التحرش من الشارع إلى "السوشيال ميديا".. قنبلة لا أخلاقية تتسع دائرة شظاياها

الوقائع الإخبارية : مع اتساع أعداد المتعاملين بالانترنت في العالم وبرغم ما تقدمه هذه التقنية من خدمات للبشر، يتزايد في المقابل حجم ما تنتجه من سلبيات، ففي الأردن يصل عدد مستخدمي الإنترنت إلى 6.3 ملايين، أي ما يعادل 77 % من عدد السكان، ما يكشف عن حجم التعامل الكبير معه في مختلف المجالات، وما يفرزه هذا التعامل من وجع.
وتحقق مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك، تويتر، انستغرام”، النصيب الاكبر في حصة التواصل، ما اتاح لمستخدمي هذه المواقع استخدامات هائلة، وغير محددة، لتخلق فضاء متنوعا من السلوكيات والقيم لمواكبة هذا العالم الواسع، ولتظهر الى جانب مساحات العمل الفاعلة والايجابية في نطاقه، نقاط سوداء منها التحرش.

لم تتردد العشرينية سجود (اسم مستعار) في الصراخ على شاب، حاول التحرش بها لفظيا خلال سيرها بأحد شوارع عمان؛ إذ القى عليها عبارات خادشة من دون خجل.
لم تكن تلك العبارة فقط هي التي أججت نار الغضب في صدر سجود، التي كانت ماضية لقضاء أمر يخصها، بل ما حملته بعض عبارات الشاب المتحرش الموجهة لها، وصفتها بـ "النابية”.

"التحرش اللفظي”، تقول سجود "لا ينتشر في الشوارع من قبل اشخاص لا يبالون بحقوق الآخرين الشخصية وحرياتهم، اعتقادا منهم بأن النساء قاصرات عن الرد عليهم، بل أصبح يجد مساحة واسعة على صفحات التواصل”، مشيرة الى أن "آليات التحرش عديدة، ويجري باستمرار ابتكار طرق تحرش جديدة، وتركيب جمل وألفاظ غريبة لم يسبق تداولها، والمشكلة أن هذه الصفحات تساعد على تعميم ابتكارات المتحرشين من الالفاظ ووسائل التحرش”.
وتصل المفردات وأدوات التحرش، حدودا تدلل على تدني مستوى سلوك المتحرش، يستخدم فيها ألفاظا جنسية غير مقبول تداولها في المجتمع، أو صورا خلاعية، أو حركات إيمائية فاحشة، وتختلف عملية التحرش بحسب مرتكبها، وهي في الشارع العام غيرها على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، التي أتاحت نوافذ اتصال مفتوحة بين الأفراد، بيد أن هناك من يستخدمونها لأغراض "تحرشية”، تضفي صفة "المتحرش الالكتروني” على من يرتكب هذا الفعل.
ويحظى التحرش عموما برفض مجتمعي معلن، أكان عبر صفحات التواصل أو مواقع الانترنت الأخرى، أو في الشارع، لكن حالات التحرش في الشارع تكشف عن قبول نسبي به، من زاعمين بأن المتحرش لا ينفذ فعلته تلك الا حين يرى إغواء من الضحية، أكان في لبسها أو في صوتها أو في حركتها.
لكن هذا لم يعد مقبولا، فالحرية التي يتمتع بها الفرد قانونيا وأخلاقيا، لا تمنحه التضييق على الآخرين، تحت أي ظرف، فالتحرش فعل ينتهك خصوصية الضحية وحقوقها الفردية، وقد انعكس هذا المفهوم عند مرتادين لمواقع التواصل، وللأسباب نفسها التي يتذرعون بها من ان الضحية هي من تجذبهم لارتكاب هذا الفعل.
خبراء اجتماع وإرشاد نفسي، يردون ارتكاب التحرش لعوامل نفسية لدى المتحرش، مركزها "الكبت الجنسي” الذي يعيشه المتحرشون جراء بيئاتهم المنغلقة أو ما يزعمون بأنها "بيئات محافظة”، وبرغم ذلك فإن الخطاب العام، أكان في بيئات محافظة ومنغلقة او منفتحة، "يعتبر التحرش فعلا غير أخلاقي، ترفضه قيم وعادات المجتمع، لما يحمله من اعتداء نفسي مهين على النساء والفتيات والقاصرين”.
القوانين في العالم، تعتبر التحرش فعلا جرميا، تتفاوت الأحكام والعقوبات بحق مرتكبيه، وفي الأردن فإن أغلب المتحرشين وضحايا التحرش، لا يعلمون بالعقوبات التي يمكن ان يتسبب بها التحرش.

في الماضي، كان المتحرشون يتعرضون للنبذ الاجتماعي، ولقوانين مجتمعية صارمة، ولأحكام الشريعة، لذا، فإن هذا الفعل، كان ضيق الانتشار، بسبب الرقابة المجتمعية والدينية وأحكامهما القاسية بحق مرتكبيه، لكنه اليوم اصبح فعلا يدفع بعض "المدمنين” عليه، للتباهي به بين أصدقائهم، أو المجموعات التي ينتمون لها مهنيا أو في مواقع العمل والجامعات.
عمليات ردع التحرش، تبقى باهتة، برغم صرامة القانون في هذا الجانب. لذا، فإن حملات بعض الجهات لوقفه في مواقع العمل، أو في الشوارع والاسواق والجامعات، تتطلب تكثيفا إعلاما، وتوعية بصرامة القوانين، وإبراز قوة المجتمع في نبذ مرتكبيه.

ظل التحرش الجنسي في الاعوام الماضية حالة مسكوتا عنها لاعتبارات مجتمعية، تحاول أن تظهر المجتمع كله منتميا للقيم الأصيلة، لكن المسكوت عنه رفع صوته مؤخرا، ولم تعد "سكروا على الموضوع متفضحوناش” مقبولة بين الضحايا ومناصريهن والمعنيين بالحقوق المدنية للأفراد.
تتكشف سلوكيات المتحرش في زمن "السوشيال ميديا” أمام العامة، بما يحمله من إيماءات لفظية ومفردات مباشرة ذات بعد استفزازي تظهر في الإدراجات والتعليقات على صفحات تواصل اجتماعي، بالاضافة الى صور مثيرة أحيانا، وهذا يؤكد أن مرتكبي ذلك، شخصيات مرتبكة اجتماعيا، ومهتزة قيميا، إذ تصل استخداماتهم للالفاظ المسيئة حدودا غير مقبولة مجتمعيا، وتعرض لوصف تفصيلي ومثير لمعالم جسد الأنثى أو الذكر القاصر، دون أي التفات لما يحمله ذلك من خدش للحياء العام.
لقد دفع الاعتياد على التفاعل مع صفحات التواصل الاجتماعي، ليصبح التحرش بالكلمات المكتوبة، شبه "مألوف” لدى بعض الفئات، وكأنه شيء طبيعي.
ومع سهولة وتيسير الحصول على اجهزة الهاتف الذكية و”التابلت” والكمبيوتر بمختلف انواعها، وانتشار خدمات الانترنت بأسعار زهيدة، اتسعت دائرة الانشغال بـ”السوشال ميديا”، وأصبحت صفحات التواصل ملاذا لمتحرشين، يرتبكون هذا الجرم ويمارسون الاستغلال الجنسي للضحايا.
الشابة بيان (اسم مستعار)، تحدثت عن تجربتها المريرة مع تعليقات متحرشة مسيئة، على صفحتها في "فيسبوك”، فقررت تجاهلها، وألغت صداقة كل من يسيء إليها على صفحتها، باستخدام "البلوك”، كشكل من أشكال الحماية، ووقف تكرار التحرش بها على صفحتها، برغم أنها أكدت "لو سمعت هذا الحكي بالشارع ما بسكت”.
تقول بيان (18 عاما) أن بعض من كانوا ضمن قائمة اصدقائها "بيعلقوا تعليقات وكأنه مسموح لهم بها”، لافتة الى أن بعض الافراد يظنون أن صفحات التواصل مكان لانتهاك خصوصيات الآخرين، بخاصة الفتيات، دون أن يقع عليهم أي ذنب جراء هذا الفعل اللاأخلاقي.
وتكشف أن الامر، يعود في الاساس الى ما يعيشه هؤلاء المتحرشين من شعور بـالنقص، وقلة احترامهم في مجتمعهم، متناسين ان كسب الاحترام لا يتأتي بهذه الطرق، اللاأخلاقية، داعية الى ردعه.
فالتحرش، ايا كان في الشارع أو على صفحات التواصل، تخضع محاكمته للمفاهيم القيمية في المجتمع، ويحاكمه الأفراد الأسوياء في اطار أخلاقي، لكن هذا الامر لم يعد كافيا، بخاصة مع اتساع رقعة ارتكابه، ما يتطلب خلق مساحات توعوية بسلبياته، وما يحمله من إيذاء نفسي للضحايا، وما يتسبب به من عقوبات قانونية لمرتكبيه.
ويتطلب ذلك، بث التوعية لدى النساء ومن يتعرضون للتحرش، وتعريفهم بآلية وضع حد قانوني له، عبر التبليغ عن المتحرشين لوحدة الجرائم الالكترونية بمديرية الامن العام، وحض الضحايا على كسر حاجز الصمت والخوف من المجتمع، بالتبليغ عن المتحرشين بهم.

فتقديم شكوى بحق اي متحرش على صفحات التواصل، فعل ضروري لوضع حد لهذا الفعل، وفق بيان صحفي لمعهد تضامن النساء الأردن، صدر مؤخرا، وقال "إن العنف والتحرش الإلكتروني يهددان 2.7 مليون أنثى يستخدمن الإنترنت، بينهن مليون طفلة”.
مديرة راديو البلد الإعلامية عطاف الروضان، قالت إن "التحرش الالكتروني مفهوم حديث، أضيف إلى قائمة التابوهات التي ينكرها المجتمع، ويرفض الحديث عنها بحجة انها (مستحيل تصير)، بحيث يعيش المجتمع الأردني حالة إنكار لما يحدث داخله”.
وأضافت الروضان، ان "الصورة المجتمعية التي ترفض الظلم والاعتداء على المرأة واللاجئين، موجودة، لكن من الخارج، وما يحدث خلف الشاشات، عرض كثيرات للانتهاك عبر السوشيال ميديا”، مضيفة أنه "لحسن الحظ، فالسوشيال ميديا فتحت المجال أمام الجميع للتعبير عن ذاتهم، لكن لسوء الحظ، هناك أشخاص يسيئون استخدامها”.
وعلى مدى خمسة شهور، جرى فيها رصد لصفحات تواصل اجتماعي، تابع فريقنا تعليقات مسيئة تعرض لها كثير من الفتيات بكلمات بذيئة تمس الشرف، لكن جرى تجاهلها، أو الرد بمثلها أحيانا.

الباحث والخبير الاجتماعي حسام عايش، بين ان الوسائل الإلكترونية سهلت فعل التحرش لأنه أصبح يمارس دون خوف أو ضوابط تمنعه من ذلك "بيعمل اشياء أكثر من اللي بالشارع كمان”، وبما ان نتائج فعل المتحرش لن تكون مباشرة، فإنه سيضمن عدم معاقبته ويستمر بالتحرش.
وأكد عايش ضرورة تشريع قوانين تجرم التحرش، والأخذ بالاعتبار التحرش على منصات التواصل الاجتماعي، التي فتحت الباب واسعا للتحرش، لعدم وجود ضوابط تكبح ارتكاب المتحرشين من القيام بهذه الاعمال.
الحقوقية إيناس زايد؛ أوضحت أن جريمة الذم والقدح والتحقير، قد تشمل التعليقات المسيئة على صفحات التواصل، في حال كانت تحمل في طياتها وصفا لأشخاص أو اتهامات معينة دون أدلة؛ ويعتبر في هذه الحالة (ذم وقدح وتحقير)، لكن باستخدام الوسائل الإلكترونية، ينطبق عليها جريمة "الفعل المنافي للحياء” أو ما يعرف بالتحرش.
وتعزو زايد أسباب التحرش لدوافع شخصية واجتماعية، في توافق مع عايش، إلى أن دوافع المتحرض تتعلق بالشخص نفسه، وقد تبدو محاولة منه لإبراز ذاته وإثبات مكانته أمام أصدقائه، تحت الاعتقاد بأن مثل هذا الفعل، يجعله مرغوبا لدى الطرف الآخر.
يشار إلى أن المادة (17) من قانون الجرائم الالكترونية رقم (27) لسنة 2015، والمنشور في الجريدة الرسمية تنص على ان "دعوى الحق العام والحق الشخصي، تقام على المشتكى امام المحاكم الاردنية اذا ارتكبت اي من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، باستخدام انظمة معلومات داخل المملكة”.

وبين عايش الدور المهم الذي تلعبه التنشئة الاجتماعية بتشكيل سلوكيات الأشخاص، فعدم شعور الشخص بالأهمية، يقوده إلى كبت في داخله يفرغه عبر سلوكيات يكون التحرش بينها.
"ما نزال الى اليوم نطالب بسن قوانين، تكفل وتضمن حماية أي مواطن أكان أنثى او ذكر، من التحرش والإساءة، بغض النظر عن شكلها ومكان ارتكابها”، وفق خبراء دعوا لمزيد من الجهد والعمل للتصدي لهذا النوع من الجرائم.
ويرى هؤلاء الخبراء "أن جهود وحدة الجرائم الالكترونية والمنظمات المختصة؛ المحلية والدولية ما تزال محدودة في رفع مستوى الوعي المجتمعي حول قانوني العقوبات والجرائم الالكترونية”.
وتتضمن الأفعال والسلوكيات المتعلقة بالتحرش الإلكتروني: تلقي مكالمات خلوية متكررة، وغير مرغوب فيها. استلام رسائل نصية غير لائقة، أو صور فاضحة أو جنسية. استغلال الصور الشخصية والتهديد بها. عرض القيام بأفعال فاضحة أو ذات طابع جنسي بالابتزاز إلكترونياً أو على أرض الواقع.
ولم يقتصر الامر على ذلك، بل امتد نحو: سلوك الملاحقة والتتبع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتطبيقات الهواتف الذكية. كتابة تعليقات فاضحة أو ذات طابع جنسي على الحسابات الإلكترونية. اختراق الخصوصية أو الحسابات الإلكترونية أو البريد الإلكتروني؛ وطلب القيام بأفعال ذات طابع جنسي أمام كاميرا الهاتف أو الكمبيوتر.
المحامية والمديرة التنفيذية لمعهد تضامن أسمى خضر، تحدثت عن أن إثبات واقعة التحرش على منصات التواصل الاجتماعي، قد يكون عبر الطرق الإلكترونية الحديثة مثل "السكرين شوت”، فيما يثبت التحرش على ارض الواقع عن طريق الشهود.
وقالت خضر، ان المتضرر أو المتحرش به، هو من يمكنه تقديم شكوى، فيما بإمكان أي شخص التبليغ إذا رأى واقعة تحرش، أكان ذلك عبر مواقع التواصل أو في الشارع، مشيرة إلى أن تقييم الشكوى، يُترَك لـ متلقي البلاغ إذا كانت تشكل جريمة أم لا!
خضر كما الآخرين، لفتت إلى قصور قانوني العقوبات والجرائم الإلكترونية، لعدم احتوائهما حتى اليوم، على تعريف دقيق للتحرش؛ بل عبر توصيفه بأنه فعل مناف للحياء العام، مؤكدة أن العقوبات غير رادعة، فالمحامي يستطيع تكييف أي تحرش على أنه فعل مناف للحياء العام، "كلما كان القانون أكثر وضوحا، والتعريفات شاملة ومعروفة للجمهور، كانت ملاحقتها والحد منها أكبر”.
وتؤكد نتائج دراسة أجرتها اللجنة الوطنية لشؤون المرأة حول ظاهرة التحرش عام 2017، أن 8 أفراد من كل 10 ضمن العينة (80.8 % منهم ذكور وإناث)، تعرضوا لواحد أو أكثر من أفعال وسلوكيات التحرش الالكتروني.
وتضمنت الأفعال والسلوكيات المتعلقة بالتحرش الالكتروني: تلقي مكالمات خلوية متكررة وغير مرغوب بها، واستلام رسائل نصية غير لائقة أو صور فاضحة أو جنسية، واستغلال الصور الشخصية والتهديد بها، وعرض القيام بأفعال فاضحة أو ذات طابع جنسي بالابتزاز الكترونياً أو على أرض الواقع، والملاحقة والتتبع من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهواتف الذكية، وكتابة تعليقات فاضحة أو ذات طابع جنسي على الحسابات الإلكترونية، واختراق الخصوصية أو الحسابات الالكترونية أو البريد الالكتروني، وطلب القيام بأفعال ذات طابع جنسي أمام كاميرا الهاتف أو الكمبيوتر.

وفي الوقت الذي يبذل حقوقيون جهودا لوضع قانون ينظم ما يحدث على مواقع التواصل وتعديل قانون الجرائم الإلكترونية، لكن خبيرة السوشيال ميديا عبير أبو طوق، تفضل الاتجاه للمدرسة الأخلاقية أكثر من القانونية، لتنظيم هذه المواقع.
وأوضحت ابوطوق، أنها لا تفضل وجود قانون ينظم مواقع التواصل، بقدر وجود منظومة أخلاقية مشتركة تسهم بصنعها وسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني وخبراء علوم الاجتماع، وأيضا مستخدمو صفحات التواصل التي رفضت تسميتهم بـ”المؤثرين”.

لم تتوقف التعليقات المسيئة من أفراد في انتهاك خصوصية الآخرين على مواقع التواصل، لاعتقادهم بأن هذه المواقع هي مساحتهم التعبيرية، بل تجاوزت الحدود الأردنية، لتثبت أنها ظاهرة تحتاج لاهتمام أكبر ومعالجة سريعة.
فما حدث على هذه الصفحات عند اندلاع ثورة الشعب في لبنان يوم 17 تشرين الأول (اكتوبر)، لم يأخذ الجمهور العربي على صفحات التواصل وفي الأردن، الوضع السياسي والاقتصادي في لبنان على محمل الجد، وبأنه سبب الثورة، بقدر اهتمامه بأشكال ومظاهر المشاركات في المظاهرات، وقد روجت لهذا الامر مواقع تابعة لمؤسسات إعلامية.

وبينت أبوطوق، أن "الكثير من المواقع الإخبارية، ظهرت بصورة سلبية في مظاهرات لبنان”، ما شجع كثيرين على التعليق السلبي، دون أي رد فعل من إدارة مواقع التواصل التابعة لتلك الوسائل الإعلامية، سوى مزيد من التسطيح للقضية.

الأسوأ من ذلك، أن هذه الصور التي نشرتها صفحات التواصل، باتت "سيرة” الجمهور إلى حد أنها، ذَكَّرَت فئة من المجتمع بأهمية المطالبة بحقوقها، لكن في لبنان، فإلى جانب الفتيات، والتحلي بروح النكتة تجلت لدى الأردنيين في التعليقات التي اختزلت كل الظلم الذي عاناه الشعب، بصور لا تمثل إلا أصحابها!
وفيما يتعلق بتأثير المحتوى على سلوك الناس ودفعهم لكتابة تعليقات مسيئة عند الآخرين على السوشيال ميديا، قالت أبو طوق، رأيت كثيرا من العاملين في المؤسسات الإعلامية، يصورون المذيعة والضيوف بطريقة لافتة للانتباه "كأنه بعمل دعاية وحركة على الصفحة، بدل ما يدفع فلوس لفيسبوك”، مبينة أن المسؤولية هنا مشتركة، بين المتلقي الذي يتابع والجهة الاعلامية أو الصفحة التي تنشر.
وأكدت أبو طوق أنه برغم ذلك "فلا يعطيني الحق كشخص بأن أعلق بشكل غير لائق”، لافتة إلى أن الوسيلة الإعلامية باستطاعتها الحد من انتشار التعليقات المسيئة عبر إخفائها "إذا أنا فتت علقت تعليق مسيء على أي أحد من الناس، ولما رجعت فتت شفت التعليق وكان مخفي، فحتما يكون هذا المكان أو الصفحة مش ملعبي، مش المكان اللي أنا لازم أكون فيه”.
وأضافت، حين يجد الشخص تعليقه مرغوبا لدى الآخرين، وأنه "مضحك”، يشعر بأنه أنجز شيئا وأصبح مشهورا "ويتشجع يعلق مرة ثانية وثالثة”.
وبينت أبو طوق أهمية وجود ضوابط تحكم العاملين في "السوشيال ميديا” بقولها "لازم يكون عندك حس بالمسؤولية، لأنه أنت من توجه رأيا عاما وإنت مش حاسس، فأنا لما بلشت عام 2009 ما كان أحد يتابع كثيرا، بس لما صرت مع صفحات كبيرة، صرت أحس إنه الناس معتمدة علي ولازم أبرز هذا الإشي على المستوى الشخصي والمهني، واكون صادقة مع الناس بكل الأحوال”.
وأضافت، إذا لم توضع هذه الضوابط "سنذهب لمكان لا يحمد عقباه”، مشيرة إلى أنها رفضت وظيفة في إحدى الوسائل الإعلامية، لأنها لم تقبل نشر ما يخالف توجهاتها.
فمجتمعنا يعاني من مشكلات ومفاهيم جديدة، ما يزال يخشى الاعتراف بوجودها، نتيجة تجاهله للتطور الالكتروني وما ينتج عنه من منصات اجتماعية، واعتباره لهذه المنصات بأنها مساحة تعبيرية حرة لا يحاسب عليها؛ فمن يتابع هذه المنصات، يلاحظ أنه ما كان مرفوضاً من الشارع، اصبح مقبولاً في "السوشيال ميديا”، وكأن المنظومة الأخلاقية تتعلق بمكان الواقعة فقط وليس بآثار ونتائج هذه الظاهرة.