محللون: التعامل الإسرائيلي مع الملفات الشائكة بـ"القطعة" أمر مرفوض أردنيّاً

الوقائع الاخبارية : لم يُخف جلالة الملك عبد الله الثاني العلاقة المتوترة مع إسرائيل، بل وصفها بأنها "في أسوأ حالاتها الآن"، محذراً من تبعات السلوك الإسرائيلي على الإقليم والمنطقة.

حديث الملك جاء خلال مشاركته في جلسة حوارية عقدها معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى الشهر الماضي، بعد أسابيع قليلة من تحذيرات أطلقها جلالته عقب تصريحات نتنياهو عشية الانتخابات الإسرائيلية التي تحدث فيها عن ضم الأغوار والمستطونات في الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية.

الملك نبّه في تصريحات صحفية خلال لقائه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في برلين عقب تصريحات نتنياهو أنها "ستنعكس على العلاقة بين الأردن وإسرائيل، وكذلك على مصر وإسرائيل".

وتوالت الأزمات السياسية والدبلوماسية بين الأردن وإسرائيل في السنوات الأخير بسبب التصعيد المستمر من قبل اليمين الإسرائيلي وضمن سياسة ممنهجة وإجراءات تعسفية من بينها الانتهاكات المتكررة والمتزايدة في المسجد الأقصى، مروراً بترتيبات نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والتصرفات الأحادية الجانب الأخرى كان آخرها ضم الأغوار والمستوطنات إلى السيادة الإسرائيلية والتوسع في الاستيطان، وصولاً إلى التعامل الفظ في ملف المعتقلين الأردنيين، وكذلك إقامة مطار تمناع، ومن ثم ملف قناة البحرين، وبين كل هذه المسائل آلية تعاطي حكومة نتنياهو مع حارس السفارة الإسرائيلية في عمان بعد إطلاق سراحه.

* البراري:

ويرى المتخصص في الشؤون الإسرائيلية أستاذ العلوم السياسية حسن البراري أن إسرائيل تريد أن تتعامل مع الأردن ب"القطعة" بينما المملكة تنظر إلى جميع الملفات وبشكل إستراتيجي.

ويقول البراري في سياق تعليقه على تسريبات الصحافة العبرية حول دراسة الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين بزيارة الأردن "إنه مسؤول رمزي لا يُمثّل شيئاً فلماذا يلبى طلبه إذا رغب بزيارة المملكة؟".

ويتابع : الإسرائيليون بلا حكومة اليوم، ولا يمكن تفسير رغبة الرئيس الإسرائيلي بزيارة الأردن إلا ضمن نطاق (الانتهازية السياسية) هو يحتاج إلى صورة لاستخدامها في سياق الصراع الإسرائيلي وعلى أساس أنه الرجل الوحيد القادر في إسرائيل على مقابلة الملك، بينما الملك يرفض لقاء نتنياهو منذ العام 2014م".

ويعتقد أن ما يدور في عقل الرئيس الإسرائيلي ليس توجهاً سياسياً بل بهدف العودة إلى إسرائيل لإرسال رسالة مفادها أنه في الوقت الذي يبتعد الجميع فأنا قريب، لكن السؤال (هل هو يستطيع خلق تفاهم مع الأردن؟)، لا يمكن توقع حدوث ذلك، فما الفائدة من استقباله؟ - وفق رأي البراري -.

ويعود البراري إلى الحوار الذي أجراه الملك في معهد واشنطن ويقول "بما أن الملك أفصح عن الخلاف ومستوى العلاقات، فمن الأفضل أن لا تكون هنالك أيّ خطوة إلى الأمام مع الجانب الإسرائيلي حتى يتم تغيير جذري في الموقف حيال القضايا التي هي مهمة بالنسبة للأردن وعلى رأسها قناة البحرين".

ويضيف "الملك اختار معهد واشنطن ليتحدث من خلاله، وهو المعهد الأقرب للإسرائيليين، والملك كان واضحاً في رسالته إنهم يخسرون وإذا كنتم حريصون على الأمن في المنطقة عليكم الضغط عليهم ووفق العلاقات الثنائية وليس الملف الفلسطيني فقط بل وضع كل الأوراق على الطاولة".

ويشدد البراري على أن الأردن يرفض التعامل ب"القطعة" ووفق حاجات إسرائيل وتصوراتها ويجدها مقاربة غير مجدية، وعليه اتخذ الأردن عدة خطوات من بينها إنهاء العمل بملحقي الباقورة والغمر من اتفاقية معاهدة السلام، "الكرة إذن في ملعب إسرائيل".

وحول الخطوات الأردنية بما فيها محاكمة المتسلل الإسرائيلي، يقول البراري "يُرسل التصعيد الأردني رسائل تؤكد بأنه جاد في التعامل مع القضايا التي تتعلق بالنيل من سيادته وبأي خطوة من شأنها الزحف عليها أو تُحرج القيادة مع الشعب، وبأنه سيتم التعامل معها بحزم وهي رسالة موجهة للداخل الإسرائيلي أنه إذا كانت تمر في السابق فلن تمر، فالسيادة ستطبق على الجميع ولا حصانة لأحد حتى لو كان اسرائيلياً ونطبق السيادة الكاملة".

وفيما يتعلق بالحديث عن أن المتسلل الإسرائيلي ربما يعاني من ظروف عقلية أكد البراري "من يُحدّد إن كان مخبولاً أو عاقلاً القضاء الأردني، لا أن يقول الإسرائيليون هذا مخبول واخرجوه، فيغادر".

ويتابع "الأردن منذ فترة بعث برسائل ليس إلى القادة في إسرائيل بل إلى الشعب وأنهم يعبثوا بأهم علاقة في المنطقة، وأنتم عملياً تنسفوها بمن تنتخبوهم، فنتنياهو حالم ويريد أن يقفز على الأردن ويفتعل المشاكل معه".

ويشير البراري إلى بعض التفاصيل المزعجة منها المطار الذي شيّد في جنوب الأراضي المحتلة والذي كان يتوقع أن يكون مشتركاً، لكن إسرائيل رفضت ذلك، وفيه مشاكل فنية أثّرت على الملاحة وهذا أمر أغضب الأردن، ويتابع "قناة البحرين مشروع حيوي بالنسبة إلى الاردن والاسرائيليون يرفضونه، فما الذي يريدونه مقايضة شيء بشيء؟".

ويعتقد البراري في ختام حديثه أن صانع القرار توصل إلى نتيجة أن الطرف الإسرائيلي لا يتعامل بحسن نية بل بسوء بنية حتى وإن كان يعلي من شأن اتفاقية السلام، ويرى أنه هذا الأمر يمكن أن يُفسّر رفض الأردن إلى إقامة أي احتفال بمرور 25 سنة على توقيع معاهدة السلام بعد أن وصل إلى نتيجة أن المعاهدة ليست غير مقنعة فقط بل لا توجد عوائد من السلام، وإذا أراد أحد أن يخبر الأردنيين بأنه إستراتيجي فأين عوائده بل ازداد الأوضاع سوءاً".

* المومني:

بدوره يرى وزير الإعلام الأسبق والكاتب السياسي الدكتور محمد المومني أن الأردن من حيث المبدأ لا مشكلة لديه - على الأغلب- بزيارة الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلن، وفق قوله.

ويضيف المومني لـ "هلا أخبار" إن قرار الموافقة على الزيارة يتحدد بناءً على الهدف منها، مشيراً إلى أنه لو جاء طلب الزيارة من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لكان الرد في أغلب الظن برفض الأردن لها، وذلك نتيجة وضعه الانتخابي السيء هو وحزبه، فضلاً عن وجود عامل رئيس ومهم وهو أنه السبب الرئيس في تردي العلاقات الأردنية مع إسرائيل.

ويقول إن التسريبات بالصحافة الإسرائيلية عن عزم الرئيس زيارة الأردن تحمل دلالات أيضاً، أبرزها: أنها تعبر عن خطٍ من التفكير لدى العقلاء هناك، بالإضافة إلى أنها تشير إلى رغبة لدى اسرائيل ب"ترميم العلاقة مع الأردن" - وفق وصفه -.

ويؤكد المومني أن هذا التيار (أو الخط) يدرك بوضوح حجم الخطر من تردي العلاقة الأردنية الاسرائيلية والذي تسبب به نتنياهو وسياساته التي عمل عليها خلال سنوات حكمه.

أما عن حديث جلالة الملك في معهد واشنطن، بأن العلاقات الأردنية الاسرائيلية في أسوأ حالاتها، فيقول المومني: "إن كلام جلالة الملك رسالة موجهة إلى النخبة الأمريكية من أصول يهودية وإلى إسرائيل، أن العلاقات بأدنى مستوياتها، وهي رسالة تفيد أيضاً، بأن الحكومة الإسرائيلية لا تهتم بالسلام والاستقرار والعلاقات مع الأردن".

ويصف المومني من يحاول تجاوز دور الأردن بالمنطقة بأنه "ساذج"، مشيراً إلى أنه لا يمكن لأي دولة عربية أن تنسج علاقات مع إسرائيل تتجاوز الحقوق الوطنية الفلسطينية والمصالح السيادية للدول الأخرى، بما في ذلك الأردن الذي لديه مصالح وطنية عليا في هذا الملف.

* السوالقة:

من جهته يقول الخبير الأمني في الشؤون الإسرائيلية الفلسطينية العميد المتقاعد عامر السوالقة إن دور الأردن إستراتيجي في المنطقة، ولا يمكن اغفال ذلك - وفق وصفه، بخاصة في القضية الفلسطينية فهو شريك أساس في العملية السلمية ولديه مصالح وطنية مباشرة مرتبطة بها بشكل وثيق -.

ويشير إلى أن الأردن يملك مقومات بالمنطقة في مجال مكافحة الإرهاب واستتباب الأمن في المنطقة حيث يقع في نقطة جغرافية مهمة، وهنالك اختلالات في المنظومة الأمنية لدى دول مجاورة.

ويؤكد أن هنالك ملفات أمنيّة، تفرضها الجغرافية والحدود المشتركة وعامل التطرف والارهاب وهي ترفع من فرضية أن يكون الجانب الأمني أقوى ويُنظر إليه برؤية مختلفة، وهو أمر تسرب إلى الصحافة التي ذكرت أن هنالك اختلافاً في الرؤى بين المفهوم السياسي والمفهوم الأمني في التعامل مع القضايا التي على تماس مباشر مع الأردن.

ويشير السوالقة إلى أن العلاقة على المستوى الأمني ربما تكون مختلفة وإن كانت تتأثر بالمواقف سياسية إلا أن هنالك موازين لا يمكن اغفالها في الجانب الأمني

ويعتقد أن حديث جلالة الملك في واشنطن يؤثر حيث إن صوت الأردن والملك مسموع في الداخل الإسرائيلي، وهو عامل يؤزم اليمين لأن هنالك معسكر يدعو الى السلام لا التشدد.

ويلفت إلى أن تدخل الرئيس الإسرائيلي الذي يعد منصبه شرفياً قد يكون بسبب التوتر في العلاقة بين الجانبين، مشيراً إلى أن الرئيس في العادة لا ينخرط في هذه المسائل، لكن السوالقة يُذكر بأن الرئيس الإسرائيلي الذي كان يتدخل هو شيمون بيريز حيث حاول في مناسبات مختلفة أن يلعب دوراً في ترطيب الاجواء والعلاقات حينما كانت تتأزم سواءً مع الأردن وحتى بين الفلسطينين والإسرائيليين.