"حمامات الساونا للسيدات"..."الأرجيلة" تتسيد المشهد والرقابة "غائبة"
الوقائع الإخبارية : لم تكن تتوقع أروى عبدالله، المشهد الذي رأته بحفل زفاف ابنة واحدة من أعز صديقاتها، التي قامت بدعوتها والأخريات لقضاء أمسية وداعية في أحد حمامات الساونا للسيدات.
أروى التي رسمت في مخيلتها مشهدا جميلا وتفاصيل لا تنسى بذلك اليوم، لم يخطر ببالها أنها ستشاهد جلسات الأرجيلة والسجائر ليبدو المكان أشبه بمقهى أو كافيه، في مكان كان من المفترض أن يقدم خدمات جمالية وصحية.
ورغم سعادتها بهذا اليوم، الذي استعدت له منذ وقت، وأعدت له بحب خططا لفقرات ترفيهية تدخل البهجة والسرور لقلب العروس الغالية؛ إلا أن الجميع لاحظ عليها علامات التعجب والاستياء، بحسب وصفها.
تساءلت "هل باتت السجائر باختلاف أنواعها والأرجيلة (شبحا) يحيط بنا في كل مكان.. وفي أجمل الأوقات؟ وهل تحولت الأماكن جميعها لخدمة "المدخنين”، وما الآثار السمية على صحة المرء بعد التعرض لبخار الساونا، ثم تدخين الأرجيلة؟”.
استنكرت أروى بشدة مشهد السيجارة في يد الموظفة حين بدأت تجهز بها للبدء في مرحلة "التكييس” وتنظيف الجسم، ووجدت في ذلك منظرا مستفزا وتعديا على الحرية، وسلوكا غير حضاري، مشيرة إلى أن ما كانت تتوق لتعيشه بفرح في ذلك اليوم، ويخلد ذكريات مفعمة بالسعادة، تحول إلى مشاعر باهتة تركتها في صدمة.
باتت الأرجيلة تتسيد المشهد في العديد من حمامات الساونا للسيدات، التي يتنافس أصحابها في تقديم العروض "المغرية” لجذب الفتيات والسيدات "مدمنات النيكوتين”، بهدف تحقيق ربح مالي، وسط ضعف في تطبيق القوانين الخاصة بمنع التدخين في الأماكن العامة.
وحول ذلك، تؤكد مدير مديرية التوعية والإعلام الصحي في وزارة الصحة، الدكتورة عبير موسوس، دور الوزارة في مكافحة التبغ وتطبيق قانون الصحة العامة رقم 47 لسنة 2008 وتعديلاته، والذي تضمن تغليظ العقوبات على المخالفين للقانون في الأماكن العامة بالغرامة من 100 الى 200 دينار أو عقوبة الحبس من شهر الى ثلاثة أشهر.
وتوضح الدكتورة موسوس الإجراءات التي تتبعها الوزارة في منع التدخين في الأماكن العامة، قائلة: "لدينا 700 ضابط ارتباط، معهم ضابطة عدلية يقومون بتفتيش الأماكن العامة والمغلقة، ويتم تحرير المخالفات عند وقوعها”.
وتضيف: "نتلقى الشكوى، ونتجه للموقع، إما من خلال زيارات مفاجئة من قبل ضباط الارتباط في المديرية، أو عن طريق المديريات المنتشرة في المملكة، بحسب الموقع المبلغ عنه، وإذا تم الضبط، نحرر المخالفة ونحولها للمحكمة”.
ونفذت المديرية حملات توعية بعدم التدخين في الأماكن المغلقة، وفق موسوس، "وأطلقنا في شهر شباط (فبراير) من هذا العام حملة (القانون يحمي صحتك)، ومنصة (بخدمتك)، و(الخط الساخن)، ووصلت العديد من الشكاوى في الأماكن المغلقة، وتم تحرير المخالفات تجاهها، لكن لم ترد أي شكوى حول (التدخين في حمامات الساونا للسيدات)”.
وتقول المسؤولة في أحد حمامات الساونا للسيدات، ريم: "تأتي الفتاة لقضاء أوقات ممتعة في هذه الحمامات، وتوفر لها هذه الأماكن العناية بجمالها وصحتها، مع أجواء ترفيهية تخلصها من القلق والتوتر في حياتها اليومية”.
وتضيف ريم: "تتجه الفتيات المقبلات على الزواج للحجز لقضاء (ليلة وداعية برفقة صديقاتها)، ونجهز لهن المكان بحسب طلبهن، ونقدم المشروبات الباردة في أجواء احتفالية يسودها المرح، إلا أن العديد منهن يطلبن الأرجيلة، ونوفرها لهن، بناء على رغبتهن، لكن أماكن الأرجيلة لا تجاور الأماكن المخصصة للساونا”.
وتبين المسؤولة أن الأرجيلة تقدم في العديد من الحمامات، فيما هناك زبونات يطلبن وجودها أو إلغاء الحجز عند عدم توفرها، و”عليه نستجيب لمطالبهن”، ويتنافس أصحاب هذه الحمامات في تقديم أجمل الخدمات لمدمني النيكوتين.
ويعلق اختصاصي الأمراض الصدرية، الدكتور عبدالرحمن العناني، بالقول: "هناك فوائد عدة للساونا وغيرها من الأنشطة أو الرياضات المخصصة للاسترخاء، ولكن هذه السلوكيات السلبية تبددها”.
ويوضح أن تعرض الشخص لدرجات الحرارة العالية في الساونا، التي تعمل على توسيع القصبات الهوائية، يليها إشعاله سيجارة أو سحبه لدخان الأرجيلة، فهنا يزود جسمه بأكبر كمية من النيكوتين، وعليه فإنه يشعر بالاستمتاع أكثر؛ كون القصبات الهوائية مفتوحة أكثر، وتزداد عملية السحب أكثر، ويتم استنشاق النيكوتين ومواد سامة مضاعفة أكثر تضر بالقصبات”.
ويلفت إلى أن هذه السلوكيات السلبية لها تأثير على الشخص غير المدخن (التدخين القسري)، فعندما يجلس الفرد مع 5 أفراد مدخنين، فهو المدخن السادس، وتلحقه الأضرار ذاتها، ومن خلال تكرار هذه الجلسات يتعرض المدخن و(المدخن القسري) للانسداد الرئوي.
وتلقي أمينة سر جمعية "لا” للتدخين، لاريسا الور، اللوم على وزارة الصحة، وتعدها "مغيبة”، فهي الجهة المسؤولة عن الرقابة في الأماكن العامة، وحمامات الساونا للسيدات أحدها، فيجب تشديد الرقابة، وتحرير المخالفات بالعقوبات الشديدة تجاه أصحاب هذه الأماكن، التي تحولت لـ”مكاره صحية” بدلا من كونها أماكن للاستجمام.
وتذكر بأن العديد من الفتيات يقصدن هذه الحمامات بهدف العناية بجمالهن وصحتهن؛ إذ تعمل "الساونا” على استرخاء عضلات الجسم، وإزالة طبقات الجلد الميت، وتجديد خلايا الجلد، والحفاظ على نضارة البشرة، كما أنها تخلص الجسم من السموم عن طريق التعرق، مستدركة بأن هذه الفوائد تواجه بالسموم التي تتسلل للرئتين.
وتطالب الور بإغلاق هذه الأماكن التي تتنافس وتتفنن في تقديم "السموم القاتلة” للزبائن.
وعليه، تنصح الور كل فتاة أو سيدة ترى هذه المخالفات، بأن تبلغ المسؤولة في هذا المكان، وتخبرها بأنها ستغادر، ثم توضح سبب المغادرة.
ومن جانبها، تقول اختصاصية الاتصال والتوعية في مركز الحسين للسرطان، الدكتورة رشا مناصرة "إن أول خطوة في الإقلاع عن عادة التدخين، سواء لدى المدخنين (الأصحاء أو من لديهم إصابة بالسرطان)، هي القناعة التامة بخطورته، وبأن التوقف عنه سيحدث فارقا في حياته صحيا ومعنويا وماديا واجتماعيا”.
وتضيف مناصرة "أن "القرار” هو العامل الأساس في الإقلاع عن التدخين، فعندما نأتي للمريض المصاب بالسرطان، فإننا نرفع لديه الوعي بضرورة التفكير في صحته، وأولاده، ومستقبله، وبأن حياته تتطلب منه الإقلاع رغم وجود (المغريات) حوله”.
وتشير مناصرة إلى أن العلكة أو لزقة النيكوتين وسيلتان جيدتان تسهمان في الإقلاع عن التدخين، وتنصح الأشخاص الذين يقصدون أماكن للترفيه أو الاستجمام بالتأكد قبل زيارتها بأنها خالية من التدخين.
ويؤكد رئيس الجمعية الوطنية لمكافحة التدخين ورئيس الصحة العامة الأردنية الدكتور بسام حجاوي، أن دور الجمعية مواز لوزارة الصحة في مكافحة التدخين، من خلال التوعية والتثقيف والمحاضرات في النوادي والجامعات والمدارس.
يقول حجاوي "إن تدخين كل رأس أرجيلة "بمختلف أنواعها”، ولمدة ساعة كاملة، هو عبارة عن 20 سيجارة على الأقل”.
ويذكر بأن أنواع التبغ كافة تتضمن؛ النيكوتين المسؤول عن الإدمان، والقطران المسبب للسرطان، وأول أكسيد الكربون الناتج عن الاحتراق، وهذه المواد الثلاث تصل إلى رئتي المدخن.
ويأسف حجاوي لانتشار النيكوتين في الأماكن المخصصة للياقة والاستجمام، موضحا أن أضرار التدخين مضاعفة بعد التعرق، خصوصا أن نسبة الرطوبة عالية، ولا يوجد تهوية في المكان، وهذه العوامل تساعد على استنشاق الهواء الملوث بكيماويات الدخان بسهولة لرئتي المدخن.
ويتفق الأخصائيون على أن ما يحدث داخل حمامات الساونا للسيدات، وصالونات التجميل، والأندية الرياضة وغيرها من الأماكن العامة "الغائبة” عن الرقابة، جميعها يدق "ناقوس الخطر” بأن "النيكوتين” أصبح نمط حياة يحاصر أرواحنا.