إبداع خلف القضبان.. سجناء يقدمون عرضا مسرحيا أمام جمهور عام في المغرب
الوقائع الاخبارية : على خشبة مسرح محمد الخامس بالرباط، قدم نزلاء ونزيلات المؤسسات السجنية مسرحية عنوانها "لغراد" -تعني الجبال الرملية باللهجة الصحراوية- أمام جمهور عام.
يؤدي يحيى الضمير بطل المسرحية دور شاب فاقد للأمل، يرغب في الهجرة السرية خارج البلد، يلتقي صدفة رجلا يغير أفكاره ويبرز له قيمة بلده وحضارتها الممتدة لقرون، ما جعله يعدل عن قرار الهجرة.
وإذا كان "الضمير" في المسرحية شابا يائسا يحاول الهرب من حياته وبلده نحو المجهول، فإنه في الواقع نزيل بأحد السجون المغربية منذ عام 2003، متصالح مع ذاته وقدره، ويمارس المسرح لأنه يعتبره وسيلة للتحرر وطاقة أمل.
وقدّم هذا الشاب -رفقة 40 سجينا من نزلاء عدد من السجون المغربية- عرضا مسرحيا أمام جمهور غفير من عشاق التمثيل المسرحي، ضمنهم أفراد عائلات السجناء والأصدقاء.
ويأتي تقديم هذا العرض الفني الذي حمل توقيع المخرج خالد جنبي ضمن احتفالية نظمتها المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، بمناسبة اليوم الوطني للنزيل الذي يصادف 15 مارس/آذار من كل عام.
الفن دواء
حُكم على "الضمير" بالسجن المؤبد (مدى الحياة)، وفي 2019 تحول الحكم إلى سجن محدد في 30 سنة إثر حصوله على عفو ملكي لحسن سلوكه.
يقول للجزيرة نت إن علاقته بالمسرح بدأت في الطفولة عندما كان يقضي العطلة الصيفية في المخيمات، فيشارك مع أقرانه في مسرحيات للأطفال، وبعد دخوله السجن بسنوات حضر عرضا مسرحيا، فأحيا فيه هذا العرض الحنين إلى أيام الطفولة وخشبة المسرح.
ويحكي أنه قرر في تلك اللحظة أن يصبح ممثلا، فقصد إدارة السجن للتسجيل في ورشة المسرح، ويضيف "لقي أول عمل مسرحي شاركت فيه استحسان النزلاء، لقد شجعوني على المواصلة لتبدأ مسيرتي الفنية وأبدأ ولادة جديدة".
شارك يحيى في مسرحية احترافية عنوانها "مبارك ومسعود" وهي المسرحية التي عرضت في عدد من المؤسسات السجنية في مختلف المدن وفي مسارح بالمملكة.
يقول عن تأثير المسرح عليه "الفن داواني، كان بمثابة علاج غيّر حياتي وبدأت أشعر بأنني فعلا فنان حقيقي" يتوقف عن الحديث للحظات ويضيف "نحن نزلاء السجون ما زال الإنسان حيا فينا، نعم أخطأنا، لكننا نستحق فرصة أخرى لتصحيح أخطائنا، نحن أخطأنا ونطلب السماح، وعندما أغادر السجن سأواصل العمل في المجال الفني".
الخشبة حرية
تلعب غزلان دور أم يحيى في هذه المسرحية، جاءت هذه الشابة من سجن لوداية بمراكش لتمثل أمام جمهور مسرح العاصمة، تقضي عقوبة سجنية مدتها 20 سنة مرت منها 12، ووجدت في المسرح ملاذها داخل المؤسسة السجنية.
تتحدث عن دورها للجزيرة نت وتقول "ألعب دور أم يحيى الذي كان يريد الهجرة خارج البلاد بسبب انغلاق كل الأبواب أمامه، غير أن تشبثه بأمه دفعه لتغيير رأيه والبقاء، الأم في هذه المسرحية تمثل الوطن الذي يستحق أن يبقى المرء من أجله، لأنك إذا أعطيته يعطيك أكثر".
دخلت غزلان عالم المسرح من باب الكتابة، فبعد 5 سنوات من وجودها في السجن، اكتشفت في نفسها ميلا لكتابة النصوص المسرحية وأصبحت تشرف على ورشة داخل السجن تؤطر فيها السجينات في هذا المجال إلى حين أتيحت لها فرصة صعود خشبة المسرح.
في عام 2018، شاركت في أول مسرحية، وقدمت عروضا متنوعة داخل السجن وخارجه، كما استفادت من تدريبات على أيدي محترفين في المسرح.
بالنسبة لغزلان، فإن كتابة النصوص المسرحية والتمثيل يشعرها بكينونتها، تقول إن الركح هو فضاء للتحرر وعلى الخشبة "أحس بالحرية وبأنني بعيدة عن قيود السجن".
تجربة فريدة
يصف مخرج مسرحية الغراد خالد جنابي هذه التجربة الفنية بالفريدة فهو لأول مرة يتعامل في عمل فني مع سجناء ويدرب داخل المؤسسات السجنية.
فوجئ -كما يحكي- بالمستوى الفني للسجناء الممثلين وانضباطهم وانخراطهم الفعال في العملية الإبداعية وقدرتهم على تقمص الشخصيات والتعامل مع خشبة المسرح والنص والإضاءة، ويضيف أن هذه التجربة أكسبته علاقات إنسانية جميلة ومختلفة.
ويوضح للجزيرة نت أن بعض السجناء كانت لديهم تجربة في أعمال مسرحية سابقة، بينما الأغلبية شاركوا لأول مرة في عرض مسرحي احترافي.
ويعد التمثيل والعروض المسرحية جزءا من البرامج التي تشرف عليها المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج في إطار الجيل الجديد من الإصلاحات.
يقول مدير العمل الاجتماعي والثقافي لفائدة السجناء بالمندوبية مولاي إدريس أكلمام، إن الإدارة تحاول إخراج إبداعات السجناء خارج المؤسسات السجنية بهدف تعبئة المجتمع بكافة مكوناته، من أجل القضاء على الصورة النمطية حول السجن والسجناء ومكافحة الوصم المجتمعي، ودعم هؤلاء السجناء بعد الإفراج.
ويشير في حديث للجزيرة نت إلى عدد من البرامج الفنية التي تنظم داخل السجون، منها المسرح والفن التشكيلي، انضافت إليها مؤخرا النوادي السينمائية.
وأطلق الشهر الماضي بمركز الإصلاح والتهذيب عين السبع بالدار البيضاء برنامج "نور الدين الصايل للأندية السينمائية بالمؤسسات السجنية"، ويهدف هذا البرنامج إلى تنمية الثقافة السينمائية لدى النزلاء من خلال تقديم عروض سينمائية ومناقشتها داخل المؤسسات السجنية، وتكوينهم في مجالات المهن السينمائية.