كل ما تريد معرفته عن التضخم الاقتصادي

الوقائع الاخبارية: بينما يحاول العالم الخروج من تداعيات جائحة كورونا، فرض التضخم المالي نفسه على واحدة من أكبر اقتصادات العالم، حيث تشهد الولايات المتحدة ارتفاعا هائلا في الأسعار، مما أعاد الأسواق الدولية إلى دائرة القلق من ركود إجباري، وآفات اقتصادية أخرى، بحسب محللين. 

وشهد معدل التضخم في الولايات المتحدة قفزة كبيرة خلال شهر أكتوبر الماضي بلغت 6.2 في المائة على أساس سنوي، وهو أعلى مستوى في 31 عاما. فما أسباب هذه الظاهرة وتداعياتها على باقي دول العالم؟ 

يجيب المحلل الأستاذ المحاضر بالجامعة الأميركية في واشنطن، الدكتور غريغوري أفتانديليان، في حديث نقلته قناة "الحرة" قائلا: "هناك عدة أسباب، ولكن الأهم بينها هو "سلاسل الإمداد".

وأوضح أفتانديليان أن "بعد التخفيف من قيود كورونا، وعودة الشركات والأفراد إلى الأسواق، ارتفع الطلب بشكل لم يستطع العرض تلبيته بسبب مشكلة حقيقة في الإمداد القائم على حركة السفن والشاحنات في مختلف دول العالم".

وأضاف: "الموردون عاجزون عن مواكبة ارتفاع الطلب، بسبب ارتفاع أسعار النفط العالمية بشكل قياسي، وفي ظل زيادة الطلب على العرض، ترتفع الأسعار بشكل حتمي، وهذا ما يعرف اقتصاديا بالتضخم".

وكانت أسعار النفط شهدت ارتفاعا قياسيا قبل أن تبدأ في الانخفاض الأسبوع الجاري، حيث أكدت نائبة الرئيس الأميركي، كامالا هاريس، الجمعة الماضي، تعامل الولايات المتحدة، مع ارتفاع أسعار النفط بجدية بعد أن أثر صعود الخام، على أسعار السلع الأساسية.

وطلب الرئيس جو بايدن، الأربعاء، من هيئة المنافسة الأميركية أن تنظر "فورًا" في السلوك "غير القانوني المحتمل" لشركات النفط التي ترفع أسعار الوقود في المحطات فيما "تنخفض التكاليف التي تتكبدها".

ودعا البيت الأبيض رئيسة لجنة التجارة الفدرالية لينا خان إلى "التنبّه إلى مؤشرات تزداد وضوحا إلى سلوك يضرّ المستهلك من قبل شركات النفط الغاز"، بحسب ما أوردت فرانس برس.

كما خفضت منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك"، الأسبوع الماضي، توقعاتها للطلب العالمي على النفط للربع الرابع بمقدار 330 ألف برميل يوميا من تقديراتها الشهر الماضي، بينما تعرقل أسعار الطاقة المرتفعة التعافي الاقتصادي من جائحة كوفيد-19 .

وأشار أفتانديليان إلى أنه بالإضافة إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية، "هناك سبب آخر أدى إلى عرقلة التوريد هو أن الموردين يواجهون نقصا في العمال وسائقي الشاحنات منذ بداية الجائحة، مما أدى إلى عدم القدرة على تلبية حاجة الأسواق، بعد إعادة فتح الاقتصادات".

وبالإضافة إلى أزمة الإمداد، "تعاني الحكومة الأميركية من أن النفقات تفوق الإيرادات، بسبب حزمة التحفيز الاقتصادي التي تكبدتها لمواجهة تفشي الجائحة"، بحسب أفتانديليان.

وفي مارس الماضي، أقر بايدن، خطة التحفيز الاقتصادي الجديدة لمجابهة تداعيات جائحة كورونا، موضحا أن خطة الإنقاذ التريليونية الجديدة ستساعد الطبقة الوسطى.

ومما تشمله الخطة توفير مساعدات نقدية مباشرة لشريحة واسعة من الأميركيين في حدود 1400 دولار، وكذلك إعانات بطالة أسبوعية في حدود 300 دولار حتى السادس من سبتمبر المقبل.

كما تم تمديد الإعفاء الضريبي للشركات لمدة عام إضافي، وذلك حتى عام 2026.

لا تتوقع مجلة إيكونوميست أن يعود الاقتصاد الأميركي والعالمي، في 2022، إلى طبيعيته، وأن يكون كما كان عليه من قبل، بسبب ظهور مشكلات جديدة تختلف هذه المرة عن المشكلات التي كانت الماضي

وعما ستؤول إليه الأمور، يعرب أفتانديليان عن أمله في أن "تنخفض معدلات التضخم في النصف الثاني من عام ٢٠٢٢ إذا حصل تطورا في سلسلة الموارد"، مؤكدا أن "التضخم سيبقى مرتفعا حتى هذه الفترة".

وحول طرق معالجة هذه الظاهرة الاقتصادية في الولايات المتحدة، يقول الخبير الاقتصادي الأميركي، شريف فهمي، أن "الحل يتمثل بصيانة البنية التحتية الاقتصادية في البلاد".

وأشاد الشريف "بأداء إدارة بايدن التي قدمت مقترحات مالية لمجلس الشيوخ تمت الموافقة عليها، وأبرز ما تضمنتها  العمل على إعادة بناء الطرق لأن الولايات المتحدة تعتمد على الشاحنات في الإمداد والتوريد".

ورأى الشريف أنه لا بد من "العمل أيضا على تعزيز الاعتماد على العالم الذكي وتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، لضمان الوصول إلى الحركة الاقتصادية ذات تكلفة منخفضة لا تتأثر بالظروف الخارجية".

انعكاس التضخم على باقي الدول 

وعن انعكاس التضخم في الولايات المتحدة على باقي الدول، يقول أفتانديليان أن "الأمر ليس انعكاسا بل مماثلا"، موضحا أن "التضخم سيضرب مختلف الدول باعتبار أن مشكلة الإمداد وارتفاع أسعار المواد الأولية والنفط هي نفسها عند الجميع".

بينما يقول الشريف إن "السوق العالمي مرتبط بالدولار الأميركي، وعلى سبيل المثال فإن الدرهم الإماراتي مرتبط بالدولار، مما يعني إذا كانت قيمة الدولار عالية، فسيكون الاقتصاد العالمي بخير، وبالأخص لدى الدول المنتجة للنفط وأبرزها دول الخليج".

وهنا، يعتقد المحلل الاقتصادي السعودي، ياسين الجفري، أن "دول الخليج تتأثر بالتضخم بشكل واضح ومباشر، باعتبارها مستوردة أكثر مما هي مصدرة".

وأضاف أن "التضخم الأميركي سيصبح جائحة عالمية، حيث سيؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة، كما سيؤثر على سعر الصرف". 

وفي حين أن ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية يؤثر على البلدان في جميع أنحاء العالم في فترة النقاهة من آثار من وباء كوفيد-19، يقول خبراء الاقتصاد إن التضخم الذي يضرب تركيا تفاقم بسبب سوء الإدارة الاقتصادية والمخاوف بشأن الاحتياطيات المالية للبلاد ودفع الرئيس رجب طيب أردوغان لخفض أسعار الفائدة.

بدوره، يؤكد الخبير الاقتصادي التونسي المقيم في فرنسا، عز الدين سعيدان، أن "الاتحاد الأوروبي متأثر بتداعيات جائحة كورونا، فهناك ارتفاع كبير في الأسعار، مما يشير إلى أن معدلات التضخم إلى ارتفاع كبير"، بحسب قناة الحرة.

واعتبر سعيدان أنه "إذا استمرت الأمور على هذا الشكل، أي بقي العرض عاجزا عن تلبية الطلب، فقد يحدث انفجار لا يمكن توقع تداعياته". 

وفي السياق نفسه، يشدد المحلل الاقتصادي الأردني، حسام عايش، على أن تبيان الانعكاس على باقي الدول يتطلب تفنيد الإجراءات الحكومية لمواجهة الجائحة العالمية.

وقال عياش إن "الحكومات الكبرى تكبدت الكثير من المصاريف، وأنفقت الكثير من الإيرادات لكي تستطيع تقديم الحزم المالية التحفيزية للأفراد والشركات، وأبرزها دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة".

وأضاف أن " الولايات المتحدة والدول الأوروبية لم تدرس أثناء تقديمها هذه الحزم إذا كان هناك حاجة مستمرة لإبقائها من عدمها، مما أدى لزيادة المدخرات أو النفقات غير المصروفة لدى الأسر والشركات، الأمر الذي أدى الى هذه الموجة من زيادة الطلب".

وتابع: "لسوء الحظ، ترافقت زيادة الطلب مع عدم قدرة العرض على سد الحاجة بسبب مشكلة سلاسل التوريد العالمية التي تعثرت أو ارتفعت تكلفتها بسبب زيادة أسعار الطاقة والمواد الخام، فضلا عن عودة تفشي فيروس كورونا في بعض الدول، وأبرزها الصين ودول جنوب شرق آسيا".

واعتبر عياش أن "المشكلة الحالية تتمثل بكيفية تعاطي البنوك المركزية العالمية مع التضخم، حيث أن الولايات المتحدة، وغيرها من دول مجموعة العشرين، كانت ترتقي  إلى إعادة رفع أسعار الفائدة تدريجيا، ولكنها ستضطر حاليا لوقف تقديم الحزم التحفيزية أو المساعدة".

وتوقع أن "تضطر الحكومات إلى مراجعة أسعار الفائدة بغير الأوقات التي كانت ترغب بها، وهذا قد يؤثر في النتيجة النهائية على مجتمع الأعمال وعلى النمو الاقتصادي".

يذكر أن بيان بنك الاحتياطي الفيدرالي، نقل عن نائب رئيسه ريتشارد كلاريدا، قوله إنه بينما يظل البنك المركزي الأميركي "بعيدا عن التفكير في رفع أسعار الفائدة" فإنه إذا ثبتت صحة توقعاته الحالية للاقتصاد، فإن "الشروط الضرورية لرفع النطاق المستهدف لسعر الفائدة الفيدرالية سوف تكون مستوفاة بحلول نهاية عام 2022".

وقال كلاريدا إن التضخم، حتى الآن، يمثل بالفعل "أكثر بكثير من مجرد تجاوز معتدل" لهدف التضخم على المدى الطويل، مضيفا "لن اعتبر تكرار الأداء العام المقبل نجاحًا في السياسة".

وعن انعكاس كل ذلك على اقتصادات الدول، يقول الشريف: "اتجاه الولايات المتحدة وحتى الدول العربية والأوروبية إلى رفع أسعار الفائدة سيؤدي إلى أن تتحمل الشركات والمؤسسات كلفة إضافية، قد لا تكون أوضاعها بعد كورونا قادرة على تحملها".

وأعرب الشريف عن أسفه بشأن أن تؤدي ارتفاع معدلات الفائدة إلى "إفلاس عشرات ومئات آلاف الشركات حول العالم، فضلا عن اضطرار الحكومات إلى رفع أجور العمال".

وأضاف: "الكثير من الدول العربية والنامية قد لا تسمح ظروفها بتحمل هذه الإجراءات التي لا مفر منها، مما قد يؤدي إلي زيادة معدلات البطالة والفقر".

وختم قائلا: "التضخم سيصبح موضوع الساعة في العالم، وسيشكل حالة من الرعب التي ستضرب الدول والحكومات والأسواق المركزية العالمية، والشركات والمؤسسات ، وحتى الأسر والأفراد من خلال ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأساسية".