"التوقيف الإداري".. تقييد الحرية بحجة الحفاظ على الأمن
الوقائع الإخبارية : بالتزامن مع تقرير للمركز الوطني لحقوق الإنسان لعام 2018 حول الواقع الإنساني والحريّاتي في المملكة رصد خلاله تجاوزات وتعديات على حقوق الانسان من بينها التوقيف الإداري، انتقد حقوقيون وناشطون هذا التوقيف والمبالغة فيه، فيما ذهب بعضهم إلى اعتباره "تعسفا”.
التقرير تحدّث عن توقيف 37683 شخصًا "إداريًا” العام الماضي و34952 العام الذي سبقه، و30138 العام 2016، ما يعني أن "أعداد الموقوفين تتزايد سنويا بحجّة الحفاظ على الأمن المجتمعي”، وهو ما أقر به رئيس الوزراء عمر الرزّاز خلال جلسة عقدها مجلس النواب يوم الأحد الماضي.
وفيما يؤكّد التقرير أنه "لم يطرأ أي تعديلاتٍ على قانون منع الجرائم لعام 1954، إلا أنه يشير الى استمرار مخالفة هذا القانون لمبدأ دستوري أصيل وهو الفصل بين السلطات، إذ أنّ هذا القانون يمنح السلطة التنفيذية صلاحيات قضائية”.
الخبير السياسي والاقتصادي منير الحمارنة، يوضح الاختلاف بين الضرورات الأمنية والقانون، بقوله "كل دول العالم لديها التوقيف الإداري، لكن الفرق يتحدّد بسؤالين الأول: إلى أي مدى يمكن اعتبار القوانين موضوعية وعادلة، والثاني: إلى أي مدى تنفّذها السلطة بطريقة قانونية وعادلة؟”.
ويؤكد أن "الإمعان باستخدام التوقيف الإداري هو عدوان على الأشخاص، ولذلك يجب إيجاد توازن بين القوانين وحسن التنفيذ، لأن القضية هي بالأساس احترام الحريات العامة، وعدم ممارسة السلطة الديكتاتورية بحقّ المواطنين”، دون أن يخفي أيضًا أن "التوقيف الإداري ضرورة كي لا يحصل فلتان”.
من جهته، يقول الخبير القانوني والحقوقي الدكتور ليث نصراوين، إنّ إقرار الرزاز بالمبالغة باستخدام التوقيف الإداري، "يجب أن يؤخذ على أن هناك حاجة لتعديل قانون الجرائم الصادر العام 1954”.
ويضيف "العام 2010 كان هُناك مشروع قانون لتعديل قانون الجرائم، لكن هذا المشروع لم ير النور منذ ذلك الوقت، خاصةً أن القانون بنصوصه التي تم تشريعها لم يعد متماهيًا مع الزمن الحالي”، مرجعاً السبب الى ان بعض المصطلحات التي استخدمها المشرّع آنذاك لم يعد لها وجود الآن.
ويرى نصراوين ان تصريح الرزّاز حول الموضوع من المفترض أن يصبح مشروعاً لقانون يتم من خلاله تعديل قانون منع الجرائم، وهنا يأتي دور مجلس النوّاب.
في المقابل، يرى محافظ في وزارة الداخلية، طلب عدم نشر اسمه، أنه لـ”حماية أمن المواطنين وفض النزاع بينهم، منح المشرع الحاكم الاداري صلاحيات التوقيف الاداري، لمنع وقوع الجريمة”، مشيرا الى أن "عددا من حالات التوقيف تكون لصالح الموقوف او لحمايته من خطر يلاحقه في حال تم الإفراج عنه قضائيا”.
ويضيف "هناك أشخاص خطرون ومن أرباب السوابق، وخروجهم من السجن سيعرض حياة وممتلكات مواطنين للخطر، ولهذا يضطر الحاكم الاداري الى توقيفهم استنادا الى قانون منع الجريمة، ولحماية المجتمع منهم”، داعيا مجلس النواب الى "الانحياز لأمن المواطن في مثل هذا الاجراء”.
وينتقد هذا المحافظ "بعضا من الشخصيات ذات النفوذ التي تجري وساطات وتدخلات للإفراج عن ذوي أسبقيات يشكلون خطرا على المواطنين وعلى المحلات التجارية”، موضحًا "أن معظم ذوي الأسبقيات على درجة عالية بالثقافة القانونية، وهم يرتكبون جرائمهم استنادًا لمعرفة قانونية تمكنهم من الإفلات من العقاب، او يحصلون على عقوبة مخففة”.
ويتابع أن الحاكم الإداري عندما ينظر بقرار التوقيف "يراجع السجل الجرمي للموقوف، فإذا كان من ذوي الأسبقيات يتم توقيفه أو فرض إقامة جبرية عليه للحد من تحركاته التي قد تفضي إلى ارتكاب جرائم تضر بمصالح المواطنين وأرواحهم”.
لكن تقرير المركز الوطني لحقوق الانسان يفند الأقاويل الرائجة بأنّ قرارات التوقيف هي بمثابة قرارات إدارية قابلة للطعن أمام المحكمة الإدارية، إذ "يتوجّب حصر هذه الصلاحية بالقضاء فقط”، مشيرا إلى الكلف المادية التي يتكلّفها الأفراد لإقامة الدعاوى الإدارية.
التقرير وفي سياق عرضه للتوقيف الإداري، يوضّح أن "هذا القانون يشكّل مخالفةً صريحةً لنص المادة 128/1 من الدستور الأردني، والتي تنص على أنّه لا يجوز أن تؤثر القوانين بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات، على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسيتها، علاوةً على مخالفة المبدأ الجزائي الدولي: لا يُلاحق الفعل الواحد إلّا مرةً واحدة”.
ويتوافق ما سبق الى حد كبير مع قلق نيابي بهذا الخصوص، إذ يتحدّث رئيس لجنة الحريات العامة وحقوق الإنسان في مجلس النواب عواد الزوايدة، عن "التعسّف باستخدام هذا القانون”.
ويقول "اجتمعنا مرتين مع وزير الداخلية ومدير الأمن العام السابق، إلّا أن الالتزامات لا يتم ترجمتها الى واقع”، منتقدًا "الغياب المتكرّر لوزير الداخلية عن هذه الاجتماعات”.
ومع ذلك، فالزوايدة لم ينفِ ضرورة "التوقيف الاحترازي لكن بشروط وضوابط”، موضحًا "نحن مع توقيف الأشخاص الخطيرين والّذين يكرّرون المخالفات القانونية”.
ويزيد "نحن دولة مؤسّسات وقانون وهذا يحتّم احترام القوانين ولا نتعسّف باستخدامها، خاصّةً أن هذا التعسّف قد يجعل هؤلاء الأشخاص مجرمين”، لافتًا إلى أن لجنة الحريات ستعقد الأسبوع المقبل اجتماعًا بهذا الخصوص "وإذا لم يحضرها وزير الداخلية سنتحدّث في القضية تحت قبة البرلمان”.