الخوالدة: يا صاحب الأمر.. الأوطان لا تبنى بوجود هذه الفئة
الوقائع الإخبارية : قال الوزير السابق الدكتور خليف الخوالدة في تغريدة عبر حسابه على تويتر:
ما تتبناه الحكومات بشكل عام، ولا أتحدث عن حكومة بعينها، في مجال السياسات الاقتصادية والمالية لا يتجاوز عن كونه معالجات مرحلية وترقيعات قصيرة الأفق لا تشكل بأي حال من الأحوال حلولا على المدى البعيد ولا حتى على المدى المتوسط..
وهذا ربما سببه العمل تحت ضغط دائم أو استعجال النتائج أو ضعف في القدرات أو تغير في الاهتمامات أو التركيز على الحاضر ونسيان المستقبل وما يتحمله من انعكاسات وارتدادات..
فمثلا ما قالته الحكومة الحالية عن سياسات ما سبقتها من حكومات، ستأتي بعدها حكومة وتقول بحقها ما قالته هي بحق سابقاتها.. وهكذا دواليك.. تدور الحكومات في حلقات مفرغة تطغى عليها ثقافة اللوم..
بعد تفكير عميق وتحليل دقيق لواقع الحال، أرى أن التحدي الأساس الذي يواجه الوطن يتمثل بغياب أو تغييب الكفاءات.. في هذا التحدي، إذا ما أُحسن التعامل معه، مفتاح حقيقي لكافة الحلول.. نعم لكافة الحلول.. إذ فيه خلاص مما في الوطن من أزمات ومشكلات.. وعلى اختلاف أشكالها وأسبابها.. حتى لو كان بشكل تدريجي لكنه مدروس.. كما لا يوجد للكثير من المعضلات نظرًا لطبيعتها حلول جاهزة يسهل تطبيقها.. بل الأمر يستدعي تطوير ما يلزم لها من حلول.. وهذا المهمة لا ينهض بها إلا من لديهم كفايات وقدرات..
هذا التحدي الأساس يتمثل في خلو بعض المواقع القيادية الهامة بما فيها الوزارية من الكفاءات مع محاولات وممارسات فيها استهداف وإقصاء واضح للكفاءات.. أتمنى أن لا تتطور ولا تتوسع هذه الممارسات حتى لا تغدو نهجا أخشى أن نلمسه يُمارس على مختلف المستويات..
إذ يرى المسؤول الضعيف، أي مسؤول ضعيف، في هؤلاء خطورة عليه والخوف من أن يحلوا محله.. فيشغله هذا الهاجس عما لديه من أعمال ومهام.. فهو لا ينقطع عن التفكير والخوف من عدم البقاء والاستمرار.. ويخال له أن لا خطورة عليه أكثر من وجود كفاءات.. أما ضعفه، فلا يرى فيه أية خطورة عليه على الإطلاق..
هذه المسلكيات تحرم الوطن من الاستفادة من الكفاءات وما لديها من قدرات.. ليس هذا فقط بل أيضا تخلق إحباطا لدى هذه الكفاءات.. والأكثر من ذلك إنها تقتل كل طموح وكل أمل لدى أي شخص بأن يحذوا حذو الكفاءات.. إذ يكتشف، للأسف، أن الكفاءة لم تعد هي الأساس.. بل يراها تشكل خطورة على أصحابها.. ويذهب في منحى آخر يقوم على المجاملة والتطبيل والتمجيد.. وبدلًا من أن يسخر قدراته للإنجاز، تجده يوظفها لخدمة المسؤول.. كل هذا لأنه أصبح مقتنعا بأن ذلك هو السبيل الوحيد للتقدم إلى الأمام أو على الأقل للبقاء في المشهد والمكان..
ما يوظف من ذكاء في هذه المسلكيات السلبية قد يصل لدرجة الاتقان ولو وظف في العمل الحقيقي لكنا في أفضل حال..
يدفعهم الخوف من الكفاءات أو الشعور بالضعف مقارنة بهم إلى كيل الكثير من التهم جزافا بحقهم والتقول عليهم ومحاولة تسطيح ما يطرحون.. وتضييق الخناق عليهم ومحاولة سد جميع الطرق أمامهم.. لحد قد يصل إلى محاولة قتلهم أحياء..
ليعلم الجميع جيدا أن الكفاءات هم من يحتاجهم الوطن فعلا.. هؤلاء، وأقصد الكفاءات، هم من يصنعون الفرق.. هؤلاء القادرون على تحويل تحدياته إلى فرص.. هؤلاء بيدهم دون غيرهم المفتاح.. هؤلاء من يبحث عنهم جلالة مليكنا المفدى.. فما تحقق في دول العالم المتقدمة حققته كفاءات حتى لو شحت الموارد والإمكانيات..
أما الممثلون، ولا أقصد الفنانين الذي يبثون رسائل نبيلة مقدرة من خلال مهنة التمثيل، فخذ من أولئك كلامًا ووعودا ولكنهم في نهاية المطاف لا يزيدون الوطن إلا آلام..
الأوطان، وهنا أتحدث بشكل عام، لا تبنى بوجود فئة أو فئات ارتباطها ببعضها أقوى من ارتباطها بالأوطان.. أو حرصها على مصالحها أكثر من حرصها على صالح الأوطان.. فالعلاقة بالأوطان ليست علاقة مصالح ومنافع ومناصب بل علاقة تضحية وعطاء.. إذ تتنامى موجبات التغيير إذا ما طغت المصالح على التضحيات..
ترددت كثيرا في أن أتحدث عن هذا الأمر حتى لا يقال أنني أُناكف أو أن يفسر ممن لا يخافون الله على إنه من باب الإثارة.. أما المناكفة فليست في قاموس حياتي وما اطرحه دافعه الوحيد مصلحة الوطن.. وأما الإثارة فالتمادي بهكذا مسلكيات هو دون غيره ما يثير .. فالدولة أكبر من الأشخاص ومصلحتها الدافع الجامع الأساس..
إذا أردنا لأُردنا الخير، فعلينا بالكفاءات.. لقد ولى إلى غير رجعة عصر الشلة والخيوط والأدوات.. إذ ثبت بالشكل القاطع الصريح أن الوطن لم يتأذى من أحد أكثر من هؤلاء.. واليوم نراه يدفع الثمن وأغلى ثمن..
يا صاحب الأمر اسمحوا لي يا سيدي أن أرفع لمقامكم السامي هذا النداء وأقول بكل ثقة ومسؤولية إن الحل يكمن في التحدي الأساس.. الحل بأن يتولى زمام الأمور كفاءات.. ولا أدعي أني منهم.. فبأيادي هؤلاء مفاتيح الحلول.. ومثل هؤلاء يقدمون حلولا حقيقية تترسخ في السياسات وتتجذر في المسلكيات فنلمس ثمارها في النتائج والمؤشرات..
الأوطان تُبنى باقتران الكفاءة مع الانتماء.. إذ يخلو حينها قاموس العمل تماما من "الأنا" ومن "المستحيل".. ويصبح كل شيء ينفع الوطن أولوية جامعة قابلة للتحقيق مرة واحدة أو بالتدريج..
لا شيء يتقدم على التخطيط الشامل (سياسيًا، اقتصاديًا، اجتماعيًا...) للوطن الأغلى على المدى البعيد.. يُبنى على عمق الدراسة ودقة التحليل.. والأداة الفاعلة بفعلها - لا بمجرد رد فعلها - هي الإعلام.. الإعلام الهادف النافذ البناء الذي يسبق بفعله الأحداث بل ويصنع التوجهات والتأييد ويهابه الأعداء..