هل من أدوار جديدة للبنوك المركزية بعد أزمة كورونا؟
الوقائع الاخبارية : خلال العامين الماضيين دفعت أزمة فيروس كورونا بصانعي السياسات المالية نحو اعتماد إستراتيجيات وحلول غير مألوفة.
هذه الحلول الجديدة أثبتت فعاليتها، وبالتالي يمكن أن يتم اعتمادها بشكل دائم بعد أن كانت مؤقتة، في تمشٍ بدأ للمرة الأولى مع الأزمة المالية الدولية عام 2009.
ويقول الكاتب أوليفير فاينز، بموقع "ذا هيل" الأميركي، إن البنوك المركزية باتت الآن تلعب دور الإقراض والتعديل والضمان كحل أخير للحفاظ على استقرار الأسواق المالية، في ظل التحولات التي تشهدها الأسواق، في وقت حل فيه التمويل بالاعتماد على صناديق الاستثمار والتحوط والمعاشات والتأمين محل أساليب الصيرفة التقليدية.
وفي الوقت الحالي، يناقش أصحاب القرار في العالم أفضل الطرق التي يمكن أن تقود نحو التعافي الاقتصادي الناجح بعد انقشاع جائحة كورونا. ويقوم هؤلاء بالموازنة بين السياسات الجبائية والمالية المستقبلية، من أجل التعامل مع أزمات السيولة والصدمات التي تعرضت لها الأسواق، وفق التقرير.
ويرى الكاتب أن التحولات التي شهدتها البنية المالية العالمية، والمتمثلة أساسا في الاعتماد على مصادر غير تقليدية للتمويل، جعلتها في حالة ارتباط كبير بالبنوك المركزية التي ينتظر منها التدخل لتعديل السوق كحل أخير لتجنب الكارثة، باعتبار قدرة هذه البنوك على ضخ الأموال كضمان من أجل الحد من أضرار الأزمات ومنع انهيار المنظومة.
ويؤكد أن بحوثا أجراها معهد التحليل المالي "سي إف إيه" (CFA) بالولايات المتحدة، أظهرت أن دور البنوك المركزية في أسواق رأس المال والاقتصاد تغير بشكل كبير منذ 2008، ثم جاءت أزمة كورونا لتكرس هذا التغيير.
الملاذ الأخير
فقد أصبحت البنوك المركزية مؤسسات تلعب دور الإقراض والملاذ الأخير لتعديل السوق، في كل مرة يعاني فيها الاقتصاد من اضطراب يمكن أن تمتد ارتداداته إلى قطاعات واسعة.
واليوم تعمل البنوك المركزية في مختلف الدول على تصميم حلول مناسبة، من أجل إعادة سياساتها المالية إلى وضعها الطبيعي، دون التسبب في انحراف مسار التعافي الاقتصادي الذي لا يزال في وضع هش، أو التسبب بغياب السيولة المالية.
سياسة اتصال فعالة
وفي هذا الإطار، ينبغي أن يتم الانتباه إلى خطر حدوث تضخم حاد إذا لم يتم تنظيم التزود بالسيولة بشكل دقيق وملائم لحركة السوق، وفق الكاتب.
وفي ظل هذه الأوضاع الهشة، من المهم جدا أن تتبع البنوك المركزية سياسة اتصال فعالة ودقيقة، في مواجهة مختلف الأطراف المتدخلة بالأسواق، خاصة وأن ضبابية المشهد ومخاوف أصحاب رأس المال تجعل من كل كلمة تصدر عن البنوك المركزية تخضع للتحليل وتستخدم للاستشراف واتخاذ قرارات هامة.
في نفس الوقت، يقوم السياسيون والقادة في مختلف أنحاء العالم بالبحث عن حلول مرتبطة بمشكلة الفجوة بين الطلب والعرض، التي ظهرت بسبب أزمة كورونا وإجراءات الغلق الكلي التي امتدت فترات طويلة.
التنسيق بين السياسة الضريبية والمالية
ويواجه هؤلاء السياسيون معضلة متمثلة في ضرورة التنسيق بين السياسات الضريبية والمالية، وهو أمر معقد في ظل معاناة الدول من أزمات مالية واقتصادية حادة، تلقي بظلالها على البنوك المركزية وتخلف شكوكا حول استقلاليتها.
وينبه الكاتب إلى أن دور البنوك المركزية في الاقتصاد وأسواق رأس المال يبقى محوريا وحساسا، إذ إن استقلاليتها ظلت دائما مرتبطة بالاعتقاد بأن هذه السلطة المالية سوف تتدخل دائما من أجل حماية الثقة في العملات المحلية، وتفادي انهيار قيمة الأصول المالية المتداولة.
إن أي تغيير في هذا الدور قد تكون له عواقب وخيمة على الاستقرار المالي والبنية الاقتصادية في أي دولة، بحسب الكاتب.
وختم الكاتب بأن الأشهر المقبلة سوف تقدم لنا المزيد من الوضوح حول التوازن الهش بين السياسات الضريبية والمالية، في علاقة بدور السلطات داخل الدول، ولكن الشيء المؤكد أننا سنواصل مشاهدة إجراءات وحلول غير تقليدية في ظل هذا الوضع المعقد.