"تضامن" تصدر ورقة حول قضايا الأحوال الشخصية في ظل جائحة كورونا

الوقائع الاخبارية : إعتباراً من 16/3/2020 دخلت تعليمات عمل المحاكم الشرعية للحد من إنتشار فيروس كورونا والتي أصدرتها دائرة قاضي القضاة حيز التنفيذ قبل أن يعلن الأردن بتاريخ 18/3/2020 تعطيل المؤسسات الرسمية والخاصة، ومن بينها المحاكم النظامية والشرعية والكنسية. وبتاريخ 7/5/2020 تم إعادة فتح المحاكم الشرعية الإبتدائية بقرار من المجلس القضائي الشرعي للنظر وعلى وجه التحديد بالأمور المستعجلة وتوثيقاتها وتسجيل دعاوى النفقات والأجور، مع إستمرار دوائر التنفيذ الشرعي في عملها.
وتشير جمعية معهد تضامن النساء الأردني "تضامن” الى أن تعطيل المحاكم بشكل عام والمحاكم الشرعية والكنسية بشكل خاص يؤثر بشكل غير متكافئ على كل من النساء والرجال، فالنساء عانين ولا زلن من الإثار الاقتصادية والاجتماعية للإجراءات الإحترازية التي إتخذتها الحكومة الأردنية لمواجهة جائحة كورونا، وأثرت بشكل مباشر على قضايا الأسرة خاصة ما تعلق بقضايا الطلاق الرضائي والإفتداء وقضايا النفقات والرؤية والإستزارة والحضانة والميراث.
وخلال فترة الحظر عانت النساء من إشكاليات وتحديات متعددة القانونية منها والإجرائية، ومن بينها:
أولاً: الطلاق الرضائي والإفتداء: في الوقت الذي يتمكن فيه الرجل من إيقاع الطلاق على زوجته في أي وقت، فإن النساء حرمن من هذا الحق الذي رتبه لهن قانون الأحوال الشخصية، فلا يمكنهن تسجيل قضايا التفريق (الطلاق الرضائي) بمختلف أسبابها ولا يمكنهن تسجيل قضايا الإفتداء، كما لا يمكنهن متابعة قضاياهن المرفوعة أصلاً أمام المحاكم الشرعية والكنسية والتي قد يكون بعضها قد وصلت الى نهايتها وإقتربت من إصدار الأحكام فيها.
ثانياً: النفقة: الى جانب عدم إمكانية تسجيل قضايا النفقات والأجور حتى تاريخ 7/5/2020، فإن النساء اللاتي حكم لهن بالنفقات واجهن تحديات إجرائية كان من أبرزها:
• تم إيقاف طلبات التعميم على كل من تخلف عن دفع النفقة منذ تفعيل قانون الدفاع وحتى تاريخ 5/5/2020، إلا أن هذا الإيقاف لا زال مستمراً حتى تاريخه. ويترتب على هذا الإجراء أن يتم تبليع المحكوم عليهم بالنفقات مرة أخرى وإعطائهم مهلة جديدة للدفع ومن ثم إصدار طلبات التعميم، الأمر الذي يؤثر على النساء والأطفال والأباء والأمهات ويؤخر دفع النفقات المحكوم بها لهم ويعيدهم الى المربع الأول من إجراءات التنفيذ ويفقدهم حقوقهم في النفقة في الأوقات التي هم بأشد الحاجة للحصول عليها وتأمين مصاريفهم المعيشية.
• حرمت النساء اللاتي لم يكن أزواجهن ملتزمين بدفع النفقة لهن من الحصول عليها خلال شهر آذار 2020 من صندوق تسليف النفقة، حيث دفع الصندوق نفقة المرأة التي كان زوجها أو طليقها ملتزم بالدفع سابقاً وبعد تحصيل الصندوق لنفقات شهر نيسان من المحكوم عليهم.
• إستثنيت النساء والأباء والأمهات من تسليف النفقة خلال شهر آذار، حيث قام صندوق تسليف النفقة بدفع نفقات الأطفال ونفقات المسكن والحضانة والتعليم، علماً بأن العديد من النساء يكتفين بنفقاتهن الزوجية ولا يطالبن بنفقات لأطفالهن مما يحرمهن شخصياً ويحرم أطفالهن من هذا الإستثناء، كما يحرم كبيرات وكبار السن من نفقاتهم.
• حرمت العديد من النساء وقبل أيام قليلة من قرار تعطيل المؤسسات العامة والخاصة من تسجيل وطرح الأحكام الخاصة بالنفقات في دوائر الإجراء، الأمر الذي ترتب عليه حرمانهن من تلبية المستحقة يكون من تاريخ إقامة الدعاوى.
• إن جميع القرارات والإجراءات المتبعة في دوائر التنفيذ لا تستند الى القانون وإنما هي إجراءات تنطوي على تمييز وحرمان للنساء من الحصول على حقوقهن التي نصت عليها تشريعات الأحوال الشخصية، وإن كانت تستهدف بالدرجة الأولى الإستجابة لإجراءات الحكومة الإحترازية.
• إن تعطيل عمل المحاكم الكنسية بشكل كامل، حرم النساء من إقامة الدعاوى خاصة دعاوى الطلاق والتفريق والنفقة والمشاهدة والحضانة والميراث، وأضر بهن وبأطفالهن، وحرمهن من الحصول على حقوقهن وفقاً للتشريعات الكنسية، كما حرمهن من الحصول على النفقات التي تساعدهن على تأمين معيشتهن وأطفالهن.
ثالثاً: دعاوى الحضانة: تأثرت النساء بشكل مباشر من تعطيل المحاكم الشرعية والكنسية، مما حرمهن من حضانة أطفالهن في حال حصولهن على أحكام قضائية بالحضانة، كما حرمهن من إقامة هكذا دعاوى، الأمر الذي يؤثر عليهن نفسياً وصحياً ويؤثر على علاقاتهن بأطفالهن خاصة في ظل الأوضاع الصحية التي تستوجب إجراءات وقائية تحرص النساء بشكل أفضل على إتباعها تجاه أطفالهن.
رابعاً: أحكام الرؤية والإستزارة: توقف بشكل شبة كامل تنفيذ أحكام الرؤية والإستزارة نتيجة إجراءات الحجر المنزلي وحظر التجول، وحرمت النساء والأباء والأمهات من رؤية أطفالهن وأحفادهم وإنقطعت أوجه التواصل بينهم، وهو ما يؤتب آثاراً نفسية وصحية قد يصعب تجاوزها.
خامساً: دورات المقبلين على الزواج: حرمت الإجراءات الإحترازية جميع الأشخاص المقبلين على الزواج خاصة الملزمين بحضور دورات المقبلين على الزواج من الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً، وهي دورات هامة من اجل حياة أسرية سليمة قائمة على المودة والرحمة.
سادساً: الميراث: مع توقف عمل المحاكم الشرعية والكنسية توقف تسجيل القضايا المتعلقة بالميراث، وهذا التوقف يؤثر على الإناث بشكل أكبر من تأثيره على الذكور الذين في العادة يتصرفون في الإرث، وقد لجأ بعضهم الى تعمد عدم حصر الإرث والسيطرة على الميراث وحرمان الإناث من الحصول على حصصهن الإرثية سواء في القانون أو الواقع الفعلي.
سابعاً: القضايا المرتبطة بالعنف الأسري: إن توقف عمل المحاكم الشرعية والكنسية حرم العديد من النساء اللاتي يتعرضن للعنف الأسري والعنف الاقتصادي من متابعة إجراءات الحصول على حقوقهن وفقاً لأحكام تشريعات الأحوال الشخصية، ومنها منع النساء من العمل عن بعد، والطرد من بيت الزوجية، والسيطرة على أموال الزوجات أو إستغلال هذه الأموال، الى جانب ضياع فرص إثباتهن التعرض للعنف خاصة في قضايا التفريق للشقاق والنزاع.
ثامناً: خطر تزويج الأطفال خارج المحاكم: هنالك خطر من لجوء بعض الأسر وبسبب الإجراءات الإحترازية الى تزويج الأطفال خاصة القاصرات دون تسجيل لدى المحاكم الشرعية المختصة، وقد يؤدي ذلك الى تجاوز للشروط المحددة في تعليمات منح الإذن بالزواج للفئة العمري 15-18 عاماً، ويرتب آثاراً سلبية على الأطفال صحياً ونفسياً وتعليمياً.
تاسعا: توقف أعمال مكاتب الإصلاح والتوفيق الأسري: لعبت مكاتب الإصلاح والتوفيق الأسري دوراً بارزاً خلال السنوات الماضية، وكان لها الأثر المباشر في عقد آلاف الإتفاقيات بناءاً على توافقات بين الأزواج والزوجات بما فيها إتفاقيات الصلح والطلاق. إن هذا التوقف يؤثر سلباً على العلاقات الأسرية وعلى النساء والأطفال بشكل خاص.
التوصيات
إن هذه التحديات القانونية والإجرائية تستدعي حلول تأخذ صفة الإستعجال، وفي هذا الإطار فإننا نوصي بما يلي:
1. وقف تعطيل أعمال المحاكم الشرعية والكنسية لتأخذ أنظمة العدالة مسارها الطبيعي في حماية حقوق النساء بشكل خاص، وقبول كافة الدعاوى التي تمس حقوقهن ومن بينها دعاوى التفريق (الطلاق الرضائي) وقضايا الإفتداء والنفقات والحضانة والرؤية والإستزارة.
2. مباشرة العمل على تنفيذ أحكام النفقات دون حاجة الى إتباع الإجراءات المتعلقة بالإبلاغ وإعطاء المهل والتعميم مرة أخرى لمن تخلف من المحكوم عليهم في الدفع.
3. إلغاء أي إستثناء من دفع النفقات بواسطة صندوق تسليف النفقة خاصة نفقات الزوجات والأباء والأمهات، وإزالة أي شروط قد تجعل من حصول النساء على نفقاتهن ونفقات أطفالهن صعبة المنال.
4. تفعيل دورات المقبلين على الزواج الكترونياً، خاصة وأن تجارب التعليم عن بعد وعقد الدورات قد أثبتت نجاعتها، حتى لا يحرم المقبلين على الزواج من هذه الدورات، وكي لا يتم عقد أي زواج دون الإيفاء بشرط الالتحاق بالدورات.
5. التوسع في خدمات المحاكم الشرعية والكنسية الكترونياً، كتسجيل الدعاوى بمختلف أنواعها، ومتابعة احكام التنفيذ، والحصول على النفقات، وتنظيم أحكام الرؤية والإستزارة عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة، وتقديم طلبات الحصول على الوثائق المهمة، وغيرها من المعاملات الشرعية والكنسية.
6. إصدار الأحكام في كافة القضايا التي إستوفت كافة الإجراءات القانونية حماية لحقوق النساء والأطفال وكبيرات وكبار السن، خاصة القضايا المتعلقة بالنفقات والحضانة والرؤية والإستزارة والميراث والتفريق والإفتداء.
7. تمكين المحاميات والمحامين الشرعيين والكنسيين من تسجيل ومتابعة الدعاوى الشرعية والكنسية، وتسهيل أعمالهم أمام المحاكم ودوائر التنفيذ، والسعي لإيجاد طرق الكترونية تمكنهم من القيام بهذه الإجراءات دون الحاجة الى الحضور الى المحاكم إلا للضرورة.
8. تفعيل دور قضاة الأمور والمستعجلة والتوسع في صلاحياتهم من جهة وفي المواضيع التي تعتبر من الأمور المستعجلة من جهة أخرى، وإعتبار أي موضع ذات علاقة بالنساء والأطفال وكبيرات وكبار السن ذات أولوية ويجب النظر بها بصفة الإستعجال، دون تعطيل أو تأخير تحت أي ظرف من الظروف.
9. الإستفادة من التجارب الحالية لأزمة جائحة كورونا لغايات التغلب على كافة المشاكل والتحديات التي رافقت تعطيل أعمال المحاكم الشرعية والكنسية، أو عملها بشكل جزئي، أو ما رافق عمل دوائر التنفيذ من إشكاليات، وذلك بوضع الحلول الفورية من جهة، وبالتخطيط بشكل إستراتيجي مع كافة الجهات ذات العلاقة من جهة أخرى، الى جانب تهيئة العمل عن بعد والتحول الالكتروني لمواجهة أي تداعيات نتيجة لجاحة كورونا وما بعدها.
10. التأكيد على حظر إجراء أي زواج خاصة للفئة العمرية 15-18 عاماً دون الحصول على إذن بالزواج وفقاً لتعليمات منح الإذن بالزواج للفئة 15-18 عاماً، من المحاكم الشرعية تحت طائلة المساءلة القانونية.
11. إعادة عمل مكاتب الإصلاح والتوفيق الأسري، مع التركيز على أهمية عمل هذه المكاتب الكترونياً بين أعضائها، ودراسة أمكانية عقد جلسات التوفيق العائلي عن بعد وتوثيق الإتفاقيات التي يتم التوصل اليها.
12. تكثيف أنشطة التوعية القانونية والشرعية والكنسية بإستخدام كافة وسائل التكنولوجيا الحديثة، خاصة تلك الموجه للنساء وكبيرات وكبار السن وذوات وذوي الإعاقة، مع التركيز على كيفية الحصول على الحقوق وإقامة الدعاوى والحصول على الوثائق الرسمية وغيرها من الأمور.