بسبب العقوبات.. شبح "هجرة الأدمغة" يخيّم على سوق تكنولوجيا المعلومات في روسيا

الوقائع الاخبارية : في تعبير واضح عن ارتدادات العقوبات الغربية على روسيا والأزمة الاقتصادية التي حلت بها نتيجة لذلك، بدأ قطاع تكنولوجيا المعلومات في روسيا يشهد نزوحا ملحوظا للخبراء العاملين فيه مع اتجاههم لمغادرة البلاد.

ووفقا للجمعية الروسية للاتصالات الإلكترونية، فقد غادر البلاد حوالي 50-70 ألف شخص يعملون في مجال تكنولوجيا المعلومات في الفترة من فبراير/شباط إلى مارس/آذار 2022، وهذا العدد -بحسب الجمعية- سيزداد في المستقبل.

وتعرّف هجرة الأدمغة بأنها هجرة العلماء وأصحاب الاختصاص من مختلف القطاعات من موطنهم الأصلي إلى بيئة أكثر ملاءمة لهم مهنيا أو اقتصاديا، وعادة ما يكون الانتقال من البلدان النامية إلى البلدان المتقدمة.

وقد يؤثر هذا النوع من الهجرة سلبا على البلد الأم من ناحية فقدان القوى العاملة، مما يتسبب في خسارة الكفاءات الموجودة، وهو ما سيسبب بدوره ضررا على اقتصاد البلاد.

نزوح جماعي
ولم يقتصر الأمر على المختصين، بل إن الكثير من شركات تكنولوجيا المعلومات انسحبت بدورها من السوق الروسية، كما تقول ناتاليا كاسبيرسكايا رئيسة مجموعة "إنفو واتش" لهندسة البرمجيات، التي أكدت حصول "نزوح جماعي" للخبراء ولعشرات الشركات الأجنبية في مجال تقنية المعلومات، بسبب تراجع قيمة العملة المحلية، مضيفة أن "التدفق" ارتفع بشكل كبير في شهري فبراير/شباط ومارس/آذار. وتوقعت كاسبيرسكايا أن 100 ألف خبير سيحذون حذو هؤلاء في أبريل/نيسان المقبل.

وأوضحت كاسبيرسكايا أنها حذرت في يونيو/حزيران 2020 من أن روسيا على وشك نزوح جماعي لموظفي تكنولوجيا المعلومات إلى الخارج، وذكرت حينها أن التدفق الهائل إلى الخارج سيستمر عامين بسبب تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد.

لكنها لفتت إلى أن المشكلة في ذلك الوقت كانت مخفية فقط بسبب جائحة فيروس كورونا الذي بسببه دخلت روسيا في عزلة ذاتية، أما الآن فالوضع مختلف، فروسيا تحت نير العقوبات الدولية، فضلا عن انخفاض الروبل إلى مستويات متدنية تاريخيًا مقابل الغالبية العظمى من العملات الرئيسية في العالم، مما أدى لقفزة حادة في الأسعار ونقص في بعض السلع.

وتجدر الإشارة إلى أنها ليست المرة الأولى التي تدقّ فيها الجهات المعنية في روسيا ناقوس خطر فقدان الأسواق المحلية للكفاءات في مجال التكنولوجيا الرقمية.

ففي أوائل العام 2021، شهدت البلاد نقصا حادا في موظفي تكنولوجيا المعلومات في الدولة. وبحسب وزارة التنمية الرقمية، فإن روسيا فقدت في فبراير/شباط من العام الماضي من 500 ألف إلى مليون متخصص في مختلف مجالات تكنولوجيا المعلومات.

إضافة إلى ذلك، أكد محللو الوزارة أنه لا يوجد عدد كافٍ من الأماكن التي تمولها الدولة لتخصصات تكنولوجيا المعلومات في الجامعات الروسية، فهناك 80 ألفا فقط منهم.

ويقول مختصون في هذا القطاع إن كثيرا من الخبراء في مجال تكنولوجيا المعلومات يستعجلون مغادرة البلاد في أقرب وقت ممكن، لعدم رغبتهم في تحمل الوضع الاقتصادي المتدهور بشكل حاد، وعدم الاهتمام بالإجراءات العديدة لدعم صناعة تكنولوجيا المعلومات من الدولة، بحسب قولهم.

فوبيا المستقبل
ووفقا للمختصين أيضا، يرجع هذا إلى "التنظيم العقلي الجيد" لمتخصصي تكنولوجيا المعلومات، فهم شباب مرتبطون في كثير من النواحي بالغرب، وعملوا على الأجهزة الغربية، لكنهم مرتعدون من تداعيات العقوبات على مستقبلهم المهني، داعين الدولة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لطمأنتهم. وتبذل السلطات الروسية قصارى جهدها لإبقاء متخصصي تكنولوجيا المعلومات في البلاد.

ورغم عدم الحديث عن حظر مباشر للمغادرة، تعمل الدولة على اتخاذ تدابير حافزة مختلفة لمواجهة هذا الاستحقاق.

تدخّل سريع
وعلى سبيل المثال، وقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أوائل مارس/آذار مرسوما بشأن تنفيذ الحزمة الثالثة من التدابير لدعم صناعة تكنولوجيا المعلومات في روسيا، وكانت إحدى النقاط الرئيسية فيها: تأجيل الخدمة في الجيش لموظفي شركات تكنولوجيا المعلومات، كما حصلت الشركات نفسها على مزايا ضريبية كبيرة، بحيث يمكنها الاعتماد على مختلف المنح والقروض التفضيلية التي تقدمها الدولة.

وتوقعا لتدفق متخصصي تكنولوجيا المعلومات الروس، قامت السلطات بتبسيط إجراءات توظيف منافسيها الأجانب في شركات تكنولوجيا المعلومات الروسية، في الحزمة الثالثة من تدابير الدعم.

كما تقدم البنوك الروسية أيضا مساهمتها في محاولة منع موظفي تكنولوجيا المعلومات من مغادرة البلاد، كما ضاعفت البنوك الروسية في مارس/آذار المنصرم عدد الوظائف الشاغرة في مجال تكنولوجيا المعلومات، كما قامت مختلف الإدارات الحكومية بالشيء نفسه.

ديناميكيات معاكسة
علاوة على ذلك، وصف نائب رئيس لجنة مجلس الدوما لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات أوليج ماتفيشيف الحديث عن أزمة هجرة جماعية للأدمغة بأنه أسطورة، ورأى أن المشكلة الحالية تكمن في التفسير السلبي للبيانات المقدمة في وسائل الإعلام، مؤكدا أنه رغم الظروف الحالية، فإنه يمكن الحديث عن ديناميكيات إيجابية في سوق تكنولوجيا المعلومات.

في المقابل، يرى خبراء أن الإجراءات التي سعت الدولة لاتخاذها للحد من تدفق "العقول إلى الخارج" لم تسفرعن نتائج ملموسة، فقد ذكرت سي نيوز أن ما يقرب من ثلث شركات أمن المعلومات العاملة في روسيا ستغادر البلاد في المستقبل القريب، وتأخذ موظفيها معهم.

وقال الباحث الاقتصادي أوليغ روسانوف إنه -وقبل وقت طويل من العملية الخاصة في أوكرانيا والعقوبات التي تلتها- كان من الواضح أن أزمة مع موظفي تكنولوجيا المعلومات تختمر في البلاد، متابعا أنه حتى ذلك الحين، كان معظم المتخصصين مستعدين لمغادرة البلاد أو العمل لدى شركة أجنبية، بسبب عدم الرغبة في تحمل الوضع الاقتصادي والسعي لكسب المزيد من أجل رفع مستوى معيشتهم.

وأشار -في حديث للجزيرة نت- إلى أن السؤال عما إذا كان المتخصصون الروس يريدون مغادرة وطنهم لا يستحق كل هذا العناء، فالأمر يتعلق بموعد القيام بذلك وكيف، بسبب وجود قيود خطيرة على التنقل نتيجة للعقوبات.

وبحسب رأيه، فإن الهجرة الجماعية للمواطنين المؤهلين تأهيلا عاليا وذوي التعليم العالي في روسيا، يمكن أن تتحول لمشكلة اقتصادية خطيرة. وعلى المدى الطويل، يمكن أن تصبح المعضلة الأكثر خطورة في البلاد.