بعد اختراقه السرية المصرفية الدولية.. هل ينجح العراق في استرداد أمواله المهربة؟

الوقائع الاخبارية : خطوةٌ جديدة أعلنها العراق مؤخرا ضمن إجراءاته لمكافحة الفساد ومحاولاته لاسترداد الأموال المنهوبة والمهرّبة إلى الخارج، بتمكنه لأوّل مرّة من اختراق السرية المصرفية الدولية -وبشكل قانوني- عبر جهود هيئة النزاهة وصندوق استرداد أموال العراق.

وتزامن ذلك مع حالة من الإحباط من قبل المراقبين والمختصين في الشأن السياسي والاقتصادي، بسبب عدم نجاح هذا الاختراق في الماضي لوجود عدّة عوائق، أبرزها أن هذه الحسابات لا تُسجل عادة بأسماء المتهمين بالفساد.

وسيتمكن العراق -من خلال هذا الاختراق- الاطلاع على محتويات الخزينة في سويسرا، ليأتي كل ذلك بعد أن أشارت تقارير منظَّمة الشفافية الدولية لعام 2021 إلى تحسن واضح، وتقدم في تصنيف العراق بين دول العالم ضمن تقرير مؤشر مدركات الفساد الذي تصدره المنظَّمة.

وكان عضو لجنة النزاهة النيابية السابقة في البرلمان النائب طه الدفاعي قد قدر -في تقرير سابق للجزيرة نت- أن الأموال المهربة تتراوح بين 300 و350 مليار دولار، في الأعوام التي أعقبت الغزو الأميركي، عدا الأموال التي هرّبت قبل ذلك.

يأتي ذلك مع استمرار هيئة النزاهة في الكشف عن منع حالات هدر المال العام باستمرار، ومنها ما ذكرته -في تقريرها السنوي لعام 2021- عن منع هدر أكثر من 15 تريليون دينار (نحو 10 مليارات و279 مليون دولار) وأن الأموال العامة -التي تم استرجاعها والتحقيق فيها أو إصدار أحكام قضائية بردّها، وكذلك التي منعت وأوقفت الهيئة هدرها بناء على إجراءاتها وتمَّت إعادتها حقيقة إلى حساب الخزينة العامة- بلغ مجموعها (642) مليار دينار، إلى جانب مبلغ آخر بـ 10 مليارات دولار.

خلط بمفهوم السرية
ومع ما أعلنه العراق، إلا أنه في الحقيقة هناك خلط في فهم السرية المصرفية، فالأخيرة لم تعد تعني التستر على حسابات تابعه للفاسدين أو أموال مصدرها غير معلوم أو غير شرعي سواء كان في سويسرا أو أي من الدول التي تتبع التعليمات الدولية بتطبيق قوانين مكافحة الفساد والجريمة المنظمة، وذلك وفقاً للخبير في الشؤون المصرفية والمالية عقيل الأنصاري الذي أكد أنه في السنوات العشر الأخيرة خضعت كل الحسابات المصرفية للتدقيق والتحري.

وفي الأسابيع القليلة الماضية، رُفع اسم العراق من لائحة الاتحاد الأوروبي للدول المصنفة عالية الخطورة، وهذا يعني أن العراق يستطيع -حسب الأنصاري- أن يستفيد من ناحية تبادل المعرفة والتقنيات والخبرات من الاتحاد الأوروبي.

وفيما يتعلق بعمليات تهريب الأموال، وأموال الفساد والجريمة المنظمة، فإن الأنصاري يرى -في حديثه للجزيرة نت- أنها تدخل بحسابات شركات تُسجل بطرق معقدة غايتها إخفاء أسماء المالكين الحقيقيين لتلك الحسابات.

وعلى ضوء ذلك، يقترح عدة خطوات يعتبرها ضرورية للعراق، أبرزها معرفة ومحاكمة الأفراد ومؤسساتهم حسب القوانين العراقية والدولية بكل شفافية، فضلاً عن توكيل شركات بحث وتحرٍ عن تلك الأموال بالتعاون مع الملاحق التجارية العراقية بالخارج، وعقد اتفاقات مع أهم الدول التي يشك بوجود الحسابات فيها.

وفي حال طبّقت الخطوات أعلاه، يرى الأنصاري أن بإمكان العراق استعادة بعض من تلك الأموال والتي قدرها بأكثر من 250 مليار دولار موزعة على أكثر من 50 دولة.

مئات الملفات
غير أن رئيس مؤسسة النهرين لدعم الشفافية والنزاهة بالعراق محمد الربيعي يقول إن البلاد لم تقم باختراق المنظومة المصرفية فذلك من أعمال العصابات، وإنما تمكنت بغداد من الوصول إلى الحسابات المصرفية لأشخاص تدور حولهم شبهات فساد باستغلال ثغرة قانونية، مع وجود قرار لمجلس الأمن إضافة إلى توصيات لاجتماع دول أعضاء باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وبالتعاون مع وزارة الخزانة السويسرية.

ومن النقاط -التي يُشدّد عليها الربيعي- أن يستمر العراق في جهوده القانونية والقضائية، بالتعاون مع جميع البلدان وأجهزتها القضائية، من أجل استرداد الأموال ومهربيها.

ويقول للجزيرة نت "هيئة النزاهة تمكنت من فتح 373 ملفا خاصا لاسترداد الأموال وكذلك استرداد مُتّهمين ومُدانين خارج البلد منذ سبتمبر/أيلول الماضي، ومنذ عقد مؤتمر استرداد الأموال المنهوبة في بغداد حتى الأيّام القليلة السابقة.

وفيما إذا كان هذا مجرد حبر على ورق، كما الحال مع الكثير من الإجراءات الأخرى الخاصة بالفساد، يقرّ الربيعي أن مكافحة الفساد تشتمل على أمور فنية وإجراءات جديدة، لكنّه يرى أن العراق يواجه سلسلة من المشاكل حيال ذلك، منها وجود "أفعال فساد" غير مُجرّمة حتى الآن، مستشهدا بالأموال الموجودة في سويسرا والتي سُرقت من الموازنات العامة وقوت الشعب.

وعلى إثر ذلك، يقترح رئيس مؤسسة النهرين ابتكار أو تعديل بعض القوانين، منها تشريع قانون يسمح للمتضررين من الفساد المطالبة بالتعويض، بالإضافة إلى تعديل القوانين لتتناسب فيها العقوبة مع حجم الجرم وليس كما موجود الآن حيث تصدر أحكام على متهمين بسرقة مليارات الدولارات بالسجن لمدد تتراوح بين سنة إلى 6 سنوات مع وقف التنفيذ.

ومن الخطوات التي يقترحها الربيعي، ويقول إنها تُساهم في مُحاربة الفساد، أن تقوم الحكومة -ومن خلال صندوق استرداد الأموال المنهوبة- بتوجيه هذه الأموال المُستردّة إلى مشاريع البُنى التحية في المناطق الفقيرة من أجل اندماج المجتمع في عملية مكافحة الفساد، وتحقق نتائج ايجابية . 

رد فعل سويسرا
وعن إمكانية النجاح في مُتابعة أرصدة وحسابات المسؤولين الهاربين أو المتهمين بالفساد واسترجاع الأموال المنهوبة من خلال علاقاته الخارجية، يُجيب الباحث بالشأن السياسي أحمد الخضر بإشارته إلى أن اختراق العراق لسرية المصارف الدولية بشكل قانوني سيُتيح لحكومته معرفة جزء كبير من حركة الأموال المنهوبة والمهربة وإعادتها وبشكل قانوني إلى البلاد، والتي يعتقد أنها موجودة بمصارف عالمية والتي يحكم نظام عملها الحفاظ على سرية وأسماء مودعيها.

وعن توقعات رد فعل سويسرا حيال الاختراق العراقي، وفيما إذا كانت ستسمح بتتبع أرصدة وحسابات المُتهمين بالفساد، يرى الخضر أن على الجهاز القضائي مُخاطبة الجهات الدولية المختصة وتزويدهم بالأحكام الصادرة من المحاكم الداخلية بشأن إدانة معظم مودعي هذه الأموال المنهوبة، مع ضرورة التنسيق العالي بين هيئة النزاهة الوطنية ومجلس القضاء الأعلى ووزارة الخارجية بهذا الخصوص.

وفي حديثه للجزيرة نت، يُشيد الباحث السياسي، بتفاؤل، بالوضع العراقي الدولي المُتحسن، وهذا سيُسهل بدوره تجاوب حكومات الدول التي أودعت فيها الأموال المنهوبة وفي مقدمتها سويسرا. ويقول: على الحكومة العراقية العمل على وضع خارطة طريق قانونية بالتعاون مع جهات دولية لاسترجاع هذه الأموال.