بعد نموها.. شركات التمويل الاستهلاكي تثير ضجة في مصر

الوقائع الاخبارية : ضجت المراكز التجارية الكبيرة في مصر يوم الجمعة الماضي بمئات المواطنين الذين أقبلوا على شراء منتجات شركة آبل (Apple) الأميركية بعد الإعلان عن حزمة تخفيضات كبيرة على الأجهزة المختلفة، ولم يلبث أن تحول الأمر إلى جدل تردد صداه في الشارع المصري ومواقع التواصل، وسط انتقادات حيال جدية العروض المقدمة.

في 3 مارس/آذار الجاري أعلنت شركة "تريد لاين" (Trade Line) الموزع المعتمد من شركة آبل في مصر عبر صفحتها على موقع فيسبوك عن تخفيضات بنسبة 50% على منتجاتها المختلفة، مؤكدة أن الدفع عبر التقسيط من خلال شركة "فاليو" (Valeo)، وهي شركة مختصة في التمويلات المالية بنظام التقسيط وتتبع المجموعة المالية هيرميس منذ عام 2017.

قد يبدو الأمر طبيعيا عند هذه النقطة، ولكن ما أعقب ذلك أثار الغضب في الشارع المصري وبين جمهور المستهلكين الذين تفاجؤوا بإعلان شركة فاليو عن وجود فوائد قسط وصلت إلى 30% بإجمالي 25% سعر فائدة على القسط و5% مصاريف إدارية، وهو ما لم توضحه الشركة الموزعة في إعلانها الأساسي، فيما تحددت الفائدة بنحو 15% كحد أدنى حسب المدة التي تتراوح بين 6 و60 شهرا، وهو ما جاء قبل وقت ضئيل من الإعلان عن العرض.

تجربة مستهلك
ياسر مالك (أحد هؤلاء المتضررين) أوضح أن العرض بمثابة عرض تسويقي خبيث بطُعم الـ50% خصم، في حين أنه في الأصل لا يتعدى الخصم 20% للمنتج الذي يباع بسعر مبالغ فيه بالأساس لدى الموزع المعتمد، فعلى سبيل المثال يصل سعر "آيفون 13 برو ماكس" فئة 128 غيغا إلى 30 ألف جنيه لدى الموزع المعتمد بمصر، أي نحو ألفي دولار وبفارق 900 دولار عن سعره الأصلي الذي يباع به في متجر آبل الرسمي في الولايات المتحدة الأميركية بعد الضرائب، مشيرا إلى أن السوق في مصر يبيع بسعر أقل من الموزع المعتمد في الأصل.

وما زاد الطين بلة أن الإعلان عن التخفيضات كان على مدار يوم واحد فقط، الأمر الذي تسبب بحالة كبيرة من التكدس، خصوصا في ظل تحديد الشركة الموزعة بأن العرض سارٍ على الشراء بشكل مباشر وليس عن بعد، يضيف مالك للجزيرة نت.

وحول قصته، أوضح مالك أنه اتجه إلى أحد فروع الشركة الموزعة في أحد المراكز التجارية بالقاهرة الجديدة عقب صلاة الجمعة مباشرة لرغبته في شراء هاتف جديد، لكنه فوجئ بالبطء الشديد في عملية البيع.


وأوضح أنه كان هناك 400 عميل منذ التاسعة صباحا، وبسبب هذا البطء تم مد العمل بالمتجر حتى الثانية بعد منتصف الليل، لكن رغم ذلك لم يتم تنفيذ العمليات سوى لـ80 عميلا، فيما كان رقمه 149، مما ضيّع عليه فرصة الشراء.

ويسرد أبانوب تجربته قائلا إنه عميل قديم لشركة فاليو التي تقدم تمويلات جيدة وبدون فوائد بالمعتاد في الأيام العادية إلا أنها تتقاضى بالطبع نسبة تصرف تحت بند المصاريف الإدارية كمقابل عن التقسيط وتصل إلى 5%.

وأوضح أبانوب في تصريحاته للجزيرة نت أن المشكلة هي أن الشركة قامت بتحويل نسبة التقسيط من تقسيط بلا فوائد إلى تقسيط بمقابل وصل إلى 25%، وهو الأمر الذي تم قبيل الإعلان عن بداية العرض مباشرة، إلى جانب 240 جنيها على السنة التي يجري خلالها دفع القسط بواقع 20 جنيها مع كل معاملة دفع للقسط الشهري.

واتفق أبانوب مع ياسر في الرأي بخصوص ارتفاع أسعار الموزع المعتمد عن السعر الأصلي، مما يخفض في الأساس سعر العرض ويجعله غير حقيقي.

وأوضح أنه لم يستفد أساسا من العرض المقدم بعد أن استمر منتظرا دوره إلى أن قرر الانصراف بعد يوم عصيب قضاه في الانتظار.

في المقابل، قال وليد حسونة الرئيس التنفيذي لقطاع التمويل غير المصرفي بالمجموعة المالية هيرميس القابضة والرئيس التنفيذي لشركة فاليو لموقع "المال" المختص في الشؤون الاقتصادية المحلية بمصر إن يوم الجمعة شهد تسجيل أكثر من 6 آلاف عملية بيع من خلال منافذ "تريد لاين" التي تتيح عرض 50%.

ولفت إلى أن تطبيقي فاليو و"تريد لاين" شهدا عملية حجز أدوار أكثر من 21 ألف عميل للاستفادة من الخصومات المطروحة، مضيفا أنه من المنطقي فرض فوائد على الشراء بالتقسيط.

حقائق حول شركات التمويل
توجد العديد من شركات التمويلات الاستهلاكية المالية التي تصدرت الساحة الفترة الأخيرة على غرار شركة فاليو مثل شركة "كونتاكت" (Contact) التي تصدرت قائمة شركات التمويل الاستهلاكي خلال الفترة الماضية بقيمة 4.4 مليارات جنيه (280 مليون دولار)، فيما حلت فاليو في المركز الثاني بقيمة 2.309 مليار جنيه (146.4 مليون دولار)، وجاءت شركة "بريميوم إنترناشونال" (Premium International) في المركز الثالث بقيمة 1.353 مليار جنيه (85.9 مليون دولار)، وذلك حسب تقرير صادر في فبراير/شباط الماضي عن هيئة الرقابة المالية في مصر عن إجمالي نشاط شركات التمويل خلال العام الماضي.

وذكر تقرير الرقابة المالية أن قيمة التمويل الاستهلاكي بلغ 17 مليار جنيه لنحو مليون و346 ألف عميل، بزيادة نحو 130 ألف عميل خلال ديسمبر/كانون الأول الماضي، الأمر الذي يظهر ارتفاع حضور وصدى هذه الشركات الملحوظ في الشارع المصري.

لماذا تنمو شركات التمويل الاستهلاكي بمصر؟
يأتي نمو شركات التمويل الاستهلاكي خلال العامين الأخيرين لأسباب متعددة، منها التوسع في خدمات الدفع الرقمية نتيجة وباء كورونا، ونمو فكرة دعم التحول الرقمي، بالإضافة إلى توقيع البنك المركزي المصري بروتوكول تعاون مع هيئة الرقابة المالية لتيسير إجراءات إصدار أدوات الدفع لشركات التمويل الاستهلاكي.

لكن، لماذا تنمو هذه الشركات في مصر؟ وهل تقدم عروضا حقيقية بالفعل؟ وهل تعتبر بديلا عن البنوك التي تمنح أيضا تمويلات وقروضا للمواطنين على العديد من الخدمات؟ هذا ما يجيب عنه الخبير المصرفي الدكتور وائل النحاس.

يعتبر النحاس أن هذه الشركات قد يكون لها دور فعال عبر تقديم تمويل للمستهلكين في ظل الأزمات الاقتصادية الحالية بمصر وحاجة الكثير من الشرائح إلى قروض لتسيير أعمالها، ورغم ذلك كشفت أزمة شركة فاليو عن اتجاه الشركة كغيرها من الشركات التمويلية إلى دعم المستهلكين لسلع غير ضرورية ومكملة لنمو أرباحها، وذلك عبر استهداف شرائح معينة من المستهلكين قد لا تحتاج هذا التمويل بشكل أساسي، الأمر الذي تدخل فيه شبهة حرمة في الشريعة الإسلامية، حيث يعد ذلك قرضا جرّ نفعا وبلا ضرورة للمستهلك.

وقال "يتم بيع السلعة عبر هذه الشركات في الأساس بسعر فائدة كبير يكون أكبر من فائدة البنوك في أحيان كثيرة، في الوقت الذي ينخفض خلاله سعر هذه السلعة بعد أقل من عام بعد نزول غيرها للسوق"، فسعر الهواتف المحمولة -يضيف النحاس- مثلا يتناقص بمرور الوقت، مما يجعل شركة التمويل رابحة في النهاية، فيما يجد المستهلك نفسه في النهاية قد أنفق على السلعة مبلغا كبيرا بسعر أعلى من السعر الأساسي.

وتوقع النحاس انهيارات كبيرة في القطاعات المصرفية وأزمات في التمويل خلال الفترة المقبلة داخل مصر والتي قد تمتد إلى عامين مقبلين.