفين يقدمون خدمات يرضى عنها النواب، وانعدم بالتالي الفهم السياسي الدستوري لدور الوزير”.
وأكد أن التعديلات على الحكومات "لا تحمل أي مضمون سياسي او إصلاحي وإنما جاءت لمعالجة ثغرات داخلية تتعلق بمشاكل داخل مجلس الوزراء او لضعف التواصل الداخلي في الحكومة او لإعادة تموضع شكلي للحكومة واعطائها فرصة للبقاء لوقت أطول، وهذا لا يتعلق بحكومة بعينها وإنما واقع يمتد ويرتبط معالجته بمشروع الإصلاح السياسي المأمول”.
من ناحيته، رأى الوزير الأسبق سلامة النعيمات "أنه ليس هناك معايير وتقاليد عريقة وثابتة لاختيار الوزراء، إذ تفاوتت المعايير منذ تأسيس الدولة لاعتبارات تارة محلية وأخرى خارجية، وبنسب متفاوتة ولاعتبارات غير معروفة أحيانا”، مشيرا إلى أنها "معايير تخضع للمزاجية والشخصية والعلاقات أحيانا”.
وبين أن اختيار الوزراء "يخضع لاعتبارات غير موضوعية يصعب أحيانا قياسها، ولعل الصداقات الشخصية وما يقال عن نزاهة الشخص، ودماثته، وسجله الأمني، ونفوذ عائلته، ومناسبته للمرحلة، هي التي تشكل معايير الاختيار للمواقع السياسية والوزارية وهذه كلها معايير متغيرة ونسبية تختلف من تقدير رئيس وزراء إلى آخر”.