مصر تطرح رؤيتها للخروج من الأزمة الاقتصادية.. خطة إستراتيجية أم مجرد مسكنات؟
الوقائع الاخبارية : طرحت الحكومة المصرية رؤيتها للخروج من الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها البلاد، وقد كانت تترقبها الأوساط الاقتصادية المحلية والعالمية، وتعقد الآمال عليها لاستمرار ما وصفته برحلة الإصلاح الاقتصادي الذي بدأ قبل 8 سنوات.
وحسب مراقبين وخبراء اقتصاد، فإن التصور الذي طرحته الحكومة لم يخرج عن تعهدات قديمة تعهدت بها عام 2016 وكررتها في أكثر من مناسبة، ولم يتحقق منها إلا القليل؛ مثل طرح حصص شركات حكومية وأخرى تابعة للقوات المسلحة بالبورصة، وتحرير الاقتصاد من سيطرة الدولة.
وعقد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بمقر الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة مؤتمرا صحفيا عالميا لإعلان خطة الدولة المصرية للتعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية، الأحد الماضي، بحضور عدد من الوزراء، ووصف ما يحدث بأنه "أسوأ أزمة يمر بها العالم بأسره منذ عشرينيات القرن الماضي، أي منذ ما يقرب من 100 عام".
وتكبدت مصر خسائر اقتصادية كبرى، وقدّر مدبولي التأثير المباشر للأزمة في الفترة القادمة بنحو 130 مليار جنيه (7 مليارات دولار) بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية نتيجة زيادة أسعار السلع والتأثيرات غير المباشرة بنحو 335 مليار جنيه (18 مليار دولار)، أي إن مجموع التأثيرات يصل إلى 25 مليار دولار.
هروب الأموال الساخنة
في مقارنة بين أسعار عدد من السلع الأساسية في مايو/أيار 2021 ومايو/أيار 2022 ارتفعت فاتورة شراء ما يقرب من 10 ملايين طن قمح من 2.7 مليار دولار إلى 4.4 مليارات دولار بزيادة قدرها 62.9%، وقفزت فاتورة استيراد البترول من 6.7 مليارات دولار إلى 11.2 مليار دولار بنسبة زيادة 67.1% لشراء 100 مليون برميل نفط.
وفيما يتعلق بحجم الأموال الساخنة التي خرجت من السوق المصرية، قال مدبولي إن حجم الأموال التي خرجت من مصر منذ بداية العام بلغ 20 مليار دولار، لكنه أشار إلى أن حكومته نجحت في جذب ما يقرب من 12 مليار دولار بين استثمارات وودائع خليجية، لافتا إلى الاتفاق على تحويل الودائع البنكية إلى استثمارات مباشرة في مصر.
وتتلخص خطة الدولة المصرية للتعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية في الإجراءات الآتية:
رفع نسبة مشاركة القطاع الخاص إلى 65% من إجمالي الاستثمارات المنفذة في السنوات الثلاث القادمة.
إتاحة أصول مملوكة للدولة بقيمة 40 مليار دولار للشراكة مع القطاع الخاص المصري أو الأجنبي لمدة 4 سنوات.
طرح 10 شركات تابعة للقطاع العام في البورصة منها شركتان تابعتان للقوات المسلحة.
دمج أكبر 7 موانئ مصرية تحت مظلة شركة واحدة وأكبر الفنادق المميزة كذلك لطرح نسب منها في البورصة.
النزول بالدين العام من 86% إلى 75% على مدار 4 سنوات حتى 2026.
تحقيق فائض أولي هذا العام لا يقل عن 1.2% من الناتج المحلي، وخفض العجز في الموازنة إلى 6.2% هذا العام.
ومن المقرر الإعلان هذا الشهر (مايو/أيار) عن وثيقة سياسات ملكية الدولة، وتتضمن الأنشطة والقطاعات التي ستتخارج منها الدولة طبقا للمعايير الدولية، لكن مدبولي أثنى على تدخل الدولة في الاقتصاد في السنوات الماضية، إذ ضخّت استثمارات ضخمة خلقت أكثر من 5 ملايين فرصة عمل، مشيدا في الوقت ذاته بشبكة الطرق و"الكباري" التي نفذتها، وذلك ردا على الانتقادات التي توجه لتلك المشروعات التي كلفت أموالا باهظة كان يرى المعارضون لها توجيهها لدعم المشروعات الصناعية.
رسالة لصندوق النقد الدولي
قلّل رجل الأعمال المصري الأميركي والخبير الاقتصادي محمود وهبة من جدوى خطط الحكومة المصرية للخروج من الأزمة، وعدّها "رسالة لصندوق النقد الدولي من أجل تسريع المباحثات لتوفير قرض جديد، ليس أكثر".
وفي مارس/آذار الماضي أعلن صندوق النقد الدولي أن مصر طلبت دعما من الصندوق لتنفيذ برنامج اقتصادي شامل، وأضاف -في بيان- أن استمرارية مرونة سعر الصرف ستكون ضرورية لاستيعاب الصدمات الخارجية.
وأكد وهبة، في تصريحات للجزيرة نت، أن ما قاله رئيس الحكومة لا يمكن الاعتداد به كحل حقيقي بل يبدو الأمر مثل السير على نهج تخريبي، مشيرا إلى أن مساندة الدول الداعمة لن تجدي طويلا لأن ما تقدمه مجرد مسكنات، على حد تعبيره.
وتبنّت مصر خطة إصلاحية من صندوق النقد الدولي تضمنت الإعلان في يناير/كانون الثاني 2016 عن عزمها طرح حصص في الشركات والبنوك الحكومية الناجحة في البورصة في المرحلة المقبلة.
وفي مارس/آذار 2018 كشفت الحكومة المصرية عن نيتها طرح حصص في 23 شركة في إطار برنامج لجمع 80 مليار جنيه خلال 24 إلى 30 شهرا.
لكن تلك الخطط ظلت حبيسة التنفيذ طوال السنوات الماضية واستعاضت عنها مصر بالتوسع في الاقتراض، وجذب الأموال الساخنة (الاستثمارات الأجنبية في أذون الحكومة المصرية وسنداتها) كبديل سريع حتى بلغت 33 مليار دولار في أغسطس/آب 2021.
التعهدات القديمة بثوب جديد
وصفت وكيلة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة للدراسات العليا والبحوث سابقا الدكتورة أمنية حلمي الأزمة الاقتصادية بأنها "غير مسبوقة وتختلف عن سابقاتها بكل تأكيد، ويجب إيجاد حلول ناجعة ونهائية لها".
وبشأن الأسباب التي يمكن أن تدفع الحكومة المصرية إلى تنفيذ تعهداتها القديمة التي طرحتها في المؤتمر العالمي كرؤية جديدة للخروج من الأزمة، قالت للجزيرة نت إن الجديد هو أن الأزمات الاقتصادية العالمية باتت متلاحقة مثل جائحة كورونا ومتحوراتها وما نجم عنها من تداعيات اقتصادية كبيرة، ثم الأزمة الروسية الأوكرانية، وكل ذلك يتطلب تحركا سريعا وناجزا لتنفيذ الإصلاحات.
وحثت الخبيرة الاقتصادية التي شغلت منصب مدير البحوث بالمركز المصري للدراسات الاقتصادية الحكومة المصرية على إسراع وتيرة الإصلاحات الاقتصادية، وفتح المجال أمام القطاع الخاص الذي تراجع دوره لحساب الدولة، مشيرة إلى أن هناك فجوة في التمويل لا بد من سدادها من خلال الاستثمارات الأجنبية المباشرة مثل إقامة المصانع والشركات وتطوير مستوى الخدمات لأن الاستثمارات غير المباشرة لا قيود على خروجها من البلاد.
وأضافت أن مصر بحاجة للاهتمام بالقطاعات الصناعية والزراعية وهي القطاعات الاقتصادية الحقيقية، بخاصة أنها مستورد صافي للغذاء بالإضافة إلى المواد الخام التي تدخل كسلع وسيطة في كثير من الصناعات، لافتة إلى أن هيكل الواردات يعاني من مشاكل ومن ثم ينعكس كل ذلك على التضخم ومستوى معيشة الأفراد وارتفاع تكلفة الإنتاج المحلي.
تكليفات قديمة
لطالما ترددت مصر في تنفيذ تعهداتها وأرجأتها أكثر من مرة، كان آخرها تصريح وزير قطاع الأعمال المصري هشام توفيق لوكالة رويترز الأسبوع الماضي، عندما قال إن حكومة بلاده سترجئ الطرح المزمع لأسهم عدد من الشركات الحكومية في البورصة إلى ما بعد انتهاء العطلات الصيفية للمستثمرين.
وتصدرت القرارات الاقتصادية عناوين قرارات السيسي، خلال حفل إفطار الأسرة المصرية في نهاية شهر رمضان المنصرم، وجاءت أبرز تكليفاته الاقتصادية للحكومة بشأن التعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية كالآتي:
تكليف الحكومة بالإعلان عن برنامج لمشاركة القطاع الخاص في الأصول المملوكة للدولة بمستهدف 10 مليارات دولار سنويا ولمدة 4 سنوات.
تكليف الحكومة بتعزيز كل أوجه الدعم المقدم لمزارعي القمح.
إطلاق مبادرة لدعم الصناعات الوطنية وتوطينها.
عرض حصص من شركات مملوكة للدولة في البورصة المصرية قبل نهاية العام الجاري.
عرض حصص من شركات مملوكة للجيش في البورصة.
تعزيز دور القطاع الخاص في توسيع القاعدة الصناعية للصناعات الكبرى والمتوسطة.
تكليف الحكومة بعرض رؤية متكاملة للنهوض بالبورصة المصرية.