كيف غيرت الحرب على أوكرانيا الاقتصاد العالمي؟

الوقائع الاخبارية : ألقت الحرب الروسية على أوكرانيا بتداعياتها على الاقتصاد العالمي، وثمة تغيرات ستحدث، فقد انكمش الاقتصاد الأوكراني، كما أن روسيا تترنح تحت وطأة العقوبات الاقتصادية، وانقطعت فعليا عن النظام المالي العالمي.

ويقول آدم توزي في مقال كتبه في مجلة "فورين بوليسي" الأميركية إن الاتحاد الأوروبي يضطر أيضا إلى التعامل مع حالة كبيرة من عدم اليقين فيما يتعلق بكل من إمدادات الطاقة وأسعارها، فقد تذبذبت أسعار الغاز الآونة الأخيرة بنسبة تصل إلى 70% في يوم واحد.

ويشير المقال إلى تأكيد خبراء الاقتصاد على أنه إذا قطعت الواردات الألمانية من الغاز، وهو احتمال واضح الآن، فقد ينكمش الاقتصاد بنسبة تتراوح ما بين 2 و4% وسيكون ذلك ركودا على غرار أزمة "كوفيد-19".

تغير الاقتصاد العالمي
بالنسبة لعلاقات حلف شمال الأطلسي والغرب مع موسكو، من الواضح أن حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أوكرانيا تشكل نقطة تحول تاريخية، وتمثل الفظائع المرتكبة بالمجتمعات الأوكرانية المحتلة انتهاكا مروعا للقانون الدولي، ولكن هل تمثل حرب بوتين تغيرا في تنمية الاقتصاد العالمي؟

إن الشيء الأكثر بروزا في الحرب هو، بعد كل شيء، الإحباط العسكري الروسي، ونظرا لأداء روسيا، فمن غير الواضح على الإطلاق ما السبب في أن يرغب البعض، حتى أولئك الذين كانوا يعتبرون ذات يوم حلفاء لبوتين، في ربط أنفسهم بشكل أوثق بنظامه.

وما يتطلب اهتماما أكثر إلحاحا من التكهن بعيد المدى هو طوفان الصدمة التي أحدثتها الحرب في مختلف مناحي الاقتصاد العالمي، بدءا من المتقاتلين، والمنطقة الأوسع في أوروبا الشرقية والوسطى، وأسواق الطاقة والغذاء العالمية، وقد تكون إحدى القصص الدائمة لهذه الحرب هي الطريقة التي تستخدمها أوروبا لإطلاق مرحلتها التالية من التكامل.

ومع ذلك، فمن المهم أن نلاحظ أن بعض الآثار الاقتصادية الأعمق والأكثر أهمية يتم الشعور بها أبعد بكثير من مسرح المعركة، وإذا ما اقترنت الحرب بالتعافي غير المتكافئ من كوفيد-19، وارتفاع التضخم، وتشديد السياسة النقدية، فإنها تضيف بيئة غير مواتية بالفعل لاقتصادات البلدان الهشة والمثقلة بالديون ذات الدخل المنخفض واقتصادات الأسواق الناشئة.

وبالنسبة للشكل المستقبلي للاقتصاد العالمي، فإن كيفية تعامل العالم مع أزمات الديون الناجمة عن هذه الحرب، في أماكن متباعدة مثل سريلانكا وتونس، من المرجح أن تكون على الأقل بنفس أهمية جهود روسيا اليائسة للتحايل على العقوبات في تجارتها مع الصين والهند.

تداعيات الحرب
انكمش الاقتصاد الأوكراني بنسبة 16% في الربع الأول من عام 2022 مقارنة بالربع الأول من العام الماضي، وقد ينخفض بنسبة 40% بحلول نهاية العام، وسيتعين عليها الاعتماد على المساعدات الخارجية من أجل البقاء.

وقد أصبحت روسيا تترنح تحت وطأة العقوبات الاقتصادية الدراماتيكية، ورغم استمرار تجارة الطاقة، فقد انقطعت فعليا عن النظام المالي العالمي.

ربما يكون سعر صرف الروبل (العملة المحلية في روسيا) قد تعافى اسميا وعاد إلى مستواه قبل الحرب. لكن قيمته السوقية الفعلية تخمينية، ولم يعد هناك سوق حرة بالروبل أو الأصول المالية الروسية، وسيكون الكرملين محظوظا إذا انكمش الإنتاج بنسبة 10% فقط هذا العام.

وأدى انسحاب الشركات الغربية من روسيا إلى تفاقم الصدمة، وحتى لو تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار، فإن آفاق التنمية الروسية على المدى الطويل مظلمة بالفعل.

وبعيدا عن طرفي الحرب، فإنه سيتعين على أوروبا استيعاب تدفق هائل من اللاجئين، وسيتعين على الاتحاد الأوروبي أيضا أن يتعامل مع حالة كبيرة من عدم اليقين فيما يتعلق بكل من إمدادات الطاقة وأسعارها، فقد تذبذبت أسعار الغاز الآونة الأخيرة بنسبة تصل إلى 70% في يوم واحد.

ويقدر الاقتصاديون أنه إذا تم قطع الواردات الألمانية من الغاز، وهو احتمال واضح الآن، فقد ينكمش الاقتصاد بنسبة تتراوح ما بين 2 و4%، وسيكون ذلك ركودا على غرار أزمة "كوفيد-19".

وتعد ألمانيا بلدا غنيا، وحتى في حالة حدوث ركود حاد، سيكون لديها الموارد اللازمة للتعامل معها، وسيكون جيرانها بأوروبا الشرقية في موقف أكثر صعوبة، فلديهم دخول أقل، إنهم يستوعبون غالبية اللاجئين وهم أكثر اعتمادا على روسيا في التجارة والطاقة وسوف يبحثون عن المساعدة من شركائهم الأكثر ثراء بالاتحاد الأوروبي.

ولقد ظل رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي يضغط منذ بداية الحرب من أجل حزمة إنفاق جماعي لتخفيف حدة الأزمة، وتسريع الاستثمارات في استقلال الطاقة، وتعزيز دفاعات أوروبا التي قد تصل إلى أكثر من 1.5 تريليون دولار، ومن شأن حزمة من أي شيء من هذا القبيل أن تشكل قفزة عملاقة إلى الأمام للاتحاد الأوروبي، وسوف تتطلب شهورا من الدبلوماسية عالية المخاطر للتفاوض.

وتلتزم أوروبا بوقف اعتمادها على النفط والغاز المستورد من روسيا، وعلى المدى المتوسط، نأمل أن تسرع الأزمة من وتيرة الدفع نحو الطاقة المتجددة والابتعاد عن التجارة العالمية في الوقود الأحفوري.

ولكن على المدى القصير، لا يتمثل الأثر في إزالة العولمة بل في البحث عن مصادر جديدة للإمداد، وتشق ناقلات الغاز الطبيعي المسال من جميع أنحاء العالم طريقها نحو محطات في فرنسا وإسبانيا، وقد وقع وزير الاقتصاد والمناخ الألماني روبرت هابيك مؤخرا اتفاقا مع قطر.

سلاسل التوريد
وحتى لو نجحت أوروبا في الحد من استهلاكها للوقود الأحفوري بالسرعة المخطط لها، فإن هذا سوف يستلزم واردات جديدة من الألواح الشمسية والعناصر الأرضية النادرة لبناء أنظمة البطاريات.

وفي الوقت نفسه، فإن ما سيركز عليه كل من بنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي والمركزي الأوروبي هو السيطرة على مشكلة ارتفاع الأسعار.

علاوة على التفكك في سلاسل التوريد العالمية الناجم عن "كوفيد-19" فإنها تواجه الآن ارتفاعا حادا في أسعار الطاقة وأسواق السلع الأساسية الضيقة بشكل عام.

وترتفع توقعات التضخم على المديين المتوسط والطويل، وتطالب كل من أسواق السندات والناخبين باتخاذ إجراءات، وأصبح وقوع جولة من ارتفاع الفائدة أمرا لا مفر منه الآن.

أسعار الفائدة
وعلى خلفية سنوات من أسعار الفائدة المنخفضة أو الصفرية، ومع وصول مستويات الديون إلى أعلى مستوياتها التاريخية، فإن أي زيادة في أسعار الفائدة عملية حساسة، وستضغط على الحكومات والشركات المثقلة بالديون، وسوف يكون التأثير محسوسا في جميع أنحاء العالم.

ورغم كل الضغوط التي تواجهها أوروبا والولايات المتحدة فإن لديهما ثروة تعني نهاية المطاف أن أي ضغوط ناجمة عن صدمة الحرب الأوكرانية يمكن تخفيفها من خلال الإنفاق العام.

وكما ظهر في وباء "كوفيد-19" فإن الدول الغنية لديها الوسائل، إذا لزم الأمر، لدعم أجزاء كبيرة من القوى العاملة لعدة أشهر متتالية. وعلى النقيض من ذلك، فإن المفاضلة بالأسواق الناشئة والبلدان المنخفضة الدخل، وخاصة تلك التي لديها ديون ضخمة مقومة بالدولار أو اليورو، تكون أكثر إيلاما.

وفقد أعلن كل من بنك الاحتياطي الفدرالي والمركزي الأوروبي هذا العام أنهما يشددان السياسة النقدية ويرفعان أسعار الفائدة. وحتى الآن، من المسلم به أن رفع أسعار الفائدة كان متواضعا، كما أن العائدات على الاقتراض طويل الأجل ترتفع ببطء أكبر من تلك الخاصة بالقروض قصيرة الأجل. لكن اتجاه المقصد واضح، لقد انتهى عصر المعدلات الصفرية أو حتى المعدلات السلبية، بالإضافة إلى ذلك فإن ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية يمثل تحديا كبيرا للبلدان المثقلة بالديون.

الوقت الحالي، يحذر البنك الدولي من أن عدد البلدان التي تواجه مخاطر وشيكة لضائقة الديون قد ارتفع إلى 35 بلدا، وأن ما يصل إلى 12 بلدا قد لا تكون قادرة على سداد مدفوعات الديون بحلول نهاية العام. وتشمل قائمة البرنامج الأممي الإنمائي للبلدان المعرضة لخطر مشاكل الديون الفورية بليز وغرينادا وأنغولا ولاوس والغابون، وكلها لديها ديون كبيرة مستحقة على الدائنين من القطاع الخاص.