ما خيارات ألمانيا بعد رفضها تسديد فاتورة الغاز الروسي بالروبل؟

الوقائع الاخبارية : امتدت تأثيرات الهجوم الروسي على أوكرانيا إلى أغلب مناطق العالم حيث يحوز البَلدان على ثروات باطنية وزراعية هائلة يحتاجها العالم أجمع وليس القارة الأوروبية فحسب.

وإلى جانب هجومه العسكري، ثمة أسلحة أخرى بدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستخدامها في حربه، ليفرض واقعا على الأرض من خلالها، وفي مقدمتها سلاح الطاقة وفي الصدارة منها الغاز المصدّر إلى أوروبا.

وتُعد روسيا الدولة الأولى عالميا في إنتاج الغاز، حيث بلغت صادراتها منه عام 2020 نحو 200 مليار متر مكعب. ويُقدّر احتياطي الغاز فيها بنحو 48.9 تريليون متر مكعب، ما جعل جوارها الأوروبي ذا الشتاء القارس في حاجة كبيرة لوارداتها من الغاز، الذي يوصف بأنه صديق للبيئة ورخيص الثمن.

حرب الطاقة والعملة البديلة
منذ اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية، بدا أن الصراع موجّه ضد الاتحاد الأوروبي بشكل عام، وألمانيا -القوة الاقتصادية الكبرى في أوروبا- بشكل خاص، والتي قدمت الدعم للجانب الأوكراني عسكريا، وتصاعدت الدعوات في داخلها بزيادة الميزانية العسكرية إلى 300%، وبدا وكأن حربا اقتصادية موازية اندلعت بين برلين وموسكو.

فقد سبق الحرب الأوكرانية بقليل توقف ألمانيا عن تنفيذ مشروع خط الغاز "نورد ستريم2" رغم جاهزيته، وعلّلت الحكومة الألمانية ذلك بالبحث عن وسائل بديلة للطاقة بذريعة حماية المناخ، بينما فسّر مراقبون ذلك بسعي برلين للتخلص من الهيمنة الروسية في إمدادات الغاز، وهي التي تستورد من موسكو نحو 40% من حاجتها من الغاز.

ومع تصاعد الخلاف الروسي الأوروبي، فاجأ بوتين العالم بطلبه دفع قيمة صادرات الغاز بالروبل، الأمر الذي رفضته ألمانيا، وأعلنت أن الدفع سيكون بالدولار أو اليورو، كما هو موقع في العقود بين الطرفين.

الصراع على النظام النقدي
وعن طلب بوتين تسديد قيمة عقود الطاقة بالروبل الروسي ومخاطر ذلك على العملة العالمية "الدولار الأميركي"، يقول الخبير الاقتصادي محمد عبد الواحد غانم "لا شك أن أميركا استطاعت إحكام سيطرتها المالية من خلال نظام نقدي فرضته على العالم بالدفع بالدولار بعد معاهدة بريتون "وودز" 1947، ودعمت أوروبا ذلك قبل أن تظهر عملتها الموحدة "اليورو"، وألمانيا وإن اختلفت مع الولايات المتحدة ببعض القضايا الاقتصادية فإنها مستفيدة من النظام النقدي الدولاري".

ويرى غانم أن النزاع على وسيلة الدفع بالدولار يعبر عن رغبة في تغيير النظام النقدي والتخلص من سيطرة الدولار، وهذا ما لا تسمح به الولايات المتحدة، فتغييره يدفع بانهيار أميركا وبحرب عالمية.

وقال غانم للجزيرة نت، إن بوتين يحاول استخدام وسيلة الدفع كسلاح، ولا سيما أنّه المنتج الأول للغاز في العالم، فضلا عن إنتاج روسيا الهائل للبترول والذي وصل في فبراير/شباط الماضي إلى 11.60 مليون برميل يوميا.

وهذه الخطوة، كما يقول الخبير الاقتصادي، بمثابة إعلان لحرب عالمية ولا سيما أن أميركا منذ مطلع السبعينيات تعتمد في قوة عملتها على ما يُعرف بالبترودولار، أي ربط قيمة النفط المشترى بالدولار الأميركي.

بدائل ألمانيا
رغم أن عقوبات متعددة طالت قطاع الطاقة الروسية من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، فإن ذلك لم يشمل توقف أوروبا عن استيراد الغاز الروسي، ولا سيما البلدان الصناعيان المهمان، ألمانيا وإيطاليا.

وأمام تصاعد الأزمة الأوكرانية وطلب بوتين دفع قيمة الغاز بالروبل الروسي، بدأت الحكومة الألمانية العمل على خطة إستراتيجية لوقف الاعتماد على الغاز الروسي والانتقال نحو بدائل أخرى.

وبحسب صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، أعلنت الحكومة الألمانية عن أولى خطواتها لتقنين الغاز بخطة طوارئ تقوم على 3 مراحل، الأولى يقوم فيها فريق أزمة من وزارة الاقتصاد والقطاع الخاص بتنفيذ إجراءات قاسية لخفض الاستهلاك، وإن استمرت الأزمة يتم قطع الغاز عن قطاعات معينة والقيام بمعاملة تفضيلية للأسر.

وفي هذه الأثناء، حذّر خبراء من أن تصاعد أزمة الغاز سيدفع معدل التضخم في ألمانيا إلى 6.1% هذا العام.

المخاطر والحلول
وعن المخاطر التي ستواجهها ألمانيا في حال قررت وقف استيراد الغاز الروسي، والحلول التي تطرحها حكومتها، سألت الجزيرة نت خبير الطاقة الألماني سامر رحال.

يقول رحال إن اتحاد صناعات الطاقة الألماني أعلن أن الإنذار المبكر لخطة الطوارئ الخاصة بالغاز الروسي له ما يبرره في ضوء الخلاف حول العملة التي ستدفع لشحنات الغاز الروسي.

وهذا "التطور الخطير"، حسبما يصفه رحال، يجعل العمل المشترك بين جميع الوكالات الألمانية الفدرالية والشركات في القطاع الخاص أكثر إلحاحا، لتقليل الأضرار الاقتصادية في حالة حدوث نقص في توريد الغاز الروسي. فمن غير الواضح ما الذي سيحدث للصناعة عندما يندر الغاز.

ويكمن الخطر الأكبر هنا في التعطل المفاجئ لسلاسل التوريد والذي سيؤدي بدوره إلى توقف الآلات عن العمل وإلى أضرار جسيمة لمنشآت الإنتاج، وفقدان أعداد هائلة لوظائفهم، مما يعني مشاكل اجتماعية خطيرة قد تكون الحكومة الاتحادية غير قادرة على إدارتها.

ولذا، جدد اتحاد صناعات الطاقة مطالبه باستخدام الفحم كبديل عن الغاز الطبيعي في محطات الطاقة لفترة زمنية محدودة وخلال الأزمة الراهنة فقط.

وحسب خبراء فهذا ممكن على الفور، وسيقلل بشكل وقائي من الطلب على الغاز الطبيعي بغض النظر عن النقص المحتمل في الغاز.

في سياق الحلول البديلة أيضا، يقول رحال "إذا استبعدنا خيار العودة للطاقة النووية، فعلى الحكومة بناء محطة للغاز المسال في الشمال، والتسريع في خطط الطاقة البديلة مثل الهيدروجين الأخضر، واستيراد الغاز المسال من الولايات المتحدة وقطر والجزائر، والتوسع في بناء حقول للطاقة الهوائية، وتمديد فترة الاعتماد على الفحم في محطات توليد الطاقة".