جزيرة غمام.. التخلي عن البطولة المطلقة لصنع ملحمة أسطورية

الوقائع الاخبارية : العناصر المتقنة هي سر التركيبة الناجحة في مسلسل "جزيرة غمام" الذي -رغم بدايته الهادئة وعزوفه عن المنافسة مع بقية الأعمال الرمضانية المعروضة حاليا- استطاع من خلال تصاعد الأحداث تصدر قائمة المسلسلات الأعلى مشاهدة والأكثر تفضيلا لدى المشاهدين، وربما الأكثر إثارة للجدل مؤخرا.

أبعاد فلسفية
البداية من السيناريو للكاتب عبد الرحيم كمال الذي يعد البطل الأساسي وركيزة العمل في "جزيرة غمام". استطاع المؤلف أن يوظف المونولوج الذي يؤديه أبطال العمل والديالوج المشترك بين الممثلين في الحوار من أجل أن فهم ذي مستويات متعددة، وقد اعتمد في ذلك على أبعاد فلسفية مختلفة، ليتخطى المشكلات التي واجهت آخر أعماله "القاهرة- كابل"، الذي تعرض السيناريو الخاص به لانتقادات واسعة العام الماضي، كما تكرر الأمر نفسه في سيناريو مسلسل "نجيب زاهي زركش"، إلا أنه في "جزيرة غمام" نجح في توظيف الحوار وتجنب أخطاء الأعمال السابقة.
 

باتت اللمحة الصوفية سمة أساسية في أعمال عبد الرحيم كمال وجزءا لا يغيب عن كتاباته، مثل أعماله "الرحايا" و"الخواجة عبد القادر" و"دهشة" و"شيخ العرب همام"، إلا أنه في "جزيرة غمام" أبرز تلك اللمحة بصورة أكبر وأكثر تماسكا من خلال الأداء اللافت لأحمد أمين، الذي لاقى استحسان الجمهور، بجانب جمله الحوارية التي يتحدث خلالها عن الحب والإيمان في مواجهة الشر والعنف.

لعبة جماعية
الشخصيات التي رسمها مؤلف العمل استطاعت أن تبرز الأبطال المشاركين، ضمن لعبة جماعية يسعى كل صناعها لتقديم أفضل ما لديهم، فعلى الرغم من مشاركة أسماء ونجوم حققوا نجاحات في بطولاتهم الفردية، فإن كل منهم قرر التخلي عن البطولة من أجل الظهور في عمل قوي ومتماسك وشخصية غير تقليدية، ينتمي لعالم أشبه بالأسطورة.

ويظل الفنان الكوميدي أحمد أمين مفاجأة العمل، إذ فاجأ الجمهور في "جزيرة غمام" بشخصية عرفات الصوفي المحب، حيث ينتقل إلى مساحة تمثيلية مختلفة، ونفس الأمر مع النجمة مي عز الدين التي غيرت من جلدها تماما بشخصية "العايقة"، فتنازلت عن أداء دور البطولة وتصدر "أفيش" المسلسل لصالح تقديم شخصية غيرت من مساحتها كممثلة.

أما النجم طارق لطفي وعلى الرغم من تقديمه لشخصيات مركبة من قبل، لكنه أيضا قدم شخصية "خلدون" بتجديد وصورة غير تقليدية، وتكرر نفس الأمر مع رياض الخولي الذي اعتاد تقديم شخصية الرجل الصعيدي لكن أداءه جاء مغايرا لأدواره السابقة، وبرع فتحي عبد الوهاب في تقديم نموذج المدعي.

التجانس في التفاصيل
التعامل مع فريق عمل كبير من الممثلين وجميعها أسماء مهمة -سواء من جاء من خلفية المسرح وحتى نجوم الصف الأول ممن يتصدرون تسويق أعمالهم- هو تحد إخراجي، مما يجعل الجو العام في البطولة العرضية لكل هؤلاء الممثلين، أمرا بحاجة لمخرج قادر على إدارة الممثلين، والتدخل بشكل كبير لضبط الأداء من دون مبالغة من أي ممثل، أو استغراق في الأداء يؤثر على الدراما.

تظهر موهبة المخرج حسين المنباوي عبر طريقته في التعامل مع الممثلين، إلى جانب التجانس الواضح في اختيار الديكورات والإضاءة والتصوير، لتصبح الكادرات أشبه بلوحات فنية أبدع خلالها مدير التصوير، وأيضا الموسيقى التي تعد من العناصر المهمة في المسلسل، والذي على الرغم من وجود وحدة ثانية يديرها المخرج إسلام خيري إلا أن التجانس كان واضحا ومميزا في "جزيرة غمام"، الذي يمكن عَدّه واحدا من أهم الأعمال التلفزيونية ليس فقط في مشوار صناعه؛ لكن أيضا في الدراما التلفزيونية في مصر.