قراءة إسرائيلية في زيارة وزير الخارجية الاماراتي إلى دمشق
الوقائع الاخبارية: نشرت صحيفة "هآرتس" العبرية تقريراً للكاتب تسفي برئيل يتحدث فيه عن زيارة وزير الخارجية الاماراتي عبدالله بن زايد إلى دمشق:
في الامارات العربية المتحدة، يقول المعنيون إن عودة سوريا إلى حضن العالم العربي سيساعد في ابعاد ايران عنها. وفي غياب سياسة اميركية واضحة في المنطقة تحرك القادة العرب دون أخذ واشنطن في الحسبان. وبالنسبة لتل أبيب لا يتوقع المسؤولون هناك ان تغير العلاقة الجديدة بين الامارات والاسد نشاط اسرائيل العسكري في سوريا، لان ذلك مرتبط بموافقة روسية.
"نحن نراجع بقلق التقارير عن زيارة وزير الخارجية الإماراتي لسوريا والرسالة التي يحملها. كما قلنا في السابق، هذه الادارة لن تظهر أي دعم للجهود من اجل تطبيع أو اعادة تأهيل بشار الاسد، الديكتاتور المتوحش"، هكذا لخص المتحدث بلسان وزارة الخارجية الاميركية، نيد برايس، موقف واشنطن من الاسد على خلفية خطوات التطبيع التي يرعاها عدد من الدول العربية مع سوريا.
مع ذلك لم تتفاجأ واشنطن من الزيارة الرسمية التي قام بها عبد الله بن زايد، وزير الخارجية الامارات.
وبحسب مصادر دبلوماسية غربية، اطلع بن زايد الادارة الاميركية، قبل لقائه الاسد في دمشق، على المستجدات ورفض محاولات واشنطن لاقناعه بالعدول عن الخطوة، واصر على أن اعادة سوريا الى الحضن العربي سيساهم بابعاد سوريا عن ايران.
بن زايد ليس الزعيم العربي الوحيد الذي يسعى لعودة العلاقات مع الاسد، بعد عشر سنوات من ادانته بشدة وانضمامه الى التحالف الدولي الذي طالب بازاحته عن الحكم.
الجارة البحرين ايضا اعادت فتح سفارتها في دمشق، ووزير خارجية الجزائر رمطان لعمامرة، الذي ستستضيف بلاده قمة الجامعة العربية في شهر آذار (مارس) 2022، أعلن هذا الاسبوع أنه يبذل الجهود لاقناع الجامعة بإعادة سوريا الى احضانها بعد طردها منها عام 2011.
وتلقي الملك عبدالله الثاني الشهر الماضي مكالمة هاتفية مباشرة من الاسد، تباحثا خلالها في التعاون الاقتصادي المحتمل بين الدولتين.
ووزير الخارجية المصري، سامح شكري، الذي زار في هذا الاسبوع واشنطن في اطار الحوار الاستراتيجي الذي تجريه مصر مع اميركا، قال في خطاب القاه في معهد ولسون بأن سوريا تستطيع العودة الى حضن الجامعة العربية والقيام بدورها التقليدي في العالم العربي "اذا اظهرت استعدادها لتأييد الامن القومي العربي واثبتت أنه يمكنها أن تعالج نتائج النزاع الذي استمر لعشر سنوات، بما في ذلك معالجة الجوانب الانسانية ومشكلة اللاجئين السوريين".
هذه الشروط الضبابية التي وضعها العرب والتي لا توضح ما هو المطلوب من سوريا لعودتها، هي فقط تشير الى أن عليها أن تكون جزءا من العالم العربي، وان تبتعد عن ايران.
وربما هناك قلق في الولايات المتحدة، التي ستجد صعوبة في الوقوف امام هذا الاندفاع، خاصة بعدما سمحت لمصر والاردن بتوقيع اتفاق لتزويد لبنان بالغاز والكهرباء عبر سوريا، وهي خطوة تهدف إلى انقاذ لبنان، وفي نفس الوقت منع دخول المساعدات الاقتصادية الايرانية الى هذه الدولة.
للوهلة الاولى، هذا الاتفاق يخالف قانون العقوبات الذي فرض على سوريا وتم بموجبه حظر ابرام صفقات من أي نوع مع نظام الاسد، وفي مقابل هذه الخطوة ستحصل سوريا على نسبة من كمية الغاز والكهرباء التي ستمر عبر اراضيها الى لبنان.
وتواجه الولايات المتحدة مشكلة أكثر تعقيداً من اتفاق الغاز والكهرباء هذا، إذ انها لا تملك سياسة واضحة حيال سوريا، وهي غير حاضرة في مباحثات صياغة الدستور السوري التي تقودها روسيا، وليس لمبادرة روسيا أي بديل اميركي أو اوروبي.
واشنطن منشغلة في هذه الأثناء بالتصدي لطموح تركيا بالسيطرة على المزيد من الاراضي في شمال سوريا بهدف اقصاء المتمردين الاكراد الذين يحظون بالدعم الاميركي، إلا أن هذا الدعم هو أيضا محدود ولا يطرح أي حل للاكراد أو لسوريا.
إن النجاح الرئيسي لبايدن حتى الآن سُجل عندما اقنع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بابقاء معبر حدودي واحد مفتوح مقابل ستة معابر كانت تعمل في السابق، ويمكن للاكراد تلقي المساعدة عبره.
ولكن يبدو أن بوتين يضع عوائق امام تركيا، إذ اوضح للرئيس التركي رجب طيب اردوغان، خلال لقاء بينهما في سوتشي بأنه لن يسمح له بتوسيع سيطرته في سوريا.
رسالة مشابهة نقلها بايدن لأردوغان في لقاء جمعهما على هامش قمة العشرين الذي عقد الاسبوع الماضي في روما.
وفي مقابلة مع مجلة "مونيتور" قال قائد القوات الكردية في سوريا مظلوم كوباني، إن الولايات المتحدة تعهدت للاكراد أنها لن تسمح لتركيا بالسيطرة على اراض أخرى، كما حصلوا على تعهد مشابه من روسيا.
وفي هذه المقابلة، أوضح كوباني أنه "لا يهمنا اذا كان الاسد سيبقى أو سيذهب، المهم بالنسبة لنا هو حل لاقليمنا ولسوريا بشكل عام... اذا تم تحقيق هذا الحل بواسطة الاسد فليكن، نحن على استعداد للجلوس مع كل من يمكنه تقديم حل".
وبلغة دبلوماسية غير لطيفة اوضح كوباني أنه "ليس للولايات المتحدة خطة عمل شاملة في ما يتعلق بسوريا، على الاقل لم يطلعوا احداً على أي خطة، توجد سياسة ارتجالية، وفي هذه الاثناء تتلخص بالحرب ضد داعش".
أقوال كوباني تعكس بشكل جيد ايضاً اقتناعاً لدى الدول العربية، بان عشر سنوات من الحرب واكثر من نصف مليون قتيل ومليوني لاجئ، لم تنجح في إضعاف نظام الاسد، وفي المقابل، اتسعت دائرة النفوذ الايرانية.
اذا كانت ايران قبل الحرب في سوريا مجرد دولة لها علاقات سليمة مع سوريا، وتعتمد على الخدمات اللوجستية وخدمات المواصلات من اجل تسليح "حزب الله"، فانها في اعقاب الحرب تحولت الى الشريكة الاستراتيجية لسوريا التي استبدلت التحالف مع الدول العربية.
روسيا صارت عنصراً حاكماً في الدولة، وعرفت في فترة حكم حافظ الاسد وفي سنوات الولاية الاولى لابنه بشار كيف تناور بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي سابقاً، وبعد ذلك.
في كل سنوات الحرب الاهلية في سوريا كانت الولايات المتحدة هي الحاضر – الغائب، فقد امتنعت عن مهاجمة سوريا عندما استخدمت دمشق السلاح الكيميائي ضد مواطنيها، ولم تحرك ساكنا لابعاد الاسد عن الحكم، ولم تنجح في منع تركيا من احتلال اراض سورية، وأساس جهودها كرسته للحرب ضد "داعش".
خوف الرئيس الاميركي السابق باراك اوباما، من مواجهة الاسد نبع من رغبته في توقيع اتفاق نووي مع ايران. ولكنه لم يتخذ بعد ذلك اي خطوات ضد الاسد وأخلى الساحة امام روسيا وتركيا.
ترك أوباما هذه السياسة لدونالد ترامب، الذي بدوره أورثها لبايدن. وبعد ذلك جاء الانسحاب الاميركي الفوضوي من افغانستان، اضافة إلى اتفاق سحب القوات الاميركية من العراق والضغط على السعودية للتوصل الى انهاء الحرب في اليمن، كل ذلك دفع الدول العربية الى اعادة تقييم سياستها في المنطقة.
وأول من تمكن من قراءة هذه الخطوط العريضة للخارطة السياسية الجديدة هو ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعهلى للقوات المسلحة الشيخ محمد بن زايد، الذي سبق لصحيفة "النيويورك تايمز" أن اعتبرته "الرجل الاقوى في الشرق الاوسط".
بن زايد كان أول من فهم أن الحرب في اليمن من شأنها أن تعرض للخطر مكانته ومكانة دولته امام الولايات المتحدة وفي كل العالم.
في نفس الوقت، وقع مع ايران اتفاقات للتعاون الامني ضمنت امن الملاحة في الخليج العربي وابعدت الهجمات الحوثية عن بلاده.
على ضوء ذلك يمكن اعتبار خطوة بن زايد حيال سوريا "فرصة تجارية"، وستؤكد انه رجل الدولة الاكثر اهمية والاكثر تأثيراً في الشرق الاوسط.
هذه الخطوة تقلق واشنطن لأنها تمنح روسيا نقاطاً لصالح جهودها في اعادة الاسد الى الحضن العربي.
ويبدو أن الادارة الاميركية لا توافق على تبرير بن زايد بالربط بين عودة الاسد الى الحضن العربي وبين انفصاله عن طهران.
لن يطلب بن زايد ولا زعماء عرب آخرون من الاسد الانفصال عن ايران، ولا توجد للاسد أي مصلحة في الانفصال عن ايران، لأنه الى جانب المساعدة الاقتصادية والعسكرية التي يحصل عليها منها، فانه يستطيع أن يستخدم التحالف معها كوسيلة ضغط سواء في الشرق الاوسط أو على الغرب.
من جهة اسرائيل، لا تعد سوريا منذ فترة طويلة مصدر تهديد لأمنها، وبالنسبة لتل ابيب فان استمرار حكم الاسد والشرعية العربية التي سيحصل عليها يشكلان مصادقة لها على الصعيد التكتيكي، ولروسيا على الصعيد الاستراتيجي، لمواصلة سياستهما.