ماذا وراء القفزة في ودائع المصريين لدى البنوك؟

الوقائع الاخبارية : تضاعف حجم الودائع غير الحكومية في الجهاز المصرفي المصري، خلال 5 سنوات، ليصل بنهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إلى 5.076 تريليونات جنيه (318.5 مليار دولار)، وفقًا لبيانات النشرة الإحصائية الشهرية للبنك المركزي، مقابل 2.761 تريليون جنيه نهاية عام 2016 الذي شهد تحرير سعر صرف الجنيه (الدولار يساوي 15.7 جنيها).

وبحسب البيان، بلغت الودائع غير الحكومية "بالعملة المحلية" نحو 4.405 تريليونات جنيه بنهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، واستحوذ القطاع العائلي (الأشخاص الطبيعيون) على نحو 3.718 تريليونات جنيه بنسبة 85%، يليه قطاع الأعمال الخاص بنحو 582 مليار جنيه، ثم قطاع الأعمال العامة بنحو 88 مليار جنيه فقط، واستحوذت القطاعات الأخرى على النسبة المتبقية.

وأشار بيان المركزي المصري إلى أن الودائع "بالعملات الأجنبية" سجلت نحو 671 مليار جنيه، واستحوذ القطاع العائلي على نحو 439 مليار جنيه أي ما نسبته 65% من حجم الودائع، وبلغت حصة قطاع الأعمال الخاص نحو 178 مليار جنيه، وقطاع الأعمال العام نحو 28 مليار جنيه.

فوائض مالية أم فوائد ودائع؟
طرحت الطفرة في حجم الودائع غير الحكومية تساؤلات حول أسباب هذا الارتفاع الكبير، وهل هي نتيجة زيادة فوائض دخول الأفراد أو تضاعف فوائد الودائع في البنوك، وما دلالة تركز الادخار في القطاع العائلي (غير استثماري)، وما دور ارتفاع أسعار الفائدة في السنوات التالية لتحرير سعر الصرف وزيادة تحويلات المصريين العاملين بالخارج؟

كما طرحت تساؤلا حول ما يشير إليه ذلك من سيطرة اتجاه القطاع العائلي (الأفراد والأسر) نحو الاكتناز في البنوك مقابل الاستثمار في أوعية أخرى نظرا لارتفاع معدلات المخاطر فيها مقارنة بفوائد البنوك التي ارتفعت إلى مستوى غير مسبوق إلى 20% بعد عملية تحرير سعر صرف الجنيه؟

يرى الخبير المصرفي محمد عبدالعال، أن هيكل الودائع الحالي فى البنوك ليس صحيا وأنه ناجم عن سلسلة الاضطرابات التي مرت بها الدولة خلال السنوات الماضية والتي دفعت القطاع العائلي للبحث عن الملاذ الآمن لاستثمار أموالهم وحفظها، ولم يجد سوى البنوك خاصة مع ارتفاع أسعار الفائدة.

وحسب عبدالعال الذي يشغل عضو مجلس إدارة بنك قناة السويس، فإن الأوضاع كانت غير مشجعة للقطاع الخاص لزيادة أعماله، والاقتراض من البنوك، فلجؤوا لأموالهم لتمويل المشروعات وقد أدى ذلك إلى انخفاض نسبة الإيداعات.

وأوضح أن الأوضاع الصحية تقتضي ألا يسيطر القطاع العائلي سوى على 30% من الودائع، وتكون النسبة الأكبر للقطاع الخاص والاستثماري الذي يقود التنمية.

ما حقيقة تضاعف حجم الودائع؟
أرجع الخبير الاقتصادي ممدوح الولي، أسباب القفزة في حجم الودائع للأفراد المصريين في البنوك إلى عدة أسباب ليس من بينها زيادة فوائض الدخول، قائلا: "أرقام الودائع التي يعلنها البنك المركزي المصري تكون متضمنة الفوائد، بمعنى أنها ليست كلها ودائع جديدة، إنما هي الودائع منذ عام 2016 إضافة إلى فوائدها حتى عام 2021، وهكذا نفهم السبب الرئيسي وراء الارتفاع الكبير في حجم الودائع".

وأوضح للجزيرة نت، أنه على افتراض أن البنوك لم تتلق أي ودائع لمدة عام فإنها في نهاية العام سوف ترتفع نتيجة إضافة الفوائد الشهرية لها، وهو ما يوضح كيف أسهمت الفائدة العالية عقب التعويم التي وصلت إلى نسب 20% و17% و16% و14% و12% على التوالي في تضخم حجم الودائع، إلى جانب زيادة تحويلات المصريين بسبب تراجع قيمة الجنيه ومحاولة الاستفادة من فرق الأسعار.

وقفزت تحويلات المصريين العاملين بالخارج إلى مستوى جديد وسجلت نحو 31.4 مليار دولار بنهاية العام المالي الماضي، رغم تداعيات جائحة كورونا، بما يمثل ما يزيد على ثُلُث إجمالي مصادر النقد الأجنبي في العامين الأخيرين، مقارنة بنحو 18.7 مليار دولار بنهاية العام المالي 2016-2017.

وعن أسباب تركيز القطاع العائلي على وضع مدخراتهم في البنوك بدلا من الاستثمار وتراجع حجم أموال القطاع الخاص، قال الولي -نقيب الصحفيين سابقا- إن السواد الأعظم من المصريين، من بينهم أصحاب المعاش والمتقاعدون- يفضلون وضع أموالهم في البنوك والحصول على أرباح شهرية وعدم المخاطرة بها في أوعية ادخارية أخرى نظرا للتقلبات السياسية الاقتصادية من جهة ونقص الخبرة من جهة أخرى.

أما فيما يتعلق بتراجع حصة القطاع الخاص من جملة الودائع غير الحكومية في القطاع المصرفي فيرجع -وفق الولي- إلى الأجواء الاقتصادية غير التنافسية في القطاع الخاص إلى جانب ارتفاع حجم مخاطر الاستثمار المباشر نتيجة زيادة الأعباء الصناعية كالضرائب والرسوم وتكلفة المواد الخام وارتفاع أسعار الطاقة والنقل وغيرها، وهو أمر غير إيجابي على المستوى البعيد.

خداع النقود
بدورها، ترى أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة، عالية المهدي، أن زيادة حجم الودائع ليس بالضرورة معناه ارتفاع فوائض الدخول، مضيفة في تصريحات صحفية، إنما قد يرجع إلى نظرية "خداع النقود"، وهو ما حدث بالفعل عقب تحرير سعر الصرف، والذي أدى إلى تراجع قيمة العملة المحلية أمام العملات الأجنبية.

في سياق متصل، أرجع محلل قطاع البنوك أحمد شوقي، سيطرة القطاع العائلي على الودائع وارتفاعها في البنوك المصرية إلى إحجام الأفراد عن الاستثمار في الأوعية الادخارية، نظرًا لارتفاع معدلات المخاطر في الأوعية الأخرى، مثل البورصة والذهب والعقارات، وكلها أوعية تتأثر بالتقلبات الاقتصادية والسياسية.

في حين يعد وضع الأموال في البنوك لشرائح مختلفة من المواطنين، بحسب تصريحات صحفية لشوقي، وعاءً آمنا، وإن انخفضت عوائده عن باقي الأوعية، فضلا عن أن ارتفاع تحويلات المصريين العاملين بالخارج أحد أسباب ارتفاع حجم الودائع.