"جريمة رأس السنة" تسلط الضوء على ضعف برامج التأهيل في السجون
الوقائع الإخبارية : تسلط التفاصيل الجديدة التي تم الكشف عنها في حادثة الطفل ذي الأعوام السبعة والذي قتل على يد والده، ليلة رأس السنة الحالية، الضوء على ضعف برامج التأهيل النفسي والاجتماعي لنزلاء مراكز الإصلاح، إلى جانب برامج الرعاية اللاحقة لهذه الفئة تحديدا في الحالات التي تتضمن عوامل خطورة.
وكانت تفاصيل جديدة حصلت عليها "الغد” عن القضية كشفت عن أن الطفل وحيد والده، وكان في حضانة جدته لوالده منذ ولادته، بينما كان والده محكوما بالسجن لمدة 7 أعوام بجريمة اتجار بالمخدرات.
وبحسب المعلومات، فإن "الأب تم توقيفه أثناء فترة حمل الأم بالطفل، وبعد حصول الأم على الطلاق من زوجها المسجون تنازلت عن حضانة طفلها، وكان الأب الذي أنهى محكوميته منذ شهرين ونصف دأب على ضرب الطفل ضربا مبرحا ومؤذيا حيث انتشرت الكدمات على كافة أجراء جسده والذي صبغ بألوان متعددة نتيجة الضرب الواقع عليه بفترات زمنية مختلفة”.
ورغم عدم وجود أي ملف سابق للطفل أو الأسرة في إدارة حماية الأسرة، لكن التفاصيل تكشف العديد من الفجوات المتعلقة بالتقييم والمتابعة التي حصل عليها الأب وهو من أصحاب الأسبقيات الجرمية خلال مدة توقيفه، وما إذا كانت هناك متابعة من قبل الباحثين الاجتماعيين في مراكز الإصلاح والتأهيل للوضع الأسري للنزلاء، خصوصا أن حالة الطفل تؤشر إلى العديد من عوامل الخطورة التي قد تحيط بالطفل حال خروج الأب من السجن كون الطفل ضحية لتفكك أسري ووالدته تخلت عنه فضلا عن الطبيعة العنيفة للأب وهو من المكررين.
وكان التقرير الأخير لحالة حقوق الإنسان في الأردن والصادر عن المركز الوطني لحقوق الإنسان للعام 2018، أشار إلى إشكالية "القصور في الرعاية الاجتماعية المقدمة للنزلاء في مراكز الإصلاح والتأهيل”.
وفي هذا السياق، يقول الخبير في حقوق الإنسان والوقاية من العنف، مستشار الطب الشرعي، هاني جهشان، إن الوقاية من العنف ضد الأطفال ومن ضمنه العنف القاتل، قائمة على تقييم عوامل الخطورة في وقت مبكر من قبل مقدمي الخدمات في القطاعات المتعددة وأهمها قطاع الخدمات الاجتماعية وبالتالي توفير البيئة الآمنة التي تحجب خطر العنف عن الطفل وتقيه من القتل.
واضاف، "على الرغم من أنه لم يكن هناك ملف لهذه الأسرة في إدارة حماية الأسرة، لكن السؤال المهم هل أخفقت الخدمات الاجتماعية في مركز الإصلاح، حيث كان الأب القاتل مسجونا، من تحديد عوامل الخطورة وبالتالي حماية الطفل والوقاية من العنف والقتل؟”.
وهنا، يشير جهشان الى مجموعة النصوص القانونية في قانون مراكز الاصلاح والتأهيل والتي تنص على خدمات المتابعة الاجتماعية والنفسية للنزلاء والتي كان من الممكن أن تحول دون وقوع هذه الجريمة.
وتنص المادة 30 من قانون مراكز الإصلاح والتأهيل على أن "تتولى وزارة التنمية الاجتماعية وحسب الإمكانات المتاحة لها تقديم الخدمات الاجتماعية والرعاية اللاحقة للنزلاء بواسطة مراكز خاصة يتم فتحها في المركز وفق تعليمات يصدرها وزير التنمية الاجتماعية لهذه الغاية”.
كما تنص المادة 6 من تعليمات الخدمات الاجتماعية والرعاية اللاحقة لنزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل على أن "تعمل الوزارة على تقديم الخدمات التالية للنزلاء وأسرهم: 1- حماية الأطفال أبناء النزلاء المعرضين للخطر..”.
واعتبر جهشان أن العاملين في الخدمات الاجتماعية في مراكز الإصلاح والتأهيل لا يتلقون التدريب الكافي بهدف رفع الكفاءة المعرفية أو المهاراتية لديهم، وهم غالباً ما يتعرضون لضغوط العمل الوظيفي وتدني الرواتب وبالتالي يعجزون عن القيام بالمهام المهنية الاجتماعية المتوقع منهم القيام بها”، لافتا الى ما ورد في تقرير المركز الوطني لحقوق الانسان حول القصور في الخدمات الاجتماعية المقدمة.
وقال جهشان، "هناك ثلاث مجموعات من نزلاء مراكز الإصلاح لها أهمية خاصة تتعلق بحماية الأسرة ومنع تفككها تشمل النزلاء الآباء والأمهات والنزلاء الذين يعانون من أمراض نفسية والنزيلات”، موضحا، "عادة ما يعاني نزلاء مراكز الإصلاح من مدى واسع وعديد من المشاكل الاجتماعية”.
وأضاف، "العواقب الموثقة بحثيا التي تلحق بالأطفال نتيجة سجن الآباء أو الأمهات، تشمل العواقب النفسية كالقلق والاكتئاب وقلة الانتباه والاضطرابات السلوكية، والوصمة الاجتماعية، تدني الإنجاز المدرسي، عواقب الفقر، التفكك الأسري، مخاطر التعرض للعنف الأسري وللتنمر وعنف الفتيان، والمخاطر المرتبطة بالعيش في مؤسسات الرعاية الاجتماعية أو الأسر البديلة، فضلا عن امكانية تعرض الطفل للعنف الأسري من قبل ولي أمره بعد الإفراج عنه.
ويوضح جهشان لمواجهة هذه الاحتمالات، فإنه "يتوجب على الباحث الاجتماعي في مراكز الإصلاح أن يقوم بمهامه المتعلقة بالتعامل مع النزيل لجهة إجراء دراسة أولية لتقييم الوضع الاجتماعي للنزيل مباشرة عقب إدخاله لمركز الإصلاح والإشراف الاجتماعي على النزيل خلال وجوده بالمركز والتدخل في الأزمات الطارئة وإدارة الحالة بالتنسيق مع وزارة التنمية الاجتماعية وحفظ الملفات والسجلات ووضع خطة لتأهيل النزيل خارج مركز الإصلاح والتي يجب أن يخطط لها في وقت مبكر قبل خروج النزيل”.
ووفق جهشان، "هناك مسؤولية على الحكومة إن كانت وزارة التنمية الاجتماعية و/أو مديرية الأمن العام، بتوفير عدد كافٍ من الباحثين الاجتماعيين، الأكْفَاء والمدربين، في مراكز الإصلاح”، مبينا أن "على الحكومة أن توفر عددا كافيا من المهنيين في المجال الاجتماعي يغطي كافة القطاعات الاجتماعية والصحية والتربوية والقطاع القانوني إن كان في إدارة حماية الأسرة أو إدارة مكافحة المخدرات أو مراكز الإصلاح، تجمعهم نقابة مهنية بقانون يضبط ممارسة المهنة وتتحمل وزارة التنمية الاجتماعية مسؤولية تطبيقه والإشراف على هذه النقابة العتيدة، حيث ثبت إخفاق عدة محاولات لإنشاء جمعيات فاعلة لهذه المهنة”.
من ناحيتها، تتفق المديرة التنفيذية لمجموعة القانون لحقوق الإنسان "ميزان”، ايفا أبو حلاوة، مع جهشان في الرأي لجهة أهمية برامج التأهيل الاجتماعي لنزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل وأهمية المتابعة اللاحقة تحديدا في الحالات التي يكون بها أطفال للأسرة وعليهم عوامل خطورة.
وتلفت أبو حلاوة إلى مقترح ضرورة تخصيص مدع عام خاص بالطفل وذلك لحماية حقوق ومصلحة الطفل سواء كان ذلك في المحاكم الشرعية أو النظامية.
وكانت قضية الطفل الضحية سلطت الضوء على العديد من الفجوات في منظومة التبليغ عن الأطفال المعرضين للخطر وضحايا العنف، حيث أنه ورغم تعرض الطفل للعنف الشديد على يد والده على مدار شهرين ونصف، الا أن أحدا لم يبلغ الجهات المختصة عن تعرض الطفل للعنف رغم كونه طفلا في سن المدرسة.
وتؤشر القضية الى الحاجة لضرورة تفعيل بند التبليغ من قبل مقدمي الخدمات سواء الصحية أو التعليمية عن حالات العنف الواقعة على الاطفال وتزامن ذلك مع ضرورة إطلاق النظام الخاص المتعلق بحماية الشهود في حالات العنف الأسري.