قتلت مئات الآلاف.. مسلسل "دوبسيك" يكشف أسرار انتشار المواد الأفيونية بأميركا

الوقائع الاخبارية : عام 1996، قدمت إحدى شركات الأدوية الأميركية دواء جديدا مسكنا للآلام، وروجت له بأنه "الأفضل في تاريخ البشرية"، لكن بعد تداوله لم يعد مجرد دواء، بل أصبح انتشاره بين الناس كالنار في الهشيم، وأسهم في تفاقم أسوأ أزمة لتداول المواد الأفيونية تمر بها البلاد، التي أدت إلى خسارة مئات الآلاف من الأرواح، وأثرت على حياة ملايين آخرين.

ومن هذه الفاجعة التي عاشتها الولايات المتحدة، تكشف شبكة "هولو" (Hulu) في مسلسل "دوبسيك" (Dopesick) كيف تسببت عائلة ساكلر الأميركية وشركتها "بيرديو فارما" (Perdue Pharma) في نشر وباء تعاطي المواد الأفيونية، ويرفع المسلسل الستار عن أسرار الحملة الخبيثة التي أطلقتها الشركة بهدف جعل عقار "أوكسي كونتن" (OxyContin) -الذي وصفته بـ"الدواء المعجزة"- هو المسكن الأكثر انتشارا، وذلك عن طريق الكذب والخداع واستغلال آلام المرضى لجنى المليارات.

المال على حساب الأرواح
يروي المسلسل كارثة انتشار المواد الأفيونية من جانبين، الأول هو جانب ريتشارد ساكلر (مايكل ستولبارغ)، وهو أحد أفراد عائلة ساكلر فاحشة الثراء، التي تعمل في صناعة الدواء لعقود، وجنت الملايين من هذه الصناعة. لكن بطموحه وجشعه، يحلم ريتشارد بجعل مسكن "أوكسي كونتن" في منزلة اكتشاف البنسلين، وأن يصبح المسكن الأعظم في العالم، ورغم إدراكه لضرره الكبير، فإنه أعطى الأولوية للربح على حساب أرواح الآلاف.

وبالفعل وافقت "إدارة الغذاء والدواء" (FDA) الأميركية على "أوكسي كونتن"، ليستخدم على نطاق واسع بدون إجراء اختبارات للتأكد من صحة ما تدعيه الشركة، وعملت الشركة على الترويج لسلامة الدواء من دون دليل، والتأكيد مرارا وتكرارا أن احتمالية إدمان الدواء هي "أقل من 1% فقط".

واستهدفت الحملات الدعائية الأطباء في مناطق يعمل سكانها في التعدين والزراعة والتصنيع وقطع الأشجار، حيث يكثر هناك مرضى الآلام المزمنة بسبب طبيعة أعمالهم، وهنا يأتي الجانب الثاني من القصة، وهم هؤلاء المرضى الذين لم يحلموا بسوى حياة بدون الشعور بالألم.

وأحد أهم هؤلاء الأطباء هو الدكتور صموئيل فينيكس (مايكل كيتون)، الذي يعيش في بلدة صغيرة في ولاية فرجينيا، وأمضى 40 عاما في رعاية جيرانه، وأهالي البلدة الذي تربطه بهم علاقة وطيدة، وبدأ في وصف المسكن الجديد لمرضاه، ويكتشف بعد فوات الأوان حجم الكارثة التي وقع بها المرضى، لكنه لم يكن ليشك بعقار أجازته إدارة الغذاء والدواء وأعطته وساما خاصا لفعاليته غير المسبوقة.

وعلى الرغم من كونها في خضم أزمة وطنية، فلم تتمكن إدارة مكافحة المخدرات من التدخل في عملية تداول عقار "أوكسي كونتن"، فمن الصعب التشكيك في العقار عندما يكون التجار هم أطباء، والمروجون مندوبو المبيعات، والمنتجون هم أعضاء "أكثر العائلات خيرية في أميركا".

لكن أخيرا في عام 2002، حققت هيئة محلفين كبرى في تصاعد الجريمة بسبب انتشار "أوكسي كونتن"، وبمساعدة إدارة مكافحة المخدرات، يبدأ كشف أسرار هذا العقار "اللعين"، وكيف تمت الموافقة عليه، ومن المسؤول عن الأرواح التي زهقت، ويُكشف أصول ومدى وتداعيات واحدة من أكثر مآسي الصحة العامة تدميرا في عصرنا، وكيف جنت عائلة ساكلر أكثر من 10 مليارات دولار من هذا المسكن وحده.

قصة إنسانية
ولا يسعى "دوبيسيك" إلى أن يكون تحقيقا جنائيا في هذه الجريمة، إذ تنبع قوة المسلسل من تركيزه على أن هناك حقيقة لا يمكن التغافل عنها، وهي أن هذه الأزمة ليست مجرد معركة مجردة بين السلطة القضائية وشركات الأدوية، لكنها أولا وقبل كل شيء قصة إنسانية.

وهذه القصة الإنسانية عن الفقد والجشع والغطرسة والضعف، ويعرض المسلسل هذا الجانب الإنساني من خلال التطرق إلى حيوات جزء من هؤلاء الذين رحلوا عن العالم جراء هذا الدواء، والتأكيد على أنهم ليسوا مجرد أرقام في إحصاءات، لكنهم أناس حقيقيون، قادتهم ظروفهم وأمراضهم إلى هذا المنتج الفتاك، أملا في تخفيف آلامهم، لكنهم كانوا ضحايا الفساد في أكبر مؤسسات الدولة.

جريمة القرن
وأنتجت شبكة "إتش بي أو" (HBO) عام 2021 وثائقيا تناول الأزمة ذاتها بعنوان "جريمة القرن" (The Crime of the Century)، وعرض الفيلم وثائق مسربة، ومقابلات حصرية، وشهادات واقعية من ضحايا الإدمان على المواد الأفيونية.

ووجه الوثائقي أصابع الاتهام إلى شركات الأدوية وكيف أنها المسؤولة -في الواقع- إلى حد كبير عن تفاقم أزمة سوء استخدام العقاقير التي تستفيد منها، لكسب مليارات الدولارات مقابل آلاف الأرواح، وكذلك اللوائح الحكومية التي تسمح بالإنتاج المفرط والتوزيع المتهور لهذه الأدوية.