حتى لا تتوه البوصلة...نحن لا نستجدي

الوقائع الاخبارية : نادر خطاطبة

نقر أن زمن الرخاء ، الذي كانت كانت فيه أقل صحيفة يومية ورقية ، تَنفذ عشرات الآلاف من نسخها الظهيرة ، قد ولى ، إلى غير رجعة ، لكن ما نذكره أن الحكومات وقتها دخلت على خط الصحف ، من باب أنها استثمارات ناجحة ، فاوعزت لذراعها (المستقل إداريا وماليا شكلا) ، اي الضمان الاجتماعي ، بالاستثمار فيها ، وان كنا نعي أيضا أن الغاية ليست استثمارية ، بقدر ما تهدف " للغوصة المحتوى " ، وفرض الرقابة عليه ، بغطاء الاستثمار بأموال الأردنيين بما هو ناجح .

الضمان عبر سنوات ، عددها ليس بقليل ، نابه عوائد استثمارية ممتازة ، ووقتها كان الحرف والكلمة الصادقة ، الحرة ممهدة الطريق وجاذبة للاستثمار والمورد الاعلاني، ولا شك أن العاملين صحفيين وإداريين بكفاءتهم ومهنيتهم ومهاراتهم ، راعوا ما يضمن سير المركب ، بصورة ترضي الذائقة المجتمعية، وتعالج قضاياها وهمومها ، وبنفس الوقت كانوا يمتصون حنق صاحب الاستثمار أو مالكه الأبرز ، والاذرع التي تستحوذ على قراره ..

الصحف وقتها كانت منبر دولة، الدولة بمكوناتها ، والاستثمار فيها كان مجديا ، فهي لم تكن على شاكلة مشروع فندق، أخفق لص بناه بأموال سطا عليها بمشروعية ، في تشغيله ، فكان أن استعان بصديق حكومي ، ليحمل خسارته للضمان، ويبيعه الجمل بما حمل ، وكانت الحكومات تبارك الصفقات، بحجة أنها شكل من حماية الاستثمار ، وحسن السمعة بين اقطابه داخليا وخارجيا .

من البدايات كنا نعلم ، أن الحكومات ليست معنية بنجاحات استثمارية ، في القطاع الإعلامي ، بقدر ما غايتها توجيه دفة الأمور والاستحكام بهامش الحريات، لجهل ذهني مطبق ، فمنذ عهد البناة ، كانت المحاولات كثيرة ، لكنها وجدت صدا من رجال آمنوا بالمهنة ودورها الوطني ، إلا أن كثرة الضغط ، وتلاعب بتشريع هنا ، ونظام هناك ، أطّر الأمور بقوالب أفضت إلى زرع إدارات ، لا تاريخ لها بالحرف وصياغته ، ولا بالحبر ولونه ورائحته ، وقاموس حياتها أنها ادوات طيعة ، ومشوارها العملي قوامه مفردتان اثنتان " امرك أو حاضر سيدي " .

معضلة الصحف ، بعد أن تحقق مراد الرسمي باللغوصة بمحتواها ، أن بدأت مرحلة اعتبارها تكية تنفيعات ، لرجالات فرضوا بمنطق أنهم خدموا الدولة ، كيف ؟؟ نحن آخر من يعلم ، وما نعلمه أن وجدناهم رؤساء لنا ، هذا تارة رئيس مجلس إدارة ، وذاك مدير عام ، وهكذا ، ولولا أن القانون اشترط عضوية نقابة الصحفيين وسنوات خبرة بالمهنة ، لربما شهدنا مدير خدمات عربات الزبائن بالمطار ، عقب تقاعده من الخدمة رئيسا لتحرير الرأي أو الدستور ..

ساذج من يعتقد أن زمن الصحف ولى ، بظل وجود بدائل ، وساذج أكثر من يعتقد أن البدائل الموجودة ستصمد ، أو لديها قدرة على الصمود طالما منهج الرسمي يتعامل معها أنها تابعة، واحادية الرسالة لصوته ، وهرقطاته ، وان رأينا بالجائحة بعض شفافية في الرسالة ، فهي وقتية ومشمشية ، ولأنها اي الجائحة فرضت علينا جميعا حالة حصار ، غنينا ، وفقيرنا ، سائلنا ومسؤولنا ، كلنا داخل الحدود ، لا مكان يأوي أياً منا اليه خارجها .

لن نسهب بالتفصيل ، والحديث عن الحال الذي وصلنا إليه ، وافضى إلى ٦٠ يوما لم يقبض صحفي أو اداري او عامل مطبعة أو حارسها دينارا من راتبه ، وهو الذي أمضى الجزء الأكبر من سنين عمره ظانا أنه بمؤسسات كبيرة بكل ما تحمله المفردة من دلالات ، ونعي كلنا أننا بأزمة ، من قبل الجائحة ، لكن الخطورة أن الرسمي لا يعي ما معاني ودلالات انهيار هكذا مؤسسات بومضة عين .

نحن لا نستجدي اليوم ، فنحن أذرع مؤسسات استثمر بها الضمان واكل منها وشرب دهرا، ونفع أزلام حكومات بذريعة أنهم رجالات وطن ، ومن منطلق الربح والخسارة أن الاوان أن يخصص جزءا من أرباح سنوات الرخاء لإطفاء الملمات، التي تحيق بمستقبل أبناء المؤسسات، لا أن تستمر اداراته بدور الكومبارس الذي يملى عليه ، ويتجنب تحمل النتائج ..

برغم ما يجري ، ويدبر بليل ، يسجل لفرسان الغد والدستور والرأي ، أنهم رغم مرارة ستين يوما بلا دخل ، أن استمروا بواجبهم رقميا ، والاستمرار بإنتاج صحفهم بنسخ pdf ، باعتبارهم يؤرشفون لذاكرة وطن ، بحلو هذه الأيام ومرها ، لذلك ليست شهامة ولا فروسية أن تنقضوا عليهم مستغلين ظروف جائحة ، وتتركوا المُر يمر على حساب قوت أبناءهم .