حازم الناصر يكتب عن خطة ترامب وأبعادها المائية

الوقائع الإخبارية : خطة السلام الأميركية -الإسرائيلية او ما يسمى "صفقة القرن” نعارضها ونرفضها لأسباب عديدة؛ منها ما هو سياسي ومنها ما هو اقتصادي واجتماعي وديني، إضافة الى ما انطوت عليه من اشارات جديدة في الملف المائي الشائك بين الفلسطينيين والإسرائيليين من جهة، وبين الإسرائيليين ودول الجوار من جهة أخرى.
فالخطة لم تعط الملف المائي الوزن المطلوب ولا الاهتمام الذي ينم عن حسن نية تجاه إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، والمتفحص للمبالغ المالية الواردة بـ "الصفقة” يجد ان مجموع ما خصص للمياه في كل من فلسطين، بما في ذلك غزة وسيناء والمشاريع المشتركة مع الأردن لا تتعدى 3.1 مليار دولار اميركي، على فترة زمنية تتراوح ما بين عامين الى عشرة أعوام.
وبالمناسبة هذا المبلغ يوازي ما أنفقه الأردن على قطاع المياه الأردني لتلبية احتياجاته المائية المتزايدة، واحتياجات اللجوء السوري خلال الفترة 2013- 2017، اذ أنفق الأردن هذا المبلغ رغم ضيق الحال دون الدخول بصفقات مع أحد.
من الواضح ان القائمين على هذه الخطة يعلمون جيدا أهمية المياه لقيام الدولة الفلسطينية، وأنه بدون مخطط مائي طويل الأمد وقابل للاستمرار والاستدامة فلن تكون هناك مقومات للدولة المنشودة، ولهذا ابتعدت الخطة عن الملف المائي من حيث أولا؛ التنكر للاتفاقيات السابقة الموقعة مع الفلسطينيين، وثانيا الاستمرار بالسيطرة على المناطق الغنية بالمياه السطحية والجوفية وبناء المستعمرات عليها.
يظهر ذلك جليا في منطقة القدس ونابلس الغنيتين بالمياه السطحية والجوفية، بالإضافة الى السيطرة على ما تبقى من الأراضي المحاذية لنهر الأردن وشمال البحر الميت ودون ان يكون للفلسطينيين أي سيطرة او حقوق سيادية.
إسرائيل ضمن "صفقة القرن” لم تتخذ من المياه ومواردها مناطق حدودية مع الفلسطينيين لأن الاستراتيجية قد تغيرت في ظل وجود فائض من الغاز، فقد عشنا الفترات التي كانت بها روافد ومنابع نهر الأردن هي المحرك الرئيسي لعدوان 1967 ومن قبلها حرب العام 1948 وآخرها حرب الاستنزاف العام 1973 والتي انتهت حروبها بخطوط هدنة تتلاءم والسيطرة على موارد المياه في نهر الأردن او الضفة الغربية او الجولان المحتل وبحيرة طبريا، إضافة إلى السيطرة على مرتفعات الضفة الغربية وخزاناتها الجوفية الغنية بالمياه والتي سحبت إسرائيل مياهها بطرق جائرة دون ان يكون هناك نصيب او أدنى حق للفلسطينيين في مياههم.
بالعودة الى ما يسمى "صفقة القرن” والاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة، فقد ركزت محاورها ومشاريعها على شبكات المياه والخطوط الناقلة من الداخل الإسرائيلي باتجاه الضفة الغربية وسيناء وغزة والأردن، وفي الوقت ذاته تجاهلت الاتفاقيات المبرمة سابقا ابتداء من "أوسلو” وانتهاءً باتفاقيات العام 2017- 2018 بخصوص تزويد الضفة وغزة بالمياه، والتي كانت جزءا من اتفاق ناقل البحرين التي ترفضه إسرائيل جهارا نهاراً، وتصر على ادخاله "بالصفقة”؛ لتقول للولايات المتحدة الاميركية وأوروبا بأنها مع التعاون الإقليمي، ولكن التنفيذ والالتزام شأن آخر، خاصة اذا كان هناك منفعة للآخرين، والسبب ان الاستراتيجية تغيرت في ظل عدم وجود موارد مائية جديدة للسيطرة عليها في الضفة الغربية.
الاستراتيجية الجديدة هي امتهان مهنة بيع المياه لكل من يحتاج "طبعا مقابل الثمن”، فهي لديها مياه البحر القابلة للتحلية ولديها أفضل تكنولوجيا لتحلية المياه، ولديها الطاقة الوفيرة والرخيصة، وهنا اقصد "غاز المتوسط”.
نعم، الاستراتيجية الجديدة مربحة اقتصاديا وسياسيا، وهي أيضا غير شائكة، كما هو الحال في السيطرة على موارد مياه الغير، وما يتبعه من إشكالات دولية وقانونية.
اما السيطرة على شمال البحر الميت فله أسبابه، ظاهرها التوسع في احتلال أراضي الفلسطينيين، وترسيم حدود جديدة، الا ان هناك أسبابا أخرى تتعلق بمستقبل صناعة البوتاس من البحر الميت، والتي تدر المليارات على الاقتصاد الإسرائيلي من خلال بيع املاح البوتاس ومنتوجات البحر الميت.
وفي ظل عدم الرغبة بالمضي قدما بمشروع ناقل البحرين الأردني، فإن المُخطِّط الإسرائيلي يعلم بأن مياه البحر الميت بانحسار باتجاه الشمال، "أي باتجاه حدود الضفة الغربية على البحر الميت والتي أصر الأردن خلال السنوات الماضية على ان دولة فلسطين هي احدى الدول المتشاطئة، ولها حقوقها وتم ادخال الفلسطينيين كشريك فاعل بمشروع ناقل البحرين الأردني”.
ولتوضيح هذه النقطة بالأرقام، فإن طول الشاطئ الغربي للبحر الميت اليوم هو حوالي 54 كم، منها 18 كم فقط داخل حدود إسرائيل العام 1948 وما تبقى أي 36 كم تقع داخل حدود الضفة الغربية العام 1967، وفي حال استمرار انحسار مياه البحر الميت شمالاً، فمن المتوقع انه وخلال 25 عاما القادمة لن يكون هناك شاطئ للبحر الميت داخل حدود إسرائيل 1948 وستختفي الفوائد الاقتصادية المقدرة بالمليارات من خلال استغلال مياه البحر الميت، ولذلك تصر إسرائيل على ضم مناطق غور الأردن الفلسطينية المطلة والممتدة على طول شاطئ البحر الميت.
المياه حق أساسي من حقوق الانسان وجسر للتعاون بين الشعوب ولا يجوز بأي شكل من الاشكال استخدامها كسلاح لقهر واضطهاد الشعوب او لتمرير صفقات سياسية كتب لها الفشل قبل ولادتها.
لا بد من تذكير المجتمع الدولي الذي أشبعنا تنظيرا بضرورة تنظيم استعمالات المياه والحقوق على ما يعرف بـ (الدول المتشاطئة) والتي روج لها من خلال العديد من المواثيق والمعاهدات ابتداءً من قرارات رابطة القانون الدولي في اجتماعها بهلسنكي العام 1966 وانتهاءً باتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية للأغراض غير الملاحية لعام 1977 ودخولها حيز التنفيذ العام 2014 والتي أكدت على مبدأ مشاركة دول المجرى المائي في الانتفاع به وتنميته، وأن يكون الانتفاع منصفا ومعقولا.
*رئيس منتدى الشرق الأوسط للمياه
وزير المياه والري الأسبق