صناعيون وباحثون: الأردن يمتلك كفاءات تستطيع تطوير منتجاته الصناعية
الوقائع الاخبارية :أجمع باحثون وصناعيون على أن الأردن يمتلك قدرات وخبرات وكفاءات في البحث العلمي، تستطيع تطوير مختلف الصناعات الوطنية خصوصا التي أظهرت قدرات عالية خلال أزمة كورونا كالدوائية والغذائية والمعقمات والمطهرات ومواد التنظيف والمستلزمات الطبية والزراعية.
وقالوا إن المرحلة تستوجب توظيف البحث العلمي التطبيقي في تطوير مختلف الصناعات الوطنية، من خلال وضع سياسة صناعية وطنية واضحة وشاملة ومتكاملة، تعبد الطريق أمام الصناعيين والباحثين على حد سواء، لضمان استدامة وتطور الصناعة بما يخدم الشكل الجديد للعالم، ولاسيما ما بعد أزمة كورونا.
وتسهم الصناعة الأردنية التي تضم 18 ألف منشأة صناعية بعموم المملكة بنحو 25 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وتوفر ما يقارب 250 ألف فرصة عمل غالبيتها لأردنيين.
ومع تصاعد وتيرة أزمة جائحة كورونا التي ضربت العالم، برزت حاجة البلاد للاعتماد على الذات والاكتفاء بالموارد المتاحة، وزيادة التوسع بالإنتاج المحلي من الصناعات المختلفة بما يدعم الأمن الوطني ومرتكزاته.
وكان جلالة الملك عبدالله الثاني قد وجه خلال اجتماعه مع اللجنة التوجيهية لدعم الصناعات الأردنية، للاستفادة من الموارد المتاحة بالتشارك مع البحث العلمي ورواده، مع تأكيد جلالته أهمية بناء قدرات الأردن في مجال البحث العلمي والتطوير، وربطها بأولويات الدولة، والعمل بتناغم بعيدا عن التنافس.
ودعا جلالته خلال الاجتماع إلى ضرورة مأسسة واستمرارية البحث العلمي والتطوير ضمن آلية واضحة، وتعزيز التنسيق بين المؤسسات، وتوزيع الأدوار فيما بينها بالتعاون مع القطاع الخاص.
من جانبه، أكد الخبير في الصناعات الدوائية الدكتور عدنان بدوان أن تطوير مختلف الصناعات الصحية بالمملكة، يتطلب سياسة صناعية متكاملة واضحة وشاملة يتفق عليها القطاعان العام والخاص، تعتمد على ما هو متاح للاستفادة من الموارد المحلية مثل المنتجات الزراعية من النباتات الطبية والتي يمكن أن تتحول إلى منتجات زراعية صناعية وبقيمة مضافة عالية وهي سلع من الممكن تصديرها سواء كخلاصات أو كمنتجات جاهزة.
وقال "إن وجود بعض الأملاح المعدنية والمتواجدة في البلاد كمواد أولية من الممكن تصنيعها لتتحول إلى مواد إضافية يتم استخدامها في الصناعة الدوائية كمواد مساعدة"، مضيفا "نظراً لتميز الصناعة الدوائية بالمملكة، فإنها تستطيع إنتاج المنتجات ذات القيمة العلاجية الإضافية والعالية وهذا في مقدور الصناعة، أما صناعة أدوية جديدة فإن الكلفة المالية تتجاوز مقدرة الشركات الخاصة ولابد من إيجاد مختبرات ليست متوفرة في الأردن حاليا".
وأشار إلى أن تطوير مادة كيمياوية علاجية يستغرق زمنا لا يقل عن 5 إلى 7 سنوات في حده الأدنى وبتكلفة تتجاوز مئات الملايين، موضحا ان البنية التحتية لمزاولة هذه الأعمال العلمية تستوجب إنشاء مختبرات متخصصة،حيث أن المستوى العلمي للعاملين في البحث العلمي الصحي بما فيه الدوائي سواء بالجامعات أو المختبرات الصناعية أو السريرية أو في المستشفيات لائق، ومن الممكن أن يكون قاعدة مثالية لتطوير المنتجات الدوائية المبتكرة متى خصصت الأموال اللازمة للبحث في هذا المجال.
بدوره، قال الصناعي والخبير الاقتصادي المهندس موسى الساكت إن هناك ضعفاً في ثقافة الإبداع والابتكار التي تعتبر اساسا للبحث العلمي، إضافة لضعف العلاقة ما بين الأكاديمي والصناعي، ولا بد من تشجيع المؤسسات البحثية على عمل بحوث تطبيقية بالقطاعات الصناعية ولاسيما ذات الأولوية منها.
وأضاف إن البحث العلمي يحل المشاكل التي تواجه الصناعة من جهة ويسهم من جهة أخرى بتطوير قدرات الصناعيين التنافسية، إلا أن هناك ضعفاً في البنية البحثية، ما يدفع بكثير من الأكاديميين إلى العزوف عن البحث التطبيقي الصناعي، إضافة الى ان عدد الأبحاث التي تخرج مقارنة بعدد الأكاديميين قليل جداً.
وأشار إلى أن هناك تقصيرا في مخصصات الجامعات التي تذهب لصندوق دعم البحث العلمي، خاصة وأنه في وقت سابق خُصّصت ما نسبته نحو 1 بالمئة من أرباح الشركات المساهمة العامة لصندوق دعم البحث العلمي، مبينا أن الصناعة الأردنية لا يمكن أن ترتقي وتستمر وتنافس الصناعات الأخرى بمعزل عن البحث العلمي، وخصوصا بعد أزمة كورونا التي أثبتت حاجتنا لتطوير مختلف مجالات الصناعة.
من جهته، قال نائب رئيس جمعية مستثمري شرق عمان الصناعية الدكتور إياد أبو حلتم إن توجيهات جلالة الملك تنصب دائما على أهمية الاعتماد على الذات ووجود صناعة حقيقية مع امتلاك تكنولوجيا التصنيع المتقدمة، ما يتطلب وجود بحث علمي متخصص في الصناعة، التي تغيرت متطلباتها واحتياجاتها وتحدياتها ما بعد أزمة كورونا.
وأضاف إن الأردن يمتلك أساسيات البحث العلمي، كوجود مؤسسات علمية بارزة، وهناك جامعات متميزة بأبحاثها، إلا أن هناك حاجة ماسة لسياسة صناعية وطنية، ومخصصات مالية ترصد في موازنة الدولة السنوية لدعم البحث العلمي ولاسيما بالمجال الصناعي.
وأكد ضرورة وجود تصاميم للمنتجات الصناعية، وعدم شرائها من الخارج، إذ ان نحو 60
بالمئة من منتجاتنا الوطنية التي تصنّع بالمملكة، تصمم في دول أخرى، وهو ما يضعف من قدراتنا في الاعتماد على الذات.
وبيّن أهمية وجود تكامل أفقي أو عامودي في مجال صناعة معدات وأدوات وآلات الإنتاج والقوالب، وهو ما يستدعي وجود سياسة صناعية شاملة بين القطاعين العام والخاص، لتطوير البحث العلمي بما يخدم تطوير الصناعة، لضمان نجاح خطط الاعتماد على الذات في مختلف الصناعات.
وأكد عميد البحث العلمي في الجامعة الأردنية الأستاذ الدكتور رضوان الوشاح أن هناك إمكانيات متوفرة في الأردن في مجال البحث العلمي، بالخبرات المتراكمة والمتعددة التي حصل خبراء أردنيون عليها من مختلف الجامعات العالمية، وخصوصا فيما يتعلق بتوظيف البحث العلمي لتطوير الصناعة.
وقال الدكتور الوشاح، إن هناك تحديات كبيرة تواجه الخبراء، كعدم وجود طريق واضح وثقة بين قطاع الصناعة وقطاع البحث العلمي في الجامعات، إذ ينظر في كثير من الأحيان للبحث العلمي على أنه موجه للترقيات والنشر الذي لا يؤدي بالنهاية لتسجيل براءات اختراع، أو حل مشاكل تطبيقية في المجتمع، عازيا عدم وجود الثقة لمشاكل تواجه الصناعة بالمملكة، لا ترقى إلى المشاكل البحثية التي تنادي بها أنظمة الجامعات الأردنية من حيث الترقية ونشر الأبحاث.
وبين أن هناك عزوفاً من جانب بعض الباحثين عن الوصول لمشاكل حقيقية في الصناعة الأردنية، لأن معظمهم غير قادر على تحديد المشاكل البحثية، ومعظم أبحاثهم تنصب فيما تعلموه خلال دراستهم عن المشاكل العالمية العامة، وليست حول المشاكل المحلية أو الإقليمية، إذ تعتبر دراسات حالة فقط ولا ترقى للبحث العلمي المقبول، كما أن بعضهم غير قادر على تطوير آليات عملية لحل المشاكل.
وطالب الدكتور الوشاح بضرورة اعتماد الخبرة الصناعية للأساتذة، أسوة بالدول المتقدمة التي ترى بأن من يمتلك خبرة صناعية عملية أفضل ممن يمتلك خبرة نظرية فقط، إذ إن آلية حل المشاكل تختلف كثيرا عن البحوث النظرية المكتبية، اضافة الى التقصير بدعم البحث العلمي مالياً، ما يجعل أغلبها أبحاث دون المستوى التطبيقي الفعلي، مؤكداً ضرورة الاستثمار بالبحوث التجريبية.
من جانبه، يرى عميد البحث العلمي في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأستاذ الدكتور محمد الوديان، أن عدداً كبيراً من الباحثين الأردنيين خاصة في جامعة العلوم والتكنولوجيا يحصلون على دعم عالمي ودولي لمشاريعهم بملايين الدنانير، وينفذ بعضهم الآخر أعمالا استشارية متخصصة لدول أخرى وجهات متقدمة، على الرغم من التنافسية العالية لتسجيل براءات اختراع في تلك الدول كالولايات المتحدة الأميركية.
وأوضح، إن عددا كبيراً منهم أيضاً، يعملون كرؤساء تحرير أو أعضاء هيئات تحرير لمجلات عالمية بحثية مرموقة، إضافة لنشاطهم البحثي من حيث الكم والنوع، مشيرا إلى أن الإسهام بتطوير الصناعة وإن لم يكن بالمستوى المطلوب إلا أنه مميز.
وبين أن هناك قدرات وكفاءات بحثية وطنية في مختلف المجالات، يجب أن تدرس الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة، وتحديد مراحل التطوير الصناعي المطلوبة، والمجالات التي يمكن التميز بها، كالصناعات الدوائية والتعدين وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والزراعة والأجهزة الطبية، ودراسة إمكانية إدخال صناعات حديثة، وحصر كل تلك البيانات في قواعد بالتعاون مع الجامعات والمراكز البحثية وفق مؤشرات أداء واضحة.
وأشار إلى أن إيجاد آلية لربط البحث العلمي و الباحثين مع الصناعة تناسب الوضع في الأردن لا يتطلب اختراع العجلة من جديد، وإنما دراسة قصص النجاح في هذا المجال في دول مشابهة، مؤكدا ضرورة أن توفر هذه الآلية إطاراً تنظيمياً مرناً يؤسس لبيئة محفزة لانخراط الباحثين والصناعيين في مجهود تطوير الصناعات التي يقع عليها الاختيار، تضمن الحكم على هذه الآلية بالنتائج وذلك بضوء محاولات سابقة في هذا المجال لم تحقق مستويات النجاح المرجوة.
ولفت الدكتور الوديان إلى أن إيجاد حزم من الأنظمة والتعليمات تنظم العلاقة بين الطرفين يتطلب إدخال تعديلات قد تكون جوهرية في كثير من الأحيان على البنية التشريعية القائمة، ولضمان النجاح بهذا المجال لا بد من تقديم حزم من الحوافز تناسب كلاً من الطرفين تشمل حوافز مالية وضريبية ومعنوية وغيرها، ووضع خطة توعوية تثقيفية والتركيز على إبراز وتمييز البحث العلمي التطبيقي.
واقترح إنشاء صناديق استثمارية تسهم الدولة فيها بالنسبة الأكبر، وتهدف إلى تأسيس شركات معتمدة على الاقتصاد المعرفي بالتشارك ما بين الصناعيين والأكاديميين العلماء، لتطوير مختلف الصناعات الوطنية وابتكار ما هو جديد.
وقال عميد البحث العلمي في جامعة جدارا الدكتور علي مطر إن المرحلة المقبلة تتطلب التركيز على الأبحاث التطبيقية التي يمكن تنفيذها واستخدام مفهوم "تتجير الأبحاث" واستخدامها في الصناعة والتجارة والعمل وغيرها من المجالات، للحصول على منتجات نهائية تفيد المجتمع، مشيراً إلى أن الأردن يمتلك قدرات وخبرات كبيرة في مجال البحث العلمي عموماً.
ودعا الجهات المعنية إلى دعم الباحثين وتحويل أفكارهم لواقع فعلي، ولاسيما الأبحاث في مجالات الصيدلة والهندسة والتكنولوجيا الحديثة والريادة، مبينا ان الأبحاث العلمية التكنولوجية لها حاجة ماسة في الوقت الحالي، وخصوصا مع أزمة كورونا العالمية، التي وسّعت مدارك العالم أجمع، وأثبتت ضرورة وجود تطبيقات مختلفة تسهل القيام بإجراءات حياتية روتينية من المنزل دون الحاجة للخروج.