الطب الرقمي النسوي.. ثورة غير مسبوقة اعتمادا على علم البيانات والذكاء الاصطناعي

الوقائع الاخبارية: مثل عدد كبير من المهن في مختلف القطاعات، هيمن الرجال على قطاع الرعاية الصحية في العالم على مر العصور، ونتيجة لذلك قلّ التركيز على القضايا والمشاكل الصحية التي تعاني منها النساء في مختلف المجالات.

وحتى وقت قريب، لم يكن هناك مصطلح تقني خاص يمكن باستخدامه تمييز الاحتياجات الصحية الخاصة بالنساء عن تلك المتعلقة بالرجال، فقد كان الأطباء وموظفو الرعاية الصحية وشركات التكنولوجيا يتعاملون مع التهديدات الصحية التي يتعرض لها الجنسان باعتبارها شيئا واحدا مع فروق ضئيلة هنا وهناك.

واستمر الأمر على هذا الحال حتى عام 2016 حين اخترعت إيدا تن -المؤسس المشارك والرئيسة التنفيذية لتطبيق الصحة النسائية "كلو" (Clue)- مصطلح (FemTech)، وهو مصطلح ما زال غامضا للكثيرين في العالم، ولكنه يشير إلى التقنيات المصممة خصيصا لدعم صحة النساء باستخدام علوم البيانات والذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة لتصميم مجموعة من البرامج والتطبيقات المتخصصة بصحة المرأة، إذ يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون ذا تأثير جوهري على دعم وتحسين صحة النساء، في مجالات تشمل سرطان المبيض، والثدي، وعنق الرحم، ومعالجة العقم، ومتلازمة تكيس المبايض، وغيرها من الأمراض والمشاكل الصحية التي تصيب النساء على وجه الخصوص، وذلك كما ذكر تقرير نشر مؤخرا على منصة "هوسبيتال هيلث" (hospitalhealth).

أما في عالمنا العربي، فالمصطلح ما زال غريبا ولا توجد ترجمة رسمية له حتى اللحظة.

عدم المساواة يؤدي لمخاطر صحية كبيرة

وأظهرت دراسة علمية حديثة نشرتها "الجمعية الطبية البريطانية" (BMA)، وأجرتها الدكتورة جيسيكا ألن نائبة مدير معهد "يو سي إل" (UCL) للمساواة الصحية في المملكة المتحدة بالاشتراك مع الدكتورة فلافيا سيستي من المعهد الوطني الإيطالي للصحة، أن النساء يقضين وقتا أقل من حياتهن في صحة جيدة (خالية من الأمراض المزمنة أو الإعاقة) مقارنة مع الرجال، على الرغم من أن متوسط أعمارهن أعلى من متوسط أعمار الرجال.

ويؤدي عدم المساواة بين الجنسين إلى مخاطر صحية كبيرة، حيث يتم تعميم الأعراض المرضية بدون مراعاة الفروق بين الجنسين، وذلك وفقا للبيانات التي يتم جمعها والبرامج التي لم يتم تصميمها مع الأخذ في الاعتبار الاختلافات في هذه الأعراض بين الرجال والنساء. ولنأخذ -على سبيل المثال- النوبات القلبية، حيث تختلف الأعراض الأنثوية عن تلك التي تظهر على الرجال، وهو أمر اكتشفه الباحثون في العقد الماضي فقط. وهذا يعكس عدم المساواة بين الجنسين، وعندما يتعلق الأمر بالرعاية الصحية، فمن الواضح أن له تداعيات خطيرة تهدد الحياة.

شركات التكنولوجيا تغير المسار

لكن الخبر السار هو أن هذا التفاوت بين الجنسين في طريقه للاختفاء، وشركات التكنولوجيا هي التي تقود هذا التغيير الحاسم، حيث بدأنا نشهد خلال السنوات الأخيرة تحركا حثيثا نحو التخصص في الرعاية الصحية بما يتفق مع المكونات الفسيولوجية والسيكولوجية للجنسين، مدعوما بالتقدم الحاصل في الصحة الرقمية، على ضوء استخدام الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات لسد هذه الفجوة بين الجنسين، وتحسين الرعاية الصحية للنساء في جميع أنحاء العالم، كما ذكرت الدراسة.

ويبلغ حجم سوق "الصحة الرقمية النسوية" (FemTech) حاليا 940 مليون دولار، ومن المتوقع أن يصل إلى 3.4 مليارات دولار عام 2031 بنسبة نمو سنوي مركب تبلغ 15%، وذلك وفقا لتقرير نشره مؤخرا موقع "فيوتشر ماركت إنسايتس" (Future Market Insights).

حتى وقت قريب لم يوجد مصطلح تقني خاص يميز الاحتياجات الصحية الخاصة بالنساء عن تلك المتعلقة بالرجال (غيتي)

الصحة الرقمية النسوية في تقدم مستمر

لقد أتاح ظهور التكنولوجيا القابلة للارتداء، والذكاء الاصطناعي، وتقدم الطب الرقمي، وتطور أساليب الرعاية الصحية المنزلية فرصا غير مسبوقة في التاريخ لفهم وإدارة حالتنا الصحية عموما، والحالة الصحية للنساء على وجه الخصوص.

وحاليا، تقوم 5 ملايين امرأة في العالم كل يوم بتحميل أحد التطبيقات الصحية، حيث يدعم 90% من الأطباء ومختصي الرعاية الصحية استخدام هذه التطبيقات لمساعدة المريضات وتتبع حالاتهن بشكل دقيق، ويدخل في هذا الباب تطبيقات تتبع الدورة الشهرية لدى النساء، مثل تطبيق كلو آنف الذكر، بالإضافة إلى تطبيقات اختبارات الهرمونات المنزلية مثل تلك التي صممتها شركة "ثرايفا" (Thriva)، أو تطبيقات الخصوبة مثل "ناتشورال سايكلز" (Natural Cycles) وغيرها الكثير من التطبيقات التي تدعم صحة النساء. وقد وفرت هذه التطبيقات كميات ضخمة من البيانات، التي ستساعد العلماء والباحثين والأطباء على فهم أفضل للمشاكل الصحية التي تواجهها النساء على مستوى العالم، حسب الدراسة.

عهد جديد من الرعاية الصحية للنساء

وأثبتت مجموعات البيانات الضخمة التي جمعتها شركات الصحة الرقمية، وتمت مشاركتها مع الجامعات والمؤسسات البحثية المتخصصة، أنها في غاية الأهمية للعلماء من أجل فهم أفضل لصحة المرأة، وتطوير علاجات جديدة للأمراض التي قد تصيبها، بدءا من أنماط الدورة الشهرية، والتغيرات الهرمونية التي تصيب النساء في مختلف مراحل العمر، وصولا إلى وسائل منع الحمل، أو تطوير علاجات جديدة لسرطان الثدي وغيرها من الأمراض.

كما تعطي هذه البيانات أيضا فرصة فريدة لتطوير نموذج وقائي حقيقي للرعاية الصحية النسوية، حيث سيتمكن الأطباء من استخدام البيانات والذكاء الاصطناعي لتحديد النساء الأكثر عرضة للإصابة بالأمراض قبل أن تحدث، وهو ما يعني عهدا جديدا يتحول فيه تركيز الرعاية الصحية من علاج الأمراض إلى الوقاية منها قبل وقوعها، كما سيتم التخلص من كثير من المشاكل والإعاقات التي طالما عانت منها النساء في السابق.

ولنأخذ مجال التلقيح الاصطناعي -على سبيل المثال- لفهم التطور التكنولوجي الكبير الحاصل، حيث طورت شركة "بريساجين" (Presagen) -التي تتخذ من مدينة أديلاند الأميركية مقرا لها- تقنية جديدة أطلقت عليها اسم "لايف ويسبر" (Life Whisperer) اعتمادا على تعلم الآلة والذكاء الاصطناعي الذي يقوم بتحليل صور آلاف الأجنة المجهرية، واختيار أكثرها صحة وقوة لتحسين نتائج الحمل للنساء اللواتي يعانين العقم. وقد كانت النتائج مبهرة في جميع الحالات التي تم استعمال هذه التقنية فيها.

سيتمكن الأطباء من استخدام البيانات والذكاء الاصطناعي لتحديد النساء الأكثر عرضة للإصابة بالأمراض قبل أن تحدث (غيتي)

البيانات الفريدة تتيح معالجة متخصصة

وأشارت الدراسة التي نشرتها الجمعية الطبية البريطانية إلى أن الابتكارات التكنولوجية مع تطور وسائل الطب الشخصي، ستمكن العلماء من اكتشاف علاجات مفصلة حسب الحالة الصحية لكل فرد في المستقبل القريب، وهو ما سيؤدي إلى تحسن كبير في صحة المرضى والعناية بهم بشكل عام.

وحاليا، تقوم شركة جديدة هي الأولى من نوعها في العالم تدعى "ستارت أب تيون" (Start-up Tuune) بتطوير حبوب منع حمل شخصية حسب حالة كل امرأة، حيث تجمع بياناتها من استبيان خاص عبر الإنترنت بالإضافة إلى إجراء فحوصات للحامض النووي الرايبوزي (DNA) والهرمونات للتنبؤ بأفضل نوع من حبوب منع الحمل لكل امرأة.

ويمكن لهذا المستوى العالي من التخصص والرعاية المصممة خصيصا لكل فرد أن يكون نقطة تحول مفصلية في نظام الرعاية الصحية العالمي، عموما والصحة النسوية على وجه الخصوص.