أ.د. علاء الدين الحلحولي يكتب: التعلّم عن بُعد، ما قبل كورونا وما بعدها، فرصة من قلب الأزمة..

الوقائع الاخبارية : لقد نجحت ودون أدنى شك عملية التعلّم عن بُعد، سواء في الجامعات أو في المدارس. ويُقاس النجاح هنا بما اعتقد به الكثيرون من صعوبة التطبيق قبل حدوث طارئ فيروس كورونا الجديد، إلى نجاعة تطبيقه وبنجاح فاق التوقعات فور حدوثها، واستمرار ذلك. ويرجع هذا النجاح إلى عدّة جوانب، من أهمها:
- مبادرة الجامعات لتبني عملية التعلّم عن بُعد منذ اللحظات الأولى لانتشار فيروس كورونا، ووضع كل إمكانيّاتها الماليّة والتقنيّة والإداريّة وغيرها لإنجاح العمليّة ولضمان استمرارها عن بُعد. هنا أتحدث عن تجربة جامعة الشرق الأوسط، وأستقي من تجارب جامعات الوطن. فقد كانت جامعتي سبّاقة في التعامل مع انتشار الفيروس والتصدي لخطره، واتخذت كذلك جميع الإجراءات اللازمة لاستمرار العمليّة التعليميّة عن بُعد.
- تجاوب الزملاء أعضاء الهيئة التدريسيّة، ومبادرتهم، وحرصهم على رفع المواد التعليميّة وبنسبة تصل إلى ١٠٠٪ للمواد النظريّة والمدعّمة، من فيديوهات، وقراءات ذاتية، وواجبات، وضربهم أروع الأمثلة في المِهْنيّة والإخلاص، بعرض هذه الموادّ وتقديمها من خلال ال E Learning، وتطبيقات التواصل عن بُعد، ومتابعة الطلبة من خلال عمل مجموعات تواصل وحلقات نقاش.
- الوعي منقطع النظير لدى الطلبة، وشعورهم بالمسؤولية تجاه ضرورة استكمال العملية التدريسيّة، والالتزام بالمحاضرات، وأداء الواجبات، بنسب حضور مُرضية وفوق المتوقعة، وبما يضاهي المحاضرات العاديّة بل يتعداها في العديد من الحالات؛ الأمر الذي كان له الأثر الواضح في سرعة نجاح العمليّة التعليميّة، وتطوّر وسائل التواصل المباشر وغير المباشر، واستمرار الحافز لدى الزملاء أعضاء الهيئة التدريسيّة لتنويع طرق تدريسهم من تعليم متزامن أو غير متزامن للتفوّق عَلى المعوّقات وتذليلها.
- دور الأهل في استمراريّة نجاح عملية التعلم عن بُعد من خلال متابعة أبنائهم وحثّهم على الدراسة وتوفير ما يلزم لهم.
- سياسات الحكومة ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي الرصينة والمتزنة، وتوجيهاتها بحتميّة استمرار الدراسة عن بُعد، واحتسابها للطلبة ضمن سنوات الدراسة، وتذليل العقبات أمام الجامعات والطلبة، ومتابعة عملية التعلّم عن بُعد ومراقبتها وتقييمها المستمرّ.
- تطوير الجامعات المستمرّ لأساليب التعليم والتواصل ووسائلهما، وتذليل صعوبات التعلّم عن بُعد، من خلال مواكبة التكنولوجيا المطلوبة، وحلّ المشكلات ومواجهة التحديّات أولًا بأوّل، ووضع مقترحات لآليّة تقييم الطلبة بالعلامات خلال هذه الفترة وما بعدها في أغلب الجامعات.
- جميع القرارات المتخذة تهدف إلى ضمان مصلحة الطلبة، واستمرار عملية تعلّمهم عن بُعد، وتراعي المرونة في التطبيق، ومعالجة الحالات الخاصّة من خلال مجالس الحوكمة في الجامعات.
- قرار استمراريّة التعلّم عن بُعد كان له أثر إيجابيّ يتعلّق بمنح الطلبة وعائلاتهم الفرصة لاستثمار أوقاتهم في العلم والتعلّم بدلا من الفراغ والانشغال بالألعاب وغيرها.
إذن، لقد أصبح التعلّم عن بّعد جزءًا لا يتجزأ من العمليّة التعليميّة لدى الجامعات والطلبة والمجتمع، وقد سُخّرت الإمكانيات لإنجاحه ولضمان استمراريّته، ولا بدّ الآن من وضع التعليمات والسياسات اللازمة لاعتماده دون تأخير، جزءًا أساسيًّا من مستقبل العمليّة التعليميّة، وذلك من خلال:
- تحديد نسبة المواد الممكن تطبيقها عن بُعد، وحسب طبيعة التخصّصات؛ إذ يمكن أن ترتفع هذه النسبة في تخصصات وتنخفض في أخرى، إلا أنّ التجربة أثبتت إمكانيّة تنفيذ المواد النظرية عن بُعد و بنسب عالية جدًّا.
- اعتماد التعليم المدمج في المواد النظريّة والعمليّة.
- اعتماد سياسة للامتحانات ولتقييم الطلبة في الموادّ المقدّمة عن بُعد.
- اعتماد المرونة في حضور المحاضرات، بحيث يمكن للطلبة حضور محاضراتهم في أوقات مرنة.
في النهاية لا بدّ لنا في الأردن أن نستفيد من هذه التجربة، ونحوّلها إلى فرصة، وأن نستثمرها في الارتقاء بمستوى التعليم العالي، والاتجاه مباشرة نحو تطويع التكنولوجيا بقوة ودون أدنى تردّد في مؤسّساتنا التعليميّة، بحيث يتم توجيه القوى والإمكانيات نحو التركيز على تطوير مهارات الطلبة وقدراتهم في مجالات الاتصال والتواصل، واللغة، والريادة، والابتكار، وتضمين برامجنا الدراسيّة في المراحل كافة: البكالوريوس، والماجستير، والدكتوراه، أدوات التكنولوجيا الحديثة من الذكاء الاصطناعي، وتحليل المعلومات، وتكثيف الجهود نحو تحقيق نتاجات تعلّم المواد الدراسيّة، ومخرجات تلك البرامج في التخصّصات المختلفة، وربطها بمتطلبات سوق العمل.
حمى الله الوطن ملكًا وشعبًا، وأدام عليكم الصحة والعافية.