ما هي أزمة ربع العمر؟

الوقائع الإخبارية: خلافا لأزمة منتصف العمر، تعد أزمة ربع العمر أقل حدة، ولكنها صعبة لأن الشباب يعيشون معاناتهم بصمت. ووفقًا لبحث أجراه اختصاصي علم النفس أوليفر روبنسون الأستاذ بجامعة غرينتش، فإن 70% من البريطانيين الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و33 عامًا يمرون بهذه الأزمة.

وفي الولايات المتحدة، يعترف نحو نصف الشباب في هذا العمر بأنهم يعيشون هذه الأزمة، حسب استطلاع أجراه معهد هاريس بول.

وحسب مجلة هارفارد بيزنس ريفيو، تعد فترة أواخر العشرينيات أسوأ فترة في حياة الفرد، لكن ما الأسباب التي تفسر ذلك؟

يذكر مقال نشرته صحيفة "لوفيغارو الفرنسية" (lefigaro)، إن أشخاصا كثيرين يعتقدون أن هذه الفترة تعد المرحلة الأهم في عمر الإنسان، وهي الفترة التي ينفد صبر المراهقين لبلوغها، ويشعر الناضجون بالحنين إليها.

وفي المقابل، خلال هذه الفترة لا نحصل على كل الحب والدعم، ذلك أن الاضطرابات العاطفية التي تتسم بها تجعل الكثير من الأمور تبدو صعبة المنال بالنسبة للشباب، لا سيما ما يتعلق بالقدرة على التحاور والتفاوض مع الآخرين؛ لذلك يواجه العديد منهم أزمة وجودية حقيقية.

فترة انتقالية صعبة
ونقل المقال ما جاء في دراسة جديدة أوضحت أن نسبة الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و33 عامًا ويعانون من هذه الأزمة تضاعفت مقارنة بما كانت عليه لدى جيل آبائهم؛ ولذلك أضحى تفشي هذه الظاهرة واضحا تماما.

أزمة ربع العمر تجعل معظم الشباب عالقين بين مطرقة الإجهاد الشديد وسندان السعي لتحقيق الذات. فما الذي يجعلهم يواجهون صعوبات؟ حسب مُدّرسة علم الاجتماع في جامعة "فرايبورغ" كارولين هنشوز "تعد هذه الفترة انتقالية، كونهم يبدؤون بناء ذواتهم كبالغين بالاستقلالية والحصول على وظيفتهم الأولى".

وتضيف "يمكن أن تكون إدارة هذا الانتقال إلى مرحلة جديدة من الحياة أمرًا معقدًا، خاصة عندما يحبط الواقع توقعاتك. أحيانًا يكون من الضروري التفكير مليا للتمكن من إيجاد طريقك. وتعكس هذه الأزمة تأثير المحيط الذي يعيش فيه الشخص، حيث يجري الفرد تقييما نقديا لما حققه في الماضي وما ينتظره في المستقبل"، لكن يكتشف بعض الشباب أحيانا أنهم كانوا يتبعون خارطة الطريق التي وضعها لهم آباؤهم، وليست تلك التي تلبي تطلعاتهم.

طرق أكثر صعوبة
وخلال هذه الفترة من العمر يكون الشخص بصدد بلورة شخصيته وتحديد ما يريد القيام به والمضي قدما فيه، وهذا يعد مرهقا إلى حد ما عندما يكون عمرك 25 سنة.

ووفق الاختصاصي النفسي روبرت نيوبرجر فإنه "غالبًا ترتبط هذه الفترة بفقدان الهوية الناتج جزئيًّا عن اختفاء أو تراجع عدد أصدقائك بعد إنهاء دراستك".

ويضيف نيوبرجر أن "فقدان الانتماء أمر محبِط للغاية، لأنه يحدث في وقت يكون فيه الفرد قد غادر منزل والديه، ولكن سنه ما تزال صغيرة جدًّا لتكوين أسرة مستقرة وإنجاب أطفال. مع ذلك، يساعد الانتماء إلى مجموعة في بناء شخصيتنا؛ وبالتالي لا تكون إدارة هذا الوضع سهلة".

وربما كانت أزمة ربع العمر موجودة سابقا، ولكنها تحدث في عمر أبكر. وهذا ما يعتقده عالم النفس الشهير إريك إريكسون، الذي حدد في خمسينيات القرن الماضي حدوث هذه المرحلة الانتقالية المعقدة بين سن 12 و18 عاما.

ويقول أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة "لوزان" داريو سبيني "لم يمض وقت طويل منذ أن اعتبر الباحثون الانتقال من المراهقة إلى النضج مرحلة منفصلة بحد ذاتها".

ويؤكد سبيني أن "قبل 30 أو 40 عامًا، كانت علامات الاندماج الجيد في المجتمع قليلة وسهلة، وتشمل العثور على وظيفة وترك منزل العائلة وتكوين أسرة. أما في الوقت الراهن، لم تعد هذه المؤشرات واضحة تماما، ومن المحتمل أن تحدث لاحقًا أو ألا تحدث بتاتا، وتحل مسارات أخرى محلها".

توسعت الاحتمالات بالفعل مقارنة بالأجيال السابقة التي كان مسارها النموذجي مرسوما بوضوح"؛ فاليوم قد تتبع العديد من المسارات المهنية، وعليك الاختيار بينها. وتظهر دراسات علم النفس أن الاضطرار للاختيار بين 50 خيارًا أكثر إرهاقًا من الاختيار بين خيارين فقط، حسب هنشوز التي تؤكد أنه "في حال تعرضك للفشل أو مواجهة طريق مسدود، فستتحمل وحدك مسؤولية أخطائك".

تداعيات أزمة كورونا
ونظرا لاعتياد الشباب على التقدم والتطور في ظل أزمة 2008 الاقتصادية، فإنهم يدركون أنهم سيضطرون لمواجهة تداعيات أزمة كورونا في سوق العمل هذا العام.

وحسب سبيني فإن "من الصعب إثبات نفسك عندما تدرك أن المستقبل غامض؛ ففي ظل المشاكل الاقتصادية ومخاطر تغير المناخ وغياب رؤى سياسية واضحة وتفشي الأوبئة، من الواضح أن العالم بأسره يسير فوق صفيح ساخن. فالشباب على وعي بأنه حتى وإن قدموا أفضل ما لديهم، فلا يمكنهم الحصول على ما يستحقونه. والشعور بالعجز أمر مستجد لدى شباب اليوم".

ويقدر البروفيسور أوليفر روبنسون أن أزمة ربع العمر تكون في سن 26، ولا تعد كل جوانب الأزمة قاتمة. ويقول روبرت نيوبورجر "غالبًا نصدر أحكاما سلبية عن هذه الأزمة، إلا أنها مجرد حالة وسيطة بين ماضٍ لم يعد موجودًا ومستقبل لم يولد بعد؛ ولذلك قد تكون مفيدة لأنها تؤدي غالبا إلى تحقيقنا الأفضل".

ووفقًا لاستطلاعات أوليفر روبنسون، فقد كشف 80 شخصا أعمارهم بين 25 و33 عامًا ومروا بهذه المرحلة عن أنها تجربة إيجابية سمحت لهم بالتركيز على القيم العميقة والمثل العليا، وإيجاد تناسق أفضل بين ما يريدونه وما يتوقعه العالم منهم.

وخلص مقال الصحيفة الفرنسية للقول إن من المحتمل أن تمنحك أزمة العشرينيات حصانة ضد أزمة جديدة ستتعرض لها في منتصف العمر.