الكتوت ينتقد الموازنة: تعكس عمق الازمة والحكومة لا تفكر بالخروج منها
الوقائع الإخبارية : قال الخبير في الشأن الاقتصادي فهمي الكتوت إن مشروع قانون الموازنة العامة لعام 2020 يعكس عمق الازمة السياسية والاقتصادية في البلاد، بعد انسداد الافق امام النهج السائد في ادارة الازمات؛ اذ لم يعد مطروحا على جدول اعمال الحكومة قضية الخروج من الازمة؛ بل تذليل الصعوبات لادارتها.
واضاف الكتوت أن انحسار مصادر دخل الخزينة من "الضرائب والقروض والهبات"، وانفلات النفقات الجارية وتراجع النفقات الرأسمالية التنموية، واستشراء مظاهرة الفساد، واخضاع البلاد لشروط صندوق النقد والبنك الدوليين، والتخلي عن مؤسسات الدولة لصالح الاحتكارات الرأسمالية وهيمنة الشرائح الطفيلية على الاقتصاد الوطني واغراق البلاد بالمديونية، افضى الى ارتفاع العبء الضريبي على مدخلات الانتاج والمواد الاستهلاكية، واصبح يشكل النهج السائد عقبة كأداة امام خروج الاقتصاد من ازمته، بعد استنزاف طاقات المجتمع الاردني، وتراجع القدرة التنافسية للمنتجات المحلية، وحرمان البلاد من استثمار موارده، واختناق القطاع الزراعي، في ظل مناخات سياسية واقتصادية، عمقت التشوهات الهيكلية للموازنة والاقتصاد الوطني، وزيادة الاعتماد على الخارج في توفير الاحتياجات الاساسية والمواد الغذائية.
وبين الخبير الاقتصادي، أن الموازنة العامة للدولة خلت من أي رؤية مستقبلية لوقف حالة التدهور، ومع ذلك تواصل الحكومة حالة الانكار.
واشار الى أن الايرادات المحلية استهدفت زيادة قدرها 733 مليون دينار بهدف تغطية 92.5% من النفقات الجارية، في حين ان موازنة عام 2019 كانت تستهدف زيادة في الايرادات المحلية 1065 مليون دينار، لتغطية ما نسبتة 100% من النفقات الجارية، لم يتحقق منها سوى 76 مليون دينار وتغطية 88% فقط من النفقات الجارية.
وأكد الكتوت أن الاقتصاد الاردني لم يعد قادراً على زيادة الايرادات في ظل تراجع النمو الاقتصادي الى ان وصل الى ادنى مستوياته وبمعدل 1.9% في عام 2019، كما ارتفعت معدلات البطالة خلال الاعوام الخمسة الاخيرة من 11.9 الى 19.2% في عام 2019.
وبلغت النفقات العامة 9808 مليون دينار, بزيادة قدرها 778 مليون دينار، وبلغ عجز الموازنة بعد المنح 1247 مليون دينار، علما ان عجز موازنة عام 2019 مقدرة ارتفع من 645 مليون دينار بعد المنح الى 1214 مليون دينار اعادة تقدير، بزيادة قدرها 569 مليون دينار، رغم تخفيض النفقات الرأسمالية بمبلغ 172 مليون دينار، وزيادة المنح الخارجية بمبلغ 294 مليون دينار، بمعنى ان العجز الحقيقي ارتفع اكثر من مليار دينار عما ورد في الموازنة..!.
وأوضح الكتوت أن اتساع الفجوة بين الايرادات والنفقات ادى الى تفاقم عجز الموازنة الامر الذي اسهم بزيادة عبء المديونية، وارتفاع تكلفتها على حساب تراجع الخدمات العامة والبنية التحتية المتهالكة، وقد بلغت قيمة فائدة الدين العام في موازنة الحكومة المركزية لعام 2020 مبلغ 1254 مليون دينار وبزيادة قدرها 202 مليون دينار مقارنة مع اعادة تقدير لعام 2019، وبلغت فوائد الهيئات المستقلة مبلغ 167 مليون دينار وبلغت القيمة الاجمالية لفائدة الدين العام حكومة وهيئات مستقلة مبلغ 1421 مليون دينار. اما المديونية فقد ارتفعت خلال الشهور العشرة الاولى من عام 2019 نحو 1.742 مليار دينار حيث بلغ اجمالي الدين العام مبلغ 30.195 مليار دينار في نهاية ايلول 2019 وبنسبة 96.9% من الناتج المحلي الاجمالي وفق ما ورد في نشرة وزارة المالية لشهر تشرين اول عام 2019، دون الاخذ بعين الاعتبار ما يسمى بالالتزامات السابقة الواردة في الموازنة التي ترفع نسبة الدين العام الى اكثر من 100% من الناتج المحلي. لقد شكلت فوائد الدين على الحكومة المركزية وحدها ما نسبته 15% من اجمالي النفقات العامة.
وبين أنه من المتوقع ارتفاع تكلفة الدين العام في السنوات القادمة بسبب تصاعد عجز الموازنة وزيادة المديونية مما يشكل تحديا كبيراً للمالية العامة، حيث تتجاوز كلفة الاقتراض مخصصات النفقات الرأسمالية مما سيؤدي الى استمرار حالة الركود الاقتصادي!؟.
وقال الكتوت إنه على الرغم من ارتفاع حجم الاقتراض الحكومي من صندوق استثمار اموال الضمان الاجتماعي على شكل سندات خزينة بقيمة 5.7 مليار دينار، فأن تقرير اللجنة المالية لمجلس النواب كشف عن توجه لشراء صندوق استثمار اموال الضمان الاجتماعي سندات للخزينة بما يوازي المبالغ المحولة من الموازنة العامة كمساهمات الضمان الاجتماعي بنسبة فائدة لا تتجاوز 3% لخفض كلفة الدين العام اي اقل من نصف فائدة السندات التي تصدرها الحكومة في السوق المحلي في الوقت الذي يتقاضى القسم الاعظم من متقاعدي الضمان رواتب متدنية لا تغطي الحد الادنى من احتياجاتهم الضرورية مما يشكل استقواء على امانات الاجيال القادمة.
وعن تسديد التزامات سابقة قال الخبير في الشأن الاقتصادي إن دائرة الموازنة العامة استحدثت بنداً جديداً على جداول الموازنة تحت مسمى التزامات سابقة منذ عام 2016، وبما ان الموازنة هي عبارة عن موازنة تقديرية لقيمة الايرادات ومصادرها والنفقات وابوابها لعام جديد، وان السلطة التفيذية مجبرة بالالتزام بها بموجب قانون الموازنة، فأن ما يسمى بنفقات التزامات سابقة لا مكان لها في الموازنة دستوريا وهي مخالفة لقانون الموازنة، كما ان الالتزامات السابقة لم يجر الافصاح عنها او اقرارها من قبل هيئة رقابية، وان على مجلس النواب ردها، حيث لا يجوز اجازتها بعد انفاقها خارج الموازنة ودون الافصاح عن تفاصيلها خاصة ان قيمة هذه الاموال التي انفقت وفقا للجدول رقم (30) لتقرير ديوان المحاسبة لعام 2018، شكلت عجزا متراكما قيمته (3685) مليون دينار، وهي المبالغ التي صرفت لتغطية العجز بعد التمويل في موازنات الاعوام السابقة، ويشير تقرير ديوان المحاسبة في هذا الصدد الى ما يلي:
1. ان العجز لم يتضمن اجمالي ارصدة الالتزامات السابقة التي ظهرت بقانون الموازنة العامة والحسابات الختامية له والتي بلغت (690.6) مليون دينار خلال الاعوام (2016-2019) على النحو المبين في الجدول رقم (31)
وان القرار التفسيري رقم (2) لسنة 2006 تاريخ 26/12/2005 الصادر عن المجلس العالي لتفسير احكام الدستور يلزم الحكومة بعدم صرف نفقات تزيد عن المقرر في قانون الموازنة العامة الا بموجب قانون يصدر لهذه الغاية قبل الانفاق وحيث ان تسديد الالتزامات السابقة يعني انه تم الانفاق خارج الموازنة العامة ولم يظهر ضمن العجز المقدر والفعلي خلال الاعوام التي سبقت عام 2016، فإن ذلك يعني أن هذا الانفاق كان مخالف لأحكام الدستور.
2. لم يتم ادراج ايضاح مناسب حول العجز المتراكم (التغير في التمويل التراكمي) في المركز المالي للخزينة متضمنا كل من ارصدة الدين العام والعجز / الوفر بعد التمويل.
وأكد الكتوت أن تجاهل هذه الوقائع وعدم التقدم ببيان يكشف حقيقة المركز المالي للدولة وتصويب المخالفات التي ترتكبها السلطة التنفيذية بما يسمى التزامات سابقة، والذي كشف عنها ديوان المحاسبة يستدعي محاسبة الجهات المسؤولة عن انفاق المال العام بطرق غير دستورية ومحاسبة المتسترين عليه.
اما عن السياسة الضريبية أشار الكتوت إلى أن السياسات المالية والضريبية احدى المحاور الرئيسية لتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، فالنمو الاقتصادي الذي تسعى الدولة لتحقيقه، ينبغي ان يقترن بالتوزيع العادل لعائدات التنمية من خلال الضريبة التصاعدية، وإعفاء الفقراء من الضرائب، واعادة توزيع الدخل بما يحدث تغييرات ملموسة في حياة المواطنين وتحسين ظروفهم المعيشية، مشيرا الى أن أهمية استخدام السياسة الضريبية تبرز في تصويب التشوهات الهيكلية للاقتصاد الوطني، بتحفيز القطاعات المنتجة بسياسات ضريبية تفضيلية.
وقال إن السياسات الضريبية شهدت تراجعا ملحوظا عن المبادئ الأساسية للفلسفة الضريبة والتي تضمنها الدستور، خلال العقدين الأخيرين، وخاصة بعد اخضاع الاقتصاد الوطني لما يسمى بسياسة "التصحيح الاقتصادي" بانتهاج سياسات ضريبية إحلالية؛ بتراجع دور الضريبة التصاعدية، بعد صدور قانون الضريبة العامة على المبيعات في العام 1994 واستحدات ضريبة خاصة وصلت نسبتها الى أكثر من 100% على بعض السلع والخدمات.
واضاف أن مصادر ايرادات الخزينة وابواب انفاقها تحدد موقف الدولة من الشرائح والطبقات الاجتماعية، فالايرادات الضريبية غير المباشرة تشكل نحو 78% من بند التحصيلات الضريبية بينما الضرائب على الدخل والارباح لا تشكل سوى 22%، فيها انحياز للاغنياء وهي مؤشر على عمق الفجوة وغياب العدالة الاجتماعية بين المواطنين، فقد بلغت نسبة الايرادات الضريبية ما نسبته 73% من اجمالي الايرادات المحلية، وفي حال اضافة ما يسمى بثمن الخدمات والغرامات والمصادرات للايرادات الضريبية ترتفع نسبة الايرادات الضريبية الى 87%.
وأوضح الكتوت أن هذه مؤشرات كافية للكشف عن عمق الازمة الاقتصادية وانعكاساً لذلك ارتفاع معدلات البطالة والفقر، مؤكدا أن السياسة الضريبية فقدت وظيفتها الاساسية، في اعادة توزيع الثروة وتقليص الفجوة في الدخول وتوجيه الاستثمارات.
كما ان توحيد العبء الضريبي بين القطاعات التجارية والصناعية واخضاع القطاع الزراعي للضريبة يعكس السياسات الجبائية للحكومات دون مراعاة للمصالح الوطنية في تطوير القطاعات المنتجة.
وعن التحفيز الاقتصادي، قال الكتوت إن القرارات الحكومية المتعلقة بتحفيز الاقتصاد لم تظهر اهتماما من قبل الرأي العام الاردني لعدم جديتها وتواضعها، كونها لا تمس القضايا الجوهرية للازمة المالية والاقتصادية، ولن تؤدي الى تغيير النهج السائد في البلاد الذي اوصل الاقتصاد الوطني الى ازمة عميقة، ولم تساهم في الخروج من هذه الازمة.
وأكد أن المواطن لم يعد يثق بالوعود الحكومية المتكررة لافتقارها للمصداقية ولأي اجراءات ملموسة في معالجة حقيقية للازمة المالية، مشيرا الى أن الخطوة الجدية بدعم القطاع الصناعي تتمثل بتخفيض ضريبة المبيعات على مدخلات الانتاج وعلى مخرجاته، وعلى الطاقة ومشتقاتها، بالاضافة الى خفض معدلات الفوائد على القروض التي اصبحت عبئاً على الصناعة وعلى مختلف القطاعات. مع التأكيد على ان الاقتصاد الوطني لن يغادر ازمته في ظل النهج السائد.
وبين أن الخطوات الضرورية، لانقاذ الاقتصاد الوطني تكمن في سياسات مالية ضريبية جديدة، منها تخفيض الضرائب (غير المباشرة) واعتماد الضريبة التصاعدية بما يتفق مع النص الدستوري، وقطع دابر الفساد الذي أخذ اشكالا متعددة منها الرواتب ومشتقاتها كالمكافأت والعلاوات التي اصبحت عبئاً على النفقات الجارية، فالنهج السائد غير قادر على انتشال الاقتصاد الوطني، او وقف حالة التدهور الاقتصادي.
وقال الكتوت إن قضية دمج الهيئات المستقلة بالوزارات اصبحت مطلبا شعبيا لاستنزافها لاموال الخزينة، بعد ان اصبحت مكاناً للمكافآت، وما أقدمت عليه الحكومة من اجراءات كان شكلياً، بدمج هيئات ومؤسسات في عامي 2018 و2019 حيث انخفض عددها من 57 مؤسسة الى 25 مؤسسة في موازنة 2020 لم يغير من عبئها اذ ان النفقات العامة لم يطرأ عليها اي تغيير حيث بلغت نفقات الهيئات المستقلة لعام 2020 مبلغ (1563) مليون دينار في حين بلغت هذه النفقات في موازنة عام 2017 مبلغ (1578) مليون دينار، مما يؤكد على ان الاجراءات الحكومية، لم تمس عبئها على المالية العامة.
وبين أن الهدف الرئيس من المطالبة "بالدمج والالغاء" هو خفض الرواتب الخيالية واخضاع جميع موظفي الدولة لنظام الخدمة المدنية تحقيقاً للمساواة والعدالة بينهم، اضافة الى توفير النفقات الادارية من عملية الدمج.
وأوضح أن نصيب وزارتي الصحة والتعليم لا يتجاوز الـ 15% من اجمالي الانفاق العام. وجاء تصريح مدير الخدمات الطبية حول عجز موازنة الخدمات الطبية وارتفاع ديونها التي بلغت 376 مليون دينار ليعكس حجم الاختلالات الهيكلية للموازنة وعدم اعطاء الاولوية في الانفاق للتعليم والصحة. وهنا تبرز مخاوف لدى الرأي العام من ان هذه السياسات تهدف الى خصخصة التعليم والصحة.