الغمر والباقورة.. والقانون الأردني

الوقائع الإخبارية: يوم الأحد الموافق 10/11/2019، بدأ الأردن في ممارسة سيادته الفعلية والكاملة على منطقتي الغمر والباقورة، بعد أن رفض الأردن تجديد الملحقين الخاصين بهما. ويحق للأردنيين خاصة، والعرب عامة، أن يسجلوا ذلك اليوم يوماً وطنياً مجيداً قريب الشبه والقيمة والمغزى من يوم تعريب الجيش الأردني، حيث نشهد الآن تعريب الأرض الأردنية وتطهيرها من رجس الاحتلال ومن دنس الاستيطان الصهيوني. قد يرد على الخاطر مغزى استكمال الأردن سيادته الفعلية على كافة أراضيه، بحسبه المرّة الأولى في العلاقات العربية الإسرائيلية تنزع يد إسرائيل عن جزء مما تعتبره "الوطن القومي اليهودي”. والنشيد الوطني لحركة الليكود ينص على أن "هذه الضفة لنا والأخرى لنا.” قد يقال إن إسرائيل انسحبت من سيناء، وهو قول صحيح، إلاّ أن سيناء لا تشكل جزءاً من الوطن القومي اليهودي، ولم تستطع القياده الفلسطينية نزع يد الاحتلال الإسرائيلي عن متر مربع واحد من الأراضي المحتلة حتى تاريخه. وقد يرد على الخاطر كذلك مغزى الاحتفال بيوم تعريب الأرض الأردنية، من أن يوم الأحد يشكل انتصار الإرادة الأردنية، ذلك أن الأردن، ومنذ أن أعلن عن رغبته عدم تجديد ملحقي الغمر والباقوره في (اكتوبر) من العام الماضي، كان يمرّ في مرحلة صراع إرادات، فقد تعرض خلال الفترة السابقة إلى حرب نفسية شرسة وضغوطات وابتزازات وتهديد بقطع المياه واعتقال مواطنين أردنيين. ومع ذلك، لم يرضخ الأردن وظل صامداً متمسكاً بحقه في إنهاء هذين الملحقين، وفي النهاية انتصرت إرادته. إننا نعلم أن معاهدة وادي عربة والملحقين الخاصين بالغمر والباقورة قد أقرت بسيادة الأردن عليهما، إلاّ أن السيادة الاردنية كانت سيادة منقوصة، ذلك أن الأردن قد حرم من استيفاء رسوم على زيارات المتصرفين بالأرض وضيوفهم أو مستخدميهم، ولا يطبق الأردن تشريعاته الجمركية أو المتعلقة بالهجرة، ويقدم الاردن حمايته لأي شخص يدخل المنطقة، ويسمح بدخول الشرطة الاسرائيلية بلباسهم الرسمي للتحقيق في الجرائم التي ترتكب في هاتين المنطقتين وسمح الأردن بتطبيق القانون الاسرائيلي على الإسرائيليين المتواجدين فيهما. وهذه جميعها مظاهر انتقاص للسيادة الاردنية. أما بعد يوم تعريب الأرض، فقد اصبح القانون الاردني هو القانون الواجب التطبيق ذلك ان مدّ السيادة الاردنية الكاملة على هاتين المنطقتين يعني أن مظهر هذه السيادة هو تنفيذ القانون الاردني. فإذا كان الحال كذلك، فكيف نطبق القانون الاردني الآن؟ قال وزير الخارجية أيمن الصفدي، في مؤتمره الصحفي الذي عقد في 11/11/2019، إن الأردن وافق "للمزارعين الإسرائيليين بالدخول الى الغمر لحصاد ما زرعوه، وهي مزروعة بمحاصيل خضراوات تحصد لمرة واحدة” واوضح ان الحصاد قد يستغرق شهرين الى اربعة أشهر. فماذا يقول القانون الأردني في هذه المسألة؟ ان موضوع استغلال منطقتي الغمر والباقورة كان يخضع لمعاهدة دولية والتي نظمت الوضع الخاص بهما، وهو وضع أقرب ما يكون لـ "حق الانتفاع”، وهذا الحق ورد في القانون الدولي وقننته اتفاقية لاهاي للعام 1907، واتفاقية جنيف للعام 1949. اما بعد يوم الاحد، فان القانون الاردني هو القانون الذي يحكم العلاقة بين الاردن والمزارعين الاسرائيليين. تنص الماده (1205) من القانون المدني الاردني على حق الانتفاع، أما المادة (1216) فانها تنص على انه "اذا انقضى الأجل المحدد للانتفاع… وكانت الارض المنتفع بها مشغولة بزراعة، تركت الأرض للمنتفع.. بأجر المثل حتى يدرك الزرع وتحصد…” من الواضح ان مدة الانتفاع المحددة بـ (25) عامًا قد انقضت في 10/11/2019، والآن وافقت الحكومة الاردنية على منح المزارعين فترة محددة لحصاد ما سبق وأن زرعوه، إلاّ أن على الحكومة أن تقتضي "أجر المثل” ولطيلة فترة التمديد. قبل يوم التعريب، كانت اسرائيل تنتفع بالارض مجاناً وتضخ المياه الجوفية لري مزروعاتها مجاناً ولمدة (25) عاماً، وكان ذلك تماشياً مع معاهدة دولية، أما الآن فالوضع القانوني قد اختلف لأن الأرض تخضع للقانون الاردني الذي يلزم المنتفع الذي انقضى أجل انتفاعه، بدفع "اجر المثل”، وهذا الأجر لا يقتصر على استخدام الارض واستهلاكها، بل يشمل المياه التي يضخها المنتفع لري محصوله. قد يقال إن ذلك "غير مستاهل”، والرد على ذلك أن الرأي هنا لا يستند إلى القيمة المادية (والتي لا نعلم على وجه اليقين مقدارها) بل يستند الى مبدأ تطبيق القانون الأردني على أرضنا إذا كان المنتفع بها غير أردني. ان قانوننا المدني يطلب ان نتقاضى "اجر المثل”، وعلى الحكومة ان تبادر الى تنفيذ القانون، بغض النظر عن القيمة المادية لأن الأهم إظهار سيادة قانوننا على الجميع آخذين بعين الاعتبار خلفية الأمر واستغلال مزارعين إسرائيليين لها. ولا بدّ من إضافة أخيرة وهي أن للأردن مستحقات تقدر بـ (25) مليون متر مكعب سنوي لدى إسرائيل وحتى الآن لا تحترم إسرائيل هذا الالتزام، ومبدأ التبادلية يقتضي فرض الندية والمعاملة بالمثل. فلماذا يتم التساهل في اقتضاء نصيبنا من الماء ولا نفرض ما يتطلبه قانوننا من المنتفع؟ ولنا في سلوك الحكومة الايرانية تجاه الدول الأوروبية خير مثال على الندية، ذلك أن الالتزامات متبادلة ولا تأتي من جهة واحدة. وخلال الدول الأوروبية بالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي، جعل إيران تتحلل من التزاماتها بأن بدأت بعملية تخصيب اليورانيوم والتدرج في رفعه لحض الدول الاوروبية على التقيد بالتزاماتها. أن الندية ليست نقيصة، بل هي عنوان السيادة الوطنية.