تسويات النفط الروسي بالروبل.. خطوة لنظام مالي عالمي جديد أم مزيد من الضعف لموسكو؟

الوقائع الاخبارية : أيام معدودة وتفرج الأوضاع العالمية عن نتائج تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمنع تصدير النفط والغاز الروسيين بالدولار أو اليورو، وإلزام الدول غير الصديقة المستوردة بدفع الثمن بالعملة المحلية الروسية "الروبل".

فقد أتى قرار الرئيس بوتين بهذا الشأن يوم الخميس 24 مارس/آذار الحالي، وأعطى مهلة لتنفيذ قراره في غضون أسبوع، وهو ما عضد من شأن توقعات باتجاه عالمي نحو نظام عالمي جديد بشأن الأوضاع المالية، بعد أن أشارت وسائل إعلام دولية إلى دراسة السعودية أن يكون اليوان الصيني هو عملة التبادل لجزء من صادراتها النفطية للصين.

وتأتي خطوة الرئيس بوتين في إطار إدارة الصراع بشأن العقوبات المفروضة على بلاده من قبل أوروبا وأميركا، والتي نالت بشكل كبير من مقدرات روسيا المالية، ويتوقع أنه في حالة استمرار هذه العقوبات لمدة طويلة أن تؤثر بشكل كبير على القدرات الاقتصادية والاجتماعية الروسية.

كان وزير المالية الروسي أنطون سيلو أنوف قد صرح بأن العقوبات الاقتصادية الأميركية والأوروبية على بلاده جمدت حوالي 300 مليار دولار من الاحتياطات الأجنبية.

وعلى ما يبدو فإن القرارات الأميركية غير عابئة بقرارات بوتين بشأن عملة توريد النفط والغاز الروسيين، إذ اتخذت أميركا قرارا بأن العقوبات على روسيا تشمل أي تعاملات بالذهب تتعلق بالبنك المركزي الروسي، وذلك في اليوم نفسه الذي أعلن فيه بوتين عن قراره فرض الروبل عملة لدفع ثمن الصادرات من النفط والغاز.

وإن كانت روسيا أعلنت أن كامل احتياطاتها من الذهب محتفظ بها داخل البلاد، والتي تقد بنحو 2301 طن، فإن الهدف من القرار الأميركي هو سد كافة الأبواب على النظام المالي الروسي من الالتفاف على العقوبات الاقتصادية.

أهداف روسيا
ثمة حالة من الحصار الأوروبي والأميركي على روسيا منذ الحرب الروسية على أوكرانيا، ولا يقتصر هذا الحصار على الجانب الاقتصادي، بل يشمل الجانب الدبلوماسي والسياسي، وقد توالت الأخبار التي تعكس خروج العديد من الشركات العالمية من الاقتصاد الروسي، مما أكد على رسالة أميركا وأوروبا بفرض حصار طويل الأجل على بوتين لتغير المعادلة التي يحاول أن يفرضها على الأمن الإقليمي والعالمي.

ولم تقف روسيا مكتوفة الأيدي أمام قرارات العقوبات التجارية والاقتصادية والمالية التي فُرضت عليها من قبل أوروبا وأميركا، فكان ردها بالمثل، إذ فرضت عقوبات على شخصيات أوروبية وأميركية وبعض المؤسسات، كما حاولت موسكو إيجاد حالة من التوازن المالي لاقتصادها لمواجهة خروج الأجانب، والتي كان أبرزها:

فرض قيود على حركة الأموال إلى الدول غير الصديقة بمبلغ مماثل للاحتياطات المجمدة.

منع الأجانب من بيع ما لديهم من سندات دين روسية.

فرض حظر على المستثمرين الأجانب من سحبهم للأموال من النظام المالي الروسي.

عدم سداد ديون الشركات الروسية، وكذلك الدين العام، إلى الجهات الأجنبية إلا بإذن من اللجنة الحكومية الروسية.

إغلاق المجال الجوي الروسي على شركات الطيران الأوروبية والأميركية.

وإجمالا تهدف الخطوات التي اتخذتها روسيا لمواجهات العقوبات الاقتصادية، بما فيها قرار استخدام الروبل لدفع ثمن صادرات النفط والغاز، لأمرين:

الأول: تقليل حدة الخسائر المترتبة من العقوبات.

الثاني: محاولة تنويع الأوراق التي تدير بها معركتها، بحيث تشمل العسكري والسياسي والاقتصادي.

قدرة روسيا على تفعيل قرار الروبل
على الرغم من أن القرار أحدث جلبة في الأوساط العالمية، وفتح باب التوقعات بإرهاصات ميلاد نظام مالي عالمي جديد، يزيح الدولار وسيطرته الممتدة على الاقتصاد العالمي منذ منتصف القرن الـ20، فإن ذلك كله متوقف على مدى قدرة روسيا على إنفاذ قرار بوتين.

ومن خلال قراءة بعض التصريحات الروسية، يمكن استنتاج أن القرار سيكون له آثار غير قوية، سواء على الدولار كعملة دولية أو على مقدرات سوق النفط العالمية.

ويتضح ذلك من خلال الاستثناء الوارد في أمرين:

الأول أن هذا القرار لا يسري على العقود المبرمة بين روسيا ودول أخرى خلال الفترة الماضية، وهو ما يعني أن العقود طويلة الأجل لن تخضع لقرار بوتين.

الثاني هو أن قرار بوتين سوف يسري على صادرات الشركة الحكومية "غازبروم" (Gazprom) ولن ينطبق على صادرات شركة "نوفاتيك" (Novatek) باعتبارها شركة خاضعة للقطاع الخاص، والاستثناءات بقدر ما هي تضعف قرار بوتين، فهي كذلك تفتح الباب لروسيا للخروج من ورطة عدم القدرة على التنفيذ.

وحسب أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي، فقد بلغت صادرات السلع والخدمات لروسيا 481 مليار دولار و378 مليار دولار على التوالي في عامي 2019 و2020، كما بلغت واردات السلع والخدمات خلال الفترة نفسها على التوالي أيضا 352 مليار دولار و305 مليار دولار، وبما يعني أن روسيا كان لديها فائض تجاري مع العالم.

وعن صادرات روسيا من النفط والغاز، توضح البيانات الروسية أنها بلغت بنهاية عام 2021 نحو 165 مليار دولار، وإذا ما افترضنا أن أوروبا تستوعب 50% من صادرات روسيا من النفط والغاز، فمعنى ذلك أن تعاملات الروبل للصادرات من النفط والغاز سوف تكون بحدود 85 مليار دولار، أو في أحسن الأحوال 100 مليار دولار، لأن القرار ملزم فقط للدول التي تؤيد فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا.

ومن هنا، لن يكون لقرار بوتين في حالة نجاح تطبيقه أثر سوى مجرد نجاح في فرض سياسة جديدة لكسر هيبة أميركا التي تحققها من سيطرة عملتها على النظام المالي العالمي.

لكن في ظل العقوبات الاقتصادية من قبل أميركا وأوروبا، فإن الأوضاع مختلفة، وخاصة إذا عجلت أميركا بإبرام اتفاقها مع إيران، التي يمكنها في الأجل القصير ضخ نحو 2 مليون برميل يوميا لسوق النفط، وهو ما يعني قرابة 40% من حصة روسيا التصديرية من النفط.

وقد تنجح أميركا في الضغط على السعودية والإمارات لضخ كميات إضافية، مما يعني أن إفشال خطة بوتين بالضغط على أميركا وأوروبا من خلال ورقة الطاقة بشكل عام واردٌ بنسبة كبيرة.

خطة أميركا وأوروبا لمواجهة القرار
بشكل سريع، تم تشكيل لجنة مشتركة أوروبية أميركية للبحث في تدبير بدائل لأوروبا في مجال الطاقة للاستغناء عن روسيا، وبالفعل اتخذت أميركا قرارا يتضمن قيامها بمد أوروبا بنحو 15 مليار متر مكعب من الغاز المسال خلال عام 2022، وهو ما يعني العمل على تخفيف وطأة الأزمة على أوروبا، وفي الوقت نفسه يقلل من قيمة وخطورة الخطوة التي اتخذها بوتين.

ولا تزال التوقعات بخطة أميركا دفع دول نفطية لزيادة حصتها من الإنتاج والتصدير قائمة، وإن كانت ستتطلب بعض الوقت، فضلا عن أن أسعار النفط والغاز الحالية مناسبة جدًا لاستعادة النفط الصخري عمليات الإنتاج، وبما يعزز السوق الدولية بكميات إضافية ويساعد في تمرير أية خطة للاستغناء الكامل أو الجزئي عن النفط الروسي، أو على الأقل إفشال خطة بوتين.

والملاحظ على إدارة الأزمة الروسية مع أميركا وأوروبا، عبر بوابة الحرب الروسية على أوكرانيا، أن روسيا ومن خلال قرارات بوتين تجعل فرص الخيارات أمامها محدودة، وتتبع ما يسميها السياسيون إستراتيجية حافة الهاوية، سواء فيما يتعلق بالقرارات العسكرية أو الاقتصادية.

فبوتين لم يلوح بورقة الروبل لتسوية المعاملات الخاصة بصادرات بلاده من النفط والغاز، بل سارع باتخاذ القرار، وحدد مدة أسبوع لإنفاذه، وهو أمر قد يؤدي به لنصر كبير، إذا نجح في تحقيقه، وقد يخسف به سياسيا واقتصاديا إذا أخفق في تنفيذه.

على الصعيد الآخر، فإن أوروبا وأميركا قد حرصتا على استثناء قطاع الطاقة من العقوبات، لعلمهما بأهمية تلك الورقة والإمكانيات القوية لروسيا فيها في الأجل القصير، وكذلك سرعة اتخاذهما لقرارات تتعلق بإمكانيات توفير البديل.