بعد إيقافها 3 مفاعلات نووية.. هل تتجه الحكومة الألمانية لإيقاف مشروع نورد ستريم 2؟

الوقائع الاخبارية : في آخر يوم من عام 2021 المنصرم، أغلقت ألمانيا 3 من أصل 6 مفاعلات نووية تمتلكها، وإن جاء هذا الإجراء منسجما مع توجهات حزب الخضر، أحد أحزاب الائتلاف الحاكم الجديد، إلا أن إغلاق تلك المفاعلات كان ضمن تعهدات حكومة ميركل عام 2011. ورغم أن المفاعلات النووية تمد ألمانيا بنحو 11% من حاجتها من الكهرباء، فإن توجه الحكومة الألمانية الحالية نحو الطاقة النظيفة دفعها للبحث عن مصادر صديقة للبيئة.

لم تكن المفاوضات لتشكيل الحكومة الألمانية سهلة لجميع الأحزاب المشاركة فيها -في الائتلاف المعروف بـ"تحالف إشارة المرور"- ففي مقدمة القضايا الخلافية، برزت سياسة الطاقة والانتقال إلى طاقة بديلة نظيفة خالية من الانبعاثات الكربونية، وما يترتب عليه من عواقب "اقتصادية واجتماعية وسياسية" تمس المجتمع الألماني بجميع أطيافه.

في ورقتهم النهائية التي ضمت 12 صفحة مخصصة لسياسة الطاقة المستقبلية، اتفقت أطراف الائتلاف على ضرورة التوسع الطموح في مشاريع الطاقات المتجددة وحماية المناخ، وبرز فيها حزب الخضر الذي يقود حاليا 6 وزارات في الائتلاف الحكومي، منها الخارجية والاقتصاد وحماية المناخ والبيئة وحماية الطبيعة والسلامة النووية، حيث تمكن الخضر في المفاوضات من فرض أجندتهم، وسياساتهم الطموحة التي تعطي الأولوية القصوى لحماية المناخ والوصول الحثيث لطاقة بديلة نظيفة تغطي حاجه ألمانيا من الطاقة بشكل كامل مستقبلا.

الاتفاق كشف عن تعهد الأحزاب الحاكمة بتطوير قانون حماية المناخ، اعتبارا من عام 2022، وتبني مشروع حماية المناخ الفوري الذي دعا إليه حزب الخضر في الحملة الانتخابية الفدرالية، كما استطاع الخضر فرض تخفيض الرسوم الإضافية "بقانون الطاقة المتجددة" (Erneuerbare-Energien-Gesetz) التي تستخدم لتمويل التوسع في مشاريع الطاقات المتجددة، مما يسرع بشكل آلي العمل في هذه المشاريع، كما أنه سيتم تمويل هذه المشاريع بشكل متزايد من خلال الميزانية الفدرالية ابتداء من العام 2022.

نهاية الاعتماد على الفحم الحجري
تسعى الحكومة الحالية إلى الانتهاء من الاعتماد على الفحم الحجري في توليد الطاقة بحلول عام 2030، ورغم أن الاتفاق جاء من خلال الأحزاب الثلاثة، فإن هذا المشروع الطموح والحذر -في آن واحد- يستوجب عملا دؤوبا للوصول إلى ذلك، لا سيما أن مصادر الطاقة من الفحم الحجري والبني والطاقة النووية كانت تشكل 43% حتى عام 2019، العام الذي شهد ارتفاعا في استخدام الطاقة البديلة، وانخفض فيه إنتاج الطاقة من الفحم الحجري والطاقة النووية لـ30%، وهذا الانخفاض المتسارع جاء نتيجة الاعتماد على طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

هل ستنجح ألمانيا في الانتقال لطاقة نظيفة؟
وفي رده على سؤال الجزيرة نت عن إمكانية تحقيق طموح حزب الخضر في الانتقال لطاقة نظيفة، قال خبير الطاقة سامر رحال إن هذا الأمر يتطلب أيضا تخلصا تدريجيا من طاقة الفحم (الحجري والبني) المستخدمة بشكل أساسي في ألمانيا لتوليد التيار الكهربائي، ويجب أن يتحقق هذا التخلص بشكل مثالي وكامل بحلول عام 2030.

ويجب أن تأتي 80% من حاجة ألمانيا من التيار الكهربائي (أي حوالي 600 تيرا واط ساعي) من الطاقات المتجددة. ومن باب المقارنة، عام 2020 أنتجت مصادر الطاقة المتجددة حوالي 246 تيرا واط ساعي فقط من التيار الكهربائي، وهذا يعني أنه يتعين في الـ8 السنوات المقبلة تحقيق ضعف ما تم مقارنة بمجموع السنوات الـ20 الماضية في مجال التوسع في مشاريع الطاقة المتجددة.

التجربة الألمانية تتسق مع خطط الاتحاد الأوروبي
لا شك أنه لكي تنجح القوانين المحلية الخاصة بالبيئة في بلدان الاتحاد الأوروبي، لا بد من تعاون بين حكومات تلك البلاد، نظرا لتسهيلات التنقل والتجارة بين دول الاتحاد الأوروبي، وقد أكدت الأحزاب الثلاثة المؤتلفة على ضرورة توسع مشاريع الطاقات المتجددة (الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين الأخضر) بشكل كبير، وإزالة جميع العقبات البيروقراطية التي تعترضها، كما تم الاتفاق على إنهاء جميع محركات الاحتراق للآليات بحلول عام 2030، بما يتوافق مع سياسة وخطط الاتحاد الأوروبي المعروفة بـ"برنامج الاتحاد الأوروبي (فِت فور 55-)" (-Programm der EU, Fit for 55)، التي ستسمح فقط للمحركات المحايدة (أي خالية من أي انبعاثات كربونية) الكهربائية بالعمل عام 2035.

هل توقف خط الغاز نورد ستريم 2 سياسي أم بيئي؟
وزيرة الخارجية الجديدة أنالينا بيربوك تسعى لجعل سياسة المناخ من أولويات عمل السياسة الخارجية الألمانية المستقبلية، فعلى سبيل المثال، تسعى السياسة الخارجية الألمانية -كجزء من رئاسة ألمانيا المقبلة لمجموعة السبع- إلى تأسيس ناد دولي للمناخ عام 2022، وإقامة شراكات مناخية مع الدول النامية والناشئة من خلال تعزيز المعرفة المتبادلة ونقل التكنولوجيا، وتوسيع مشاريع الطاقات المتجددة ذات القيمة المضافة المستقلة والبنية التحتية المستدامة وغيرها من تدابير حماية المناخ في الدول النامية والناشئة.

ويبقى ملف خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 المكتمل -الذي لم يتم تشغيله حتى الآن- أحد أهم التحديات أمام الحكومة الحالية، فقد عارضت الوزيرة بيربوك مرارا عملية تشغليه بالشكل الحالي، انطلاقا من خطورته على البيئة والمناخ، فضلا عن العوامل الجيوسياسية المهمة على ضوء الصراع الحالي في أوكرانيا.

ويبقى مصير تشغيل خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 معلقا في المرحلة الحالية؛ إذ إنه وفقا لاتفاق التحالف المشكل للحكومة سيتم الالتزام بقانون الطاقة الأوروبي، وبالتالي تم إيقاف عملية التصريح لتشغيله من قبل الوكالة الفدرالية للتصديق، في حين رأى السياسي الألماني والعضو السابق في حزب الخضر، جمال قارصللي، أن إيقاف تنفيذ نورد ستريم 2 يعود لأسباب سياسية بحتة، ولا علاقة له بالبيئة.

وأضاف -في حديثه مع الجزيرة نت- أن الموقف من تشغيل خط الغاز سياسي ولا علاقة له بالبيئة؛ حتى لا تضغط روسيا على ألمانيا سياسيا، لا سيما في ظل ما وصفها بسياسة "البلطجة" التي يقودها الرئيس الروسي بوتين في أوكرانيا، والعمل على جعل أوروبا تحت رحمة روسيا من خلال اعتمادها على الغاز الروسي، في ظل حاجة أوروبا الكبيرة للطاقة، لذلك فإن تغليف إيقاف المشروع بذرائع بيئية غير دقيق؛ فالغاز يعد صديقا للبيئة إذا ما قورن بالفحم الحجري، وهذا يتسق مع سياسة حزب الخضر الداعي للحفاظ على المناخ والبيئة، علما بأن حزب الخضر -في اعتراضه على تنفيذ خط الغاز- انطلق من أن هذا العقد يتعارض مع قوانين الاتحاد الأوروبي.