غموض يحيط بحالة تسمم تصيب مئات العراقيين

الوقائع الاخبارية: لا يزال الغموض يحيط بحالة تسمم غريبة أصابت مئات الأشخاص في مدينة العمارة، جنوبي العراق، إذ تأخرت السلطات في فك خيوطها، وأكدت وزارة الداخلية أن نتائج الاختبارات التي تجريها وزارة الصحة قد تأخذ وقتا طويلا.

ولم يستعبد مراقبون وجود دوافع "سياسية" وراء الحادث ترتبط بالتحركات الرامية لتشكيل الحكومة، كما جرى في حوادث سابقة مماثلة وقعت في مدن جنوب العراق.

بلغ عدد المصابين بحالات التسمم، حتى كتابة هذا التقرير، نحو 568 شخصا، مع حالة وفاة واحدة. وقالت دائرة الصحة المحلية في ميسان إن المصابين عانوا من "تسمم غذائي". وبينت الدائرة أن شخصا واحدا وصل متوفيا إلى المستشفى، وتم تحويل الجثة إلى دائرة الطب العدلي في بغداد بقرار قضائي، بانتظار النتائج النهائية لسبب الوفاة".

تدور الشبهات حول مطعم للأكلات الشعبية (الفلافل) في ميسان، يُعتقد أن بعض الأشخاص الذين تعرضوا للتسمم أكلوا فيه، وفقا للسلطات الصحية.

وأكدت دائرة صحة ميسان أنها "أخذت عينات من الأطعمة والمشروبات لغرض فحصها مختبريا وإغلاق المطعم احترازيا".

واعتقلت السلطات مالك المطعم وستة أشخاص آخرين "على خلفية حالة تسمم غذائي لعشرات المواطنين ووفاة أحدهم"، وفقا لبيان صادر عن مجلس القضاء الأعلى.

نتائج التحقيقات

ويؤكد مدير قسم محاربة الشائعات في وزارة الداخلية، العميد نبراس محمد علي، أن هذا "الإجراء احترازي، وفي حال وجود تقارير صحية رسمية تثبت تقصير مالك المطعم فسيحال للقضاء".

ويضيف محمد علي في حديث نقلته قناة "الحرة" أنه "ولحد الآن لم تظهر نتائج التحليلات المختبرية"، مشيرا إلى أن "الداخلية تنتظر النتائج وهي تنسق مع وزارة الصحة كي يتم اتخاذ القرار الصحيح".

ويعزو محمد علي سبب تأخر إعلان نتائج التحقيقات لرغبة السلطات في "التأكد بشكل دقيق من السبب الحقيقي للحادث"، مبينا أن "التحليلات تحتاج وقتا، ويجب أن نستند على الأدلة الدامغة من أجل معالجة القضية".

لم ينتظر عدد من أهالي الضحايا كثيرا، إذ تداول مغردون ووسائل إعلام محلية مقطع فيديو وصورا لواجهة المطعم وقد دمرها ذوو الضحايا الغاضبون.

وتعليقا على هذه الحادثة، قال العميد نبراس محمد علي إن السلطات ستتخذ إجراء قانونيا "ضد الذين اعتدوا على المطعم"، ودعا المواطنين إلى "تغليب الثقافة القانونية واللجوء للقانون وعدم الاعتماد على سياسة الفعل ورد الفعل".

المتحدث باسم وزارة الصحة العراقية، سيف نبيل، رفض التعليق بشأن موعد إعلان النتائج النهائية للتحقيقات، وأحالنا إلى مؤتمر صحفي عقده محافظ ميسان علي دواي يوم الأربعاء، تحدث فيه عن تفاصيل ما جرى.

قال دواي إن إفادات بعض المصابين بالتسمم، أشارت إلى أنهم تناولوا وجبات طعام من المطعم محل الشبهة، مضيفا أن المعلومات المتوفرة تؤكد أن سبب الحادث هو تسمم غذائي.

وأثارت الحادثة تساؤلات وشكوكا على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن مدى قدرة مطعم واحد على إصابة هذا العدد الكبير من المواطنين بالتسمم.

وكتب النائب في البرلمان العراقي المنحل، فائق الشيخ علي، في تغريدة على تويتر إن كل شيء بالعراق مسمم! الهواء، الماء، الغذاء، التربة، المجاري، التعليم، الصحة، العلاقات الاجتماعية، التعامل المالي، الوزارات ومؤسسات الدولة كلها مسممة".

وأضاف "شيء واحد بالعراق غير مسمم ولا يمضُّ فيه السم.. هو الإنسان العراقي! معقولة لفة فلافل تسممه؟!".

وكتب آخرون تعليقات ساخرة نتيجة للعدد الكبير من الأشخاص الذين يُعتقد أنهم تسمموا جراء أكل "الفلافل".

وكتب أحدهم "فلافل لو فصائل" تفتك بالناس.

"دوافع سياسية"

وشكك المحلل السياسي، إحسان الشمري، بالرواية الحكومية، وقال إن ما يجري يذكرنا بحوادث مماثلة وقعت بالتزامن مع تشكيل الحكومة السابقة.

وقال الشمري في حديث نقلته قناة "الحرة" إن "عملية تسميم كبرى وقعت في البصرة في أغسطس، وسبتمبر من عام 2018 وقبل تشكيل الحكومة، والآن تحصل هذه قبل تشكيل الحكومة أيضا".

ويضيف الشمري أن "من غير المستعبد أن تكون هناك أطراف سياسية تحاول التصعيد واختيار محافظات معينة تعاني من سوء الخدمات لتأليب الرأي العام".

وشهدت مدينة البصرة، مطلع سبتمبر 2018، تظاهرات وأعمال عنف سقط خلالها 12 قتيلا، وأدت الى إحراق مؤسسات حكومية في هذه المدينة التي يسكنها ثلاثة ملايين نسمة. 

وخرجت تلك التظاهرات، إثر أزمة بعد حصول أكثر من مئة ألف حالة تسمم جراء شرب مياه ملوثة ومالحة.

ووقعت تلك الأحداث فيما كانت القوى السياسية منشغلة بمفاوضات تشكيل حكومة عادل عبد المهدي، التي خلفت حكومة رئيس الوزراء الأسبق حيد العبادي.

وتجري القوى السياسية العراقية حاليا تحركات لتشكيل حكومة جديدة بعد نحو ثلاثة أسابيع من إجراء الانتخابات المبكرة التي انتهت بفوز زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بعد حصوله على أكثر من 70 مقعدا في البرلمان.

وأظهرت النتائج الأولية التي أعلنتها مفوضية الانتخابات العراقية تراجعا لكتل سياسية تمثل أطرافا موالية لإيران، ومنها كتلة الفتح بزعامة رئيس منظمة بدر هادي العامري.

وبعدما كان القوة الثانية في البرلمان السابق مع 48 مقعدا، حاز تحالف الفتح الممثل للحشد الشعبي والحليف القوي لطهران، على نحو 15 مقعدا في الانتخابات.

وندد قياديون في التحالف بـ"تزوير" في العملية الانتخابية، وتوعدوا بالطعن بها، فيما يتوقع أن تنشر النتائج النهائية خلال الأسابيع المقبلة بعد انتهاء المفوضية العليا للانتخابات من النظر بالطعون المقدمة. 

وينظم معترضون على النتائج منذ نحو أسبوعين اعتصاما على أحد مداخل المنطقة الخضراء، مطالبين بإعادة فرز صناديق الاقتراع من جديد.