اللاجئون الأفغان في إيران.. أعداد متزايدة وأزمة اقتصادية تلوح في الأفق

الوقائع الاخبارية : في مجموعات صغيرة، يشقون الشوارع وأزقة العاصمة الإيرانية (طهران) يوميا بحثا عن فرصة عمل، إنهم اللاجئون الأفغان "الذين هدّتهم الحروب وجاؤوا إلى جارتهم الغربية هربا من انعدام الأمن الذي ازداد سوءا عقب سيطرة حركة طالبان على كابل"، وفق اللاجئ الأفغاني محمد حسيني.

ويروي حسيني  معاناة تهريبه إلى إيران بحثا عن منفذ للعبور نحو أوروبا، مؤكدا أنه ومئات الأشخاص الآخرين الذين يتجمعون في المدة الماضية في ساحة آزادي (غربي طهران) قد اصطدموا بالجدار الحدودي الذي شيّدته تركيا على حدودها مع إيران.

ويتجمع المهاجرون الأفغان بشكل رئيسي في ساحة آزادي وبحيرة جيتكر والمتنزّه المحيط بها غربي طهران، فضلا عن بلدة ري وضواحيها جنوبي العاصمة، إذ إن الزائر هذه الأيام لهذه المناطق قد يظن أنه في أفغانستان.

أرقام متضاربة
لم تكن إيران غريبة على المهاجرين الأفغان، فقد استضافت منذ الهجوم الأميركي عام 2001 على أفغانستان نحو 4 ملايين منهم، إلا أنه بعد عودة طالبان إلى الحكم في الصيف الماضي تضاعفت أعداد اللاجئين، ولم تعد توجد إحصاءات دقيقة عنهم في البلاد، وفق مرصد الهجرة في إيران.

وبعد أن أعلن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان أن عدد الجالية الأفغانية في البلاد يبلغ نحو 5 ملايين نسمة، ذكرت تقارير الصحافة الفارسية أن هذا العدد ارتفع عقب موجة الهجرة الأفغانية الأخيرة إلى أكثر من 8 ملايين نسمة.

وفي السياق، كشف المدير العام لمصلحة النقل الدولي في إيران جواد هدايتي عن دخول نحو 5 آلاف أفغاني كل يوم، في حين رأى مجيد مير أحمدي المساعد الأمني لوزارة الداخلية الإيرانية أن عدد اللاجئين الأفغان لا يتجاوز الألف يوميا.

ويرى مراقبون في إيران أنه بسبب دخول العديد من اللاجئين الأفغان بشكل غير شرعي، فإنهم باتوا يشكلون دولة في الداخل الإيراني.

هجوم واتهامات
وعقب الهجوم الإرهابي الأخير في العتبة الرضوية بمدينة مشهد (شمال شرقي إيران) الذي راح ضحيته اثنان من رجال الدين، ازدادت حساسية الرأي العام الإيراني تجاه الواقع الأفغاني في بلادهم بعد أن تبيّن أن المهاجم كان قادما من أفغانستان.

وانتشرت في الأيام الأخيرة مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي يقول مروّجوها إنها تُظهر لاجئين أفغانا يتعرضون للتعذيب في إيران، في حين نفت إيران على لسان أكثر من مسؤول هذه الاتهامات واعتبرتها ترمي إلی بث الفرقة بين الشعبين الجارين.

في المقابل، نشرت وسائل الإعلام مقاطع فيديو عن احتجاجات الأفغان أمام السفارة والقنصلية الإيرانية في كابل وهيرات، تنديدا بما وصفته بـ"سوء المعاملة" التي يتلقاها اللاجئون الأفغان في إيران سواء من عناصر الشرطة أو الشعب.

وردا علی هذه المقاطع، اتهم وزير الداخلية الإيراني أحمد وحيدي من وصفهم بالأعداء بالعمل على بث الفرقة بين إيران وأفغانستان، وحذر من مخططاتهم الرامية إلى الوقيعة بين الشعبين الجارين، في حين حرصت بعض وسائل الإعلام الرسمية في إيران على نشر صور عن حضور الرئيس إبراهيم رئيسي مأدبة إفطار بحضور عدد من الجالية الأفغانية في إيران.

تداعيات اقتصادية
وبعيدا عن السياسة، يحذر خبراء الاقتصاد من التداعيات السلبية لتزايد أعداد المهاجرين الأفغان على اقتصاد البلاد الذي يعاني من العقوبات الأميركية ومن أوضاع اقتصادية صعبة.

من جانبه، حذر منوجهر بهرويان الخبير الاقتصادي من أزمة قادمة في قطاع السكن بسبب ارتفاع الطلب على سوق الإيجار، مؤكدا -في تصريح لصحيفة شرق الإيرانية- أن بلاده التي تعاني شح المياه ستواجه أزمة أيضا في قطاع الأراضي القابلة للسكن جراء ما وصفه بسيل الهجرة الأفغانية إلى إيران.

وفي السياق، كشف رئيس اتحاد نقابات عمال البناء أكبر شوكت عن ارتفاع شكاوى العمال الإيرانيين في المدة الأخيرة بسبب البطالة الناجمة عن دخول أعداد كبيرة من العمال الأفغان إلی بلادهم، مؤكدا أن بعض المهاجرين الأفغان تحولوا إلى مقاولين وأنهم لا يوظفون سوى الجالية الأفغانية، موضحا أن العمال الأفغان أصبحوا يسيطرون على بعض المهن في إيران.

من ناحيته، يرى عالم الاقتصاد آلبرت بغزيان أن تزايد الجالية الأفغانية في إيران سيعرض البلاد لعجز في الميزانية جراء ارتفاع الطلب على السلع المدعومة من الحكومة، محذرا من أن استمرار وتيرة الهجرة الأفغانية سيؤدي إلى ارتفاع التضخم وزيادة الطبقة الفقيرة في إيران.

حياة كريمة
وعن كيفية التعامل الإيراني الرسمي مع المهاجرين الأفغان، توجهت الجزيرة نت بالسؤال إلى مدير مركز "بيام آفتاب" للدراسات الأفغانية عبد الرشيد مصباح زاده الذي أكد أن الظروف التي يعيش فيها أبناء بلده في إيران أفضل بكثير مما كانوا يعيشونه في أفغانستان.

وأشار مصباح زاده إلى القواسم اللغوية والتاريخية والثقافية والعرقية المشتركة بين الإيرانيين والأفغان، مؤكدا أن الجانب الإيراني رغم الأعداد الهائلة للمهاجرين فإنه يحرص على توفير المقومات الأساسية للحياة الكريمة لا سيما العلاج والتعليم والسكن والعمل.

ووصف مصباح زاده مقاطع الفيديو المنتشرة عن تعذيب الأفغان على يد إيرانيين بأنها مفبركة، وتهدف إلى بث الفتنة بين الشعبين، وعبّر عن أمله أن يفوّت وعي الجانبين الإيراني والأفغاني فرص إنجاح هذه المؤامرة التي يحيكها الأعداء، على حد قوله.