الخوالده: حزمة الدمج وملاحظات مفصلية
الوقائع الإخبارية: قال الوزير الاسبق الدكتور خليف الخوالدة في تغريدة عبر حسابه على تويتر:
أعلنت الحكومة قبل أيام عن البدء الفوري بإجراءات دمج ٨ مؤسسات بالإضافة إلى دراسة عدد آخر من المؤسسات ليتم الانتهاء من ذلك خلال شهر من تاريخ الإعلان..
من حيث المبدأ، فإن تجميع المهام المتشابهة في مؤسسة واحدة بدلا من وجودها في عدة مؤسسات وبالتالي تخفيض عدد مؤسسات ودوائر القطاع العام أمر يستحق الثناء والتشجيع.. فإذا ما أُحسن التطبيق، سيرتفع مستوى الأداء من ناحية وينضبط الإنفاق العام بشكل تدريجي من ناحية أخرى..
ما أجمل ذلك الشعور عندما تسمع المسؤولين يرددون ما قلته وشرعت بتنفيذه قبل سنوات في هذا المجال.. صحيح أن بعض طروحهم لا تدلل على فهم دقيق وإدراك عميق للموضوع وللمعطيات.. إلا أنه لا ضير في ذلك، فمع الممارسة ومرور الوقت يتصحح الفهم ويتعمق الإدراك..
بالاستناد إلى الفقرة ٦ من المادة ١١٢ والمادة ١١٥ من الدستور الأردني وبالرجوع إلى المادة ٨ من قانون تنظيم الموازنة العامة رقم ٥٨ لسنة ٢٠٠٨، الإيرادات التي ترد ضمن أي فصل (وزارة، دائرة، مؤسسة، هيئة، ...) من فصول قانون الموازنة العامة هي ايرادات عامة تؤدى مباشرة إلى الخزينة.. وعليه، لا يصح دستوريا أن ترد موازنات أي مؤسسة تدير أموالا وقفية ضمن الموازنة العامة سواء في فصل مستقل أو ضمن فصل موجود..
وبالتالي، فإن ورود موازنة وزارة الأوقاف وموازنة الخط الحديدي الحجازي ضمن قانون موازنات الوحدات الحكومية وليس ضمن قانون الموازنة العامة لم يكن عبثا بل لغاية مقصودة ترتبط بإدارة أموالها الوقفية..
حزمة الدمج التي اعلنتها الحكومة قبل أيام عليها جملة من الملاحظات المفصلية التي لابد من مراعاتها وتدارك ما يجب تداركه وتصويب ما يتطلب من أمور.. كما يستفاد منها في أية أعمال مستقبلية في ذات السياق.
فيما يتعلق بمؤسسة الخط الحديدي الحجازي الأردني، فهي تدير أموالا وقفية لا يصح أن تختلط بالأموال العامة بأي حال من الأحوال أو أن تنفق لغير غاياتها بقصد كان أو بغير قصد أو حتى لو كان بالخطأ وترد موازنتها ضمن موازنات الوحدات الحكومية ولكنها لا تتلقى أي دعم حكومي كما لا نغفل الجانب السياسي والتاريخي من عمر المؤسسة.. لا اريد أن أدخل في التفاصيل القانونية أكثر مكتفيا بما ذكرته سابقا وما ذكره بعض الأخوة القانونيين..
دمج مهام هذه المؤسسة ضمن وزارة النقل التي ترد موازنتها ضمن قانون الموازنة العامة يتعذر معه إدراج موازنتها ضمن موازنة الوزارة ذلك لأن إيراداتها وقفية وليست ايرادات عامة..
وبالتالي ستدار أموالها الوقفية بالكامل خارج نطاق الموازنات المقرة من قبل مجلس الأمة بعد أن كانت ضمن قانون موازنات الوحدات الحكومية.. وهذا ليس في صالح المؤسسة ولا أموالها بأي حال من الأحوال بل ينال من حوكمتها ومستوى الرقابة عليها..
الإقدام على دمجها ربما لعدم معرفة أو جهلا بالتفاصيل.. لا أرى وجاهة أو مبررا لدمجها حيث سبق أن فكرنا في ذلك عندما كنت وزيرا لتطوير القطاع العام واستقر الرأي عندي بعدم التنسيب بدمجها عندما ألغينا فعليا ما يزيد عن ١٣ مؤسسة في عام ٢٠١٤..
وفيما يتعلق بدائرة تنمية أموال الأوقاف الإسلامية، أرى إن إعلان الحكومة بهذا الخصوص قد جاء بصيغة عامة مبهمة غير مكتملة حيث أشار إلى نقل عدد آخر من الدوائر التابعة لوزارة الأوقاف وعدد من الصناديق دون تحديد هذه الدوائر والصناديق بوضوح.. فأي دمج هذا لا تتحدد فيه الدوائر والصناديق المراد دمجها؟!..
وهذا ربما يعطي مؤشرا على التسرع في الإعلان عن الدمج أو سطحية الدراسة والتحليل..
هذه الدائرة ليس لها فصل في موازنات الوحدات الحكومية.. ويذكر انه قد تم نقل فصل وزارة الأوقاف من قانون موازنات الوحدات الحكومية إلى قانون الموازنة العامة لعام ٢٠١٩ مع انها تتعامل مع أموال وقف لا تختلط مع الأموال العامة وورودها بالأصل ضمن قانون موازنات الوحدات الحكومية كان لتلك الغاية "وقفية" بالتحديد..
ولكن الحكومة وبهدف تخفيض عدد فصول قانون موازنات الوحدات الحكومية ظاهريا وتخفيض حجم دعم الوحدات الحكومية بحيث يظهر دعم وزارة الأوقاف الذي يتجاوز ٧٥ مليون دينار سنويا ضمن نفقات الموازنة العامة وليس ضمن بند دعم الوحدات الحكومية..
عموما، هذه الدائرة لا تدخل في عداد المؤسسات المستقلة حيث تم إلغاء استقلاليتها بموجب القانون المعدل لقانون الأوقاف في عام ٢٠١٢.. وهذا أيضا يعني إدارة الأموال الوقفية خارج نطاق الموازنات بعد أن كانت سابقا ضمن قانون موازنات الوحدات الحكومية.. وهذا عليه ما عليه كما أشرت سابقا..
أما بخصوص صندوق تنمية المحافظات، فالصندوق ليس مؤسسة وإنما مجرد برنامج أو مشروع لتنمية المحافظات يرصد له دعما حكوميا بشكل سنوي.. وليس له شخصية اعتبارية حتى تدمج.. وقد صدر قرارا من مجلس الوزراء قبل سنوات بأن تتولى المؤسسة الأردنية لتطوير المشاريع الاقتصادية هذه المهمة أو البرنامج..
اعلان الحكومة تضمن نقل المهمة من المؤسسة إلى بنك تنمية المدن والقرى علما بأن موازنة البنك لا ترد لا في قانون الموازنة العامة ولا في قانون موازنات الوحدات الحكومية..
ولا ادري ان كان نقل المهمة لضعف في اداء المؤسسة بهذا الخصوص أم ماذا؟.. ولا ادري ان كان سيستمر الدعم الحكومي؟ وكيف؟ أم سيتولى البنك عملية التمويل؟ والبنك يعمل على أسس ربحية.
عموما، لا يدخل ذلك في عداد المؤسسات قيد الدمج فهذا الصندوق مجرد برنامج أو مشروع وليس مؤسسة..
وأما بخصوص نقل دائرة الأرصاد الجوية إلى وزارة النقل، فالدائرة ليست مؤسسة مستقلة ولا تعمل بقانون وإنما بنظام صدر في عام ١٩٦٧ وهي عضو في منظمة الأرصاد الجوية منذ عام ١٩٥٥ وعملها مرتبط بشكل أساسي بالملاحة الجوية المدنية والعسكرية..
وعليه، اقترح التفكير بنقل مهامها عند مراجعة هيكيلة الهيئات المنظمة لقطاع النقل سيما وأن اعلان الحكومة قد تضمن الإشارة إلى البدء بدراسة جدوى دمج هيئات القطاع والانتهاء منها خلال شهر من تاريخزالاعلان.. وبكل الأحوال، الأقرب لها هيئة تنظيم الطيران المدني وليست وزارة النقل خصوصا إذا ما اصبح الدور الحكومي في مجال الأرصاد الجوية تنظيميا أكثر منه تنفيذيا..
وهذه الدائرة أيضا لا تدخل في عداد المؤسسات المستقلة وترد موازنتها في قانون الموازنة العامة وليس في قانون موازنة الوحدات الحكومية..
أما بالنسبة لالغاء مركز ايداع الأوراق المالية ونقل مهامه إلى هيئة الأوراق المالية وشركة بورصة عمان حسب طبيعة المهام ومقتضى الحال، فالهيئة مؤسسة مستقلة والبورصة شركة والهيئة تراقب المركز..
وبالتالي لابد من مراعاة ذلك عند التنفيذ.. عموما، مركز ايداع الأوراق المالية يدخل في عداد المؤسسات المستقلة..
وأما بخصوص سلطة المياه، فلها شخصية اعتبارية مستقلة ولها حق التعاقد وتملك الأموال المنقولة وغير المنقولة وجميع التصرفات القانونية وقد أُدخل تعديل على قانونها في عام ٢٠١٤ بهدف اعتبار أموالها وأموال الشركات التي تملكها أموالا عامة.. وهي تملك شركات منها شركة مياهنا.. ولديها عقد إدارة مع الشركات في مجال المياه والصرف الصحي.. وسلطة المياه تقترض بكفالة الحكومة..
أما الوزارة فليس لديها شخصية اعتبارية مستقلة إنما هي جزء من شخصية الحكومة الأردنية وبالتالي التعاقد مع شركات المياه يكون بين الحكومة والشركات وبموافقة مجلس الوزراء وتفويض وزير المياه بتوقيعها وتعود ملكية هذه الشركات للحكومة وليس لوزارة المياه وكذلك جميع ممتلكاتها.. أو البحث عن صيغة أخرى لإدارة التعاقد على خدمات القطاع..
ويصبح الاقتراض اقتراضا حكوميا وليس اقتراض سلطة المياه بكفالة الحكومة كما هو الآن.. بمعنى تصبح الحكومة تقترض بعد أن كانت تكفل قروض..
العوامل التي تحكم جدوى الدمج ومتطلبات وتفاصيل عملية التنفيذ كثيرة وتستحق كل الانتباه والتدقيق.. عموما، سلطة المياه تدخل في عداد المؤسسات المستقلة..
وأما بخصوص الشركة الأردنية للسياحة والمياه المعدنية، يبدو أنها ليست شركة حكومية بالكامل وقد تكون لا تعمل على أرض الواقع أو عملها نمطي محدود.. وليس لها بندا في موازنة الوحدات الحكومية "المؤسسات المستقلة"..
وإن كان فيها ملكية غير حكومية، فلمن الأغلبية في ملكيتها للحكومة أم لجهات أخرى؟.. في ضوء ذلك يتحدد مستوى التدخل الحكومي في هذا المجال.. والدمج يتطلب قرارا من الشركة ذاتها (مجلس إدارة أو هيئة عامة حسب نظام تأسيسها).. إنهاء أعمالها لا ينقص من عدد مؤسسات القطاع العام..
عموما، اعلان الحكومة بخصوص الشركة لا يعدو عن كونه كلاما عاما غير محدد حيث أعلنت عن إنهاء أعمالها وتكليف الجهة التي تراها شركة إدارة الاستثمارات الحكومية مناسبة للقيام بمهامها..
والسؤال هنا لماذا لم تنسق الحكومة مع شركة إدارة الاستثمارات الحكومية ويتم تحديد تلك الجهة قبل الإعلان وبالتالي تذكر صراحة في نص الإعلان.. وما الإجراء في حال لم تتمكن شركة إدارة الاستثمارات من تحديد الجهة المناسبة لتولي تلك المهام؟.. الأصل أن يكون الخيار محسوما قبل الإعلان..
ما يسري على هذه الشركة يسري على الشركة الأخرى وهي شركة المنشآت العقارية.. وبالتالي لا تدخل هاتين الشركتين في عداد المؤسسات قيد الدمج..
الحكومة ما زالت في الخطوة الأولى من عملية الدمج (مجرد اعلان) وأمامها لتنفيذه مشوار طويل..
العدد الحقيقي للمؤسسات التي سيتم دمجها إذا ما تم الدمج ليس ٨ مؤسسات وإنما ٣ مؤسسات (٢ ضمن قانون موازنات الوحدات الحكومية وهما سلطة المياه ومركز ايداع الأوراق المالية وواحدة ضمن قانون الموازنة العامة وهي دائرة الأرصاد الجوية) بالإضافة إلى دائرة تنمية أموال الأوقاف والتي ليس لها فصلا خاصا لا في قانون الموازنة العامة ولا في قانون موازنات الوحدات الحكومية..
هنالك مؤسسات أولى بالدمج، لا ادري لماذا لم يطرق بابها.. وهنالك أنماط إدارة وعمل لابد من مراجعتها وحوكمتها.. وهنالك مؤسسات استحدثت مؤخرا ما الدافع لها؟.. وهل سيأتي يوم ينادى بدمجها؟..