الدكتور أسامة صالح يحاضر في جامعة اربد الأهلية حول أزمة كورونا وفق الصراع الدولي عبر تطبيق زووم
الوقائع الإخبارية: برعاية عطوفة الأستاذ الدكتور أحمد منصور الخصاونة، رئيس جامعة إربد الأهلية، وبدعوة من عمادة كلية الآداب والفنون في الجامعة، تم عقد ندوة فكرية في الفلسفة التاريخية السياسية، والتي جاءت تحت عنوان: "أزمة كورونا وفق الصراع الدولي" القاها الدكتور أسامة حسن عايش صالح، رئيس قسم متطلبات الجامعة، ومدير دائرة المكتبة في الجامعة عبر تطبيق برنامج زووم الإلكتروني.
تمحورت المحاضرة في هيكلتها العلمية المعرفية، والمنهجية البنائية، حول ثلاثة محاور رئيسة، جاء المحور الأول ليبحث في أيديولوجيا الصراع السياسي: رؤية في الماهية التأطيرية لفلسفة النفوذ النسقي، بينما تعنون المحور الثاني تحت مسمى: الكورنة المعولمة: الدلالة المفاهيمية، والجغرفة السياسية، وتفرد المحور الثالث في التأصيلية الإنتاجية بحثاً واستشرافاً، والدراسات المستقبلية تحليلاً ونقدا.
أوضح الدكتور أسامة صالح أهمية التفريق بين أبعاد التنافس والصدام والصراع في النظرية السياسية، وكرؤية جيوستراتيجية لمستقبلية العلاقات الدولية في ظل أزمة كورونا، كجائحة عالمية استثنائية غير متوقعة، ومن الممكن النظر إلى التنافسية بين القوى الفاعلة بصفتها مقاربة رؤيوية باختلاف منهجي. في حين يتهيكل الصدام وفق آنيته الزمنية، مع تحييد أفق التعاقبية التاريخية في البنائية الحضارية، وكنظرية وجود تطوري في الإلحاحية الإنسانية المشتركة، ويتشكل الصراع بصفته انسياح انسيابي للزمكانية التاريخية، يبرز واقعاً مستتراً في التماهي المنهجي للتحدي الكوروني بين الأقطاب الدولية، ويظهر تبايناً جلياً في إدارة الأزمة، من حيث الأسلوب والمضمون ومركزية الأدوار، وتم الإشارة إلى أبنية الصراع الدولي، كأفق تشكلي في خضم التعامل الشمولي مع الفيروسية الكوفيدية 19، ونتاجاتها المستقبلية، والتي من أهمها محورة: المكانة الدولية، والهيبة السياسية، ودرجة الرخاء الاقتصادي، والقوة المسيطرة، وعمق التأسيسية القيمية، والأهداف الأيديولوجية، والمسألة الأمنية، والسلطة السيادية، الأمان البيئي، وبنية الأنطمة الصحية.
وأشار الدكتور أسامة صالح بأن أزمة كورونا، تشكل بحدثيتها السياسية الاقتصادية الأممية، الدور الأبرز الذي سيؤزم فلسفة الوجود الكوني التقليدي، على الأقل خلال العقد الزمني المقبل. وهذا بدوره سيؤدي إلى ولادة أنموذج مستحدث للعولمة الكوكبية، إلا أنه لن يكون نهاية التاريخ، كأحادية قطبية ومركزة أمريكية، وتجدر الإشارة بأن هناك تشكيل أولي للعولمة، بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية منذ نهاية الحرب الباردة، التي كانت بقطبية ثنائية أساسية، بين ما كان يعرف ماضياً بالاتحاد السوفيتي، والولايات المتحدة الأمريكية، لقد تشكلت بأطر متعددة، لعل من أهمها: اتفاقيات التجارة الحرة، والدور المهيمن للشركات عابرة القارات، ومحاولة تسويق فكرة الديمقراطية، أو ما يعرف بدمقرطة الأنظمة السياسية المستبدة، وزيادة ثقافة الرقمنة التكنولوجية الاتصالية، واللاحدودية العالمية تنقلاً، بمعنى التوسع في إمكانيات الهجرة الشرعية، والإقامة الآمنة، ولكن الوباء الفيروسي سيدفع العولمة في التعبير عن ذاتها بانقسامات عالمية جديدة، ومتجددة بديمومتها المقيدة.
ولفت الدكتور أسامة صالح إلى أن الأزمة الوبائية كشفت عن مدى هشاشة النظام المعولم، ومن المرجح أن تكون النتيجة تحولاً مفصلياً في السياسة العالمية، واختلاف مظاهر الصراع الدولي، تكتلاً وتفككاً، أحاديةً وتعدديةً، وهيمنةً وإدارة، وهذا سينتج بدوره مراجعات وتحولات أيديولوجية فكرية من أجل إعادة إنتاج الهوية الحضارية للذات الوطنية القومية، مما سيعمق فكرة الارتداد نحو الذات تفاضلاً، أكثر من كونه انفتاحاً عالمياً تكاملياً.
وحرص الدكتور أسامة صالح على الاستقاء من مقالة جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم، والتي نُشرت في صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، إلى القراءة التحليلية النقدية، لكونها تُجسد مرحلة فكرية ارتقائية في مواجهة وباء كورونا، مواجهة وجودية معولمة، واستنباتٍ عقليٍ معرفي مؤنسن، خاصة ما يتصل بأهمية إعادة إنتاج العولمة، وليس تفكيكها، بل وجوب إعادة ضبطها وتطبيقها على نحو صحيح، والضبط يحتاج إلى إعادة تشكيل المؤسسات الدولية، مع تأكيده بأن أزمة كورونا سلطت الضوء على عيوب النظام العالمي.
وأكد الدكتور أسامة صالح بأن أحد أهم تداعيات الوباء الكوروني، فيما يتصل بالبحثية العلمية، وأزمة المستقبل التاريخي الحضاري، كشفها قصور الدراسات المستقبلية، في النقد والتحليل، والرؤية والتأطير، والتفكيك المنهجي تشكلاً، وقد تركزت معظم بحوث علم المستقبل، على مواضيع مفصلية فيما يتصل بأفق الصراع الدولي، والتي من أهمها: مخاطر الحروب، بأنواعها المختلفة، وأسلحة الدمار الشامل، والإرهاب المعولم أدلجة، والديمغرافيا السكانية الضاغطة نمواً، بشكل يهدد الموارد البشرية الطبيعية بجانب التغير المناخي، ومسؤولية الدول الصناعية الكبرى بضبطه علمياً، إلا أنه لوحظ إخفاقاً في توقع هذا الوباء الفيروسي العالمي، وعلاجه مناعياً، وتحييد إمكانية العيش في بيئة معقمة بكليتها، مما أوجد تبعات أعاقت من تطور الحضارية الإنسانية، وانبثاق البنائية التاريخية، ولقد تجسدت الإعاقة التطورية بسؤال مركزي حول قدرة العقل الإنساني في إمكانية السيطرة على عالمه الخاضع للثورة التكنولوجية الهائلة، والذكاء الاصطناعي المبرمج.
وأبرز الدكتور أسامة صالح كثرة التحليلات المتباينة، والتوقعات التحولية في الزمنية الكورونية، مع إيمانه بأنه من السابق لأوانه الجزم العلمي اليقيني بحقيقة الوباء، وتداعياته، ودروسه، واستخلاصاته، مع ترجيحه بأن ماهية رصد الصراعات الجيوسياسية، هي التي ستصنف التوازنات بين الأمم والشعوب والقوى السياسية الفاعلة في صياغة الإطار الدولي المستقبلي، مع صعوبة إنتاج تصور علمي معرفي منهجي للخصائص المميزة لعالم الماورائية الكورونية، يضاف إلى ذلك بلورة السجال السياسي بمحتوى وبائي، بين ثنائية قطبية أمريكية صينية تقابلية، تحمل بين طياتها انتزاع قصب السبق لمعنى النفوذ السياسي، والسيطرة الأممية، وثراء الثروة الصناعية، والنقد المالي، كترجمة واقعية تطبيقية لمفهوم الاقتصاد السياسي، وتجلياته الحقلية في صراعية الحروب التجارية، والتقنية الإلكترونية، والتقدمية الطبية الوقائية الوبائية، خاصة بعد الزمنية المعمقة من التسابق العلمي لعسكرة الفضاء الخارجي بعد الكوكبة الأرضية المثقلة.
وخلص الدكتور أسامة صالح إلى ضرورة التعمق النقدي لنظريات العلاقات الدولية، ومحتوى الحضارات الإنسانية، تنافساً وصداماً وصراعاً وحواراً، بآفاقه العالمية المستقبلية، وفلسفة الوجود الإنساني، وهذا يستدعي من النخب الأكاديمية المتخصصة، إعادة البحث في نتاجات كارل دويتش Karl Deutsch، حول التكامل والاندماج الدولي، وثروة الأمم لآدم سميث Adam Smith، ودلالتها في الاقتصاد السياسي، وصراع الحضارات لصموئيل هنتنغتون Samuel Huntington، ونهاية التاريخ والإنسان الأخير لفرانسيس فوكوياماFrancis Fukuyama، وعولمة العولمة للمهدي المنجرة Mahdi Elmandjra.
وفلسفة الحقيقة والمنهج لهانز جادامير Hanz Gadamer، وإبرازه لطبيعة الفهم البشري على مستوى نظري منهجي، ونظرية الفعل التواصلي ليورغن هابرماس Jurgen Habermas، ومحاولات تجاوز الإشكالات التي تعترض العقل الإنساني، التي تجلت بصورة واضحة بعد التطور الهائل في العلوم التقنية، المتحكمة في العقول البشرية لدرجة السيطرة على طبيعة التفكير، مع النظر إلى الفضاء العمومي كأحد أكثر الأماكن تواصلاً بين مختلف الفاعلين بحيث يتم التجسيد فيه ومن خلاله لمختلف النماذج الفكرية والنقدية العقلية، والمرجعية الأيديولوجية السياسية.
وفي نهاية الندوة، التي حضرها العمداء وجمع كبير من أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعة، تم بناء حوار علمي معمق حول محاورها، وقد أثار عطوفة الأستاذ الدكتور أحمد منصور الخصاونة، رئيس الجامعة، في مداخلته وتساؤلاته، بعضاً من نماذج الوباء التاريخي الذي اجتاح الإنسانية في الربع الأول من القرن العشرين الميلادي، متسائلاً عن إمكانية إحداث رؤية توقعية لنظرية السلوك الإنساني المجتمعي في مرحلة ما بعد كورونا، خاصةً ما يتصل مباشرة بعادات الناس وتقاليدهم؟ وهل لدينا قابلية التغير والتأقلم بعد هذا الفيروس الوبائي؟ مبرزاً احترافية القيادة الهاشمية الأردنية في إدارتها، العلمية الإستراتيجية المدروسة، لهذه الأزمة الطارئة والاستثنائية، وإيجابية الجائحة على صعيد التعليم، والتعليم العالي والبحث العلمي في المملكة الأردنية الهاشمية، الذي شهد تحولاً ملحوظاً في استخدام وتطبيق التقنية التكنولوجية المعرفية، والاستخدام الأمثل للتعليم الإلكتروني عن بعد.