عبلة كامل.. ممثلة بالمصادفة ونجمة رغم الغياب

الوقائع الاخبارية : استدعى الجمهور المصري عبلة كامل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأعيدت مشاركة حوار نادر لها وتحولت إلى "ترند"، فقد شعر المصريون باغتراب قاس بعد أن فاجأتهم الشاشات بوجوه فنية وإعلامية لا تعبّر عنهم، ولا عن منظومة القيم المحفورة في وجدانهم.

وشعر كثيرون بعمق الأزمة في شهر رمضان الماضي، إذ اعتادوا منذ سنوات على وجبة متنوعة تمثل الأطياف المختلفة للمجتمع والتيارات المختلفة للفن، لكن موجة من الرغبة العارمة في التجرد من القيم دفعت بوجوه بلاستيكية وعقول منسحقة أمام الغرب إلى احتلال الشاشة في مسلسلات تحاول الدمج بين واقع المصريين وما يتصوره هؤلاء عن الحضارة والتحضر.

نظر المصريون حولهم فلم يجدوا أبناءهم على الشاشة كما اعتادوا، لم يجدوا عبلة كامل التي انتمت إلى كل عائلة مصرية أختا أو خالة أو بنتا، اختفت ممثلة القيم والملامح المصرية في برلمان الفن، فاستدعوها عبر لقاء تلفزيوني قديم.

جاءت عبلة بناء على طلب الجماهير كما جاءت أول مرة حين التأمت بها منظومة قيم غاب عنها طعم الأسرة المصرية التلقائية والدافئة والمحافظة والضاحكة أحيانا إلى حد البكاء في نهاية ثمانينيات القرن الماضي.

رصيد فني كبير
ما حققته عبلة في مشوارها الفني يكاد يكون أكبر رصيد حصل عليه ممثل أو ممثلة في تاريخ الفن العربي، ليس بسبب الجوائز الكثيرة التي حصلت عليها، وإنما بسبب ذلك الحب والاحترام والسماح لها بأن تكون فردا من أفراد كل أسرة مصرية وافتقادها حين تغيب أو يغيب ما تمثله.

دفعت بها المصادفة حين كانت طالبة في كلية الآداب إلى خشبة المسرح، لتقول جملة واحدة مجاملة لزميلة لها، فاكتشفت شغفها وقررت الاستمرار، لتحصل في العام الدراسي التالي على كأس أفضل ممثلة للمسرح الجامعي.

فور تخرجها، تزوجت عبلة بزميل دراستها الممثل والأكاديمي أحمد كمال وأنجبت توأما هما زينب وفاطمة، واستعانت بمربية لتساعدها، بخاصة مع عملها اليومي في المسرح.

كانت عبلة تقدم دورها على المسرح يوميا في مسرحية "عفريت لكل مواطن"، وتجلس المربية مع الطفلتين في حديقة مسرح "الطليعة".. بكت "عبلة" طبقا لما هو مطلوب منها في أداء الدور، لكن الطفلتين سمعتا البكاء فصرختا باكيتين أيضا "تعالي يا عبلة ".. فتركت عبلة المسرحية والخشبة وجرت نحو طفلتيها صارخة "ولادي يا ناس".

كان المخرج يوسف شاهين قد بدأ حينئذ مرحلة جديدة وقرر أن يقدم فيلم "وداعا بونابرت" وقد اعتاد أن يبحث عن مواهب جديدة في إطار الإعداد لكل فيلم قادم، وعلى خشبة مسرح الطليعة لفتت عبلة كامل نظره فاختارها لدور "ليلى" في الفيلم.

مع بدء "بروفات" العمل قبل التصوير، أوقف شاهين العمل قائلا "أنا لا أحب التمثيل". كانت عبلة القادمة من المسرح تؤدي بطريقة مسرحية، فتوقفت وتعلمت أول دروسها، ثم تعاون معها في فيلمه التالي "اليوم السادس" الذي شاركت في بطولته داليدا ومحسن محيي الدين.

ثم جاءت فرصتها مع قامة مسرحية هي محمد صبحي الذي قدمها في دور "سنية" في مسرحية "وجهة نظر" ودفع بها إلى الكوميديا بعالمها الرحب، وظلت 5 أعوام تقدم الدور الذي أصبح منصة انطلاق لها وحوّلها إلى نبوءة حقيقية لكل مهتم بالسينما في مصر.

التقت عبلة مع عمالقة السينما في مصر فقدمت أداء لا يمكن القول إنه جيد فقط، فهو يختلف نوعيا عن الأداء الكلاسيكي المعتاد طبقا للمعايير السائدة، ولعل تلك العفوية المدهشة التي تتميز بها عبلة هي التي جعلت من أدوارها أعمالًا عصية على التكرار، فهي عبلة كامل في كل الأدوار، لكن كل دور لا يحمل من سابقه سوى ذلك الصدق والاقتراب الشديد من حقيقة أداء الشخصية في الحياة نفسها.

هيستيريا
يعدّ فيلم "هيستيريا" من المحطات السينمائية الأكثر بروزًا وجنوحا في مشوار عبلة التي التقت أول مرة خلاله مع النجم الراحل أحمد زكي، ولأن عبلة تعرف قيمة وقامة أحمد زكي فقد شعرت بالقلق والخوف الذي يرافقها دائما في كل أعمالها، لكن ذلك القلق كان مضاعفا أثناء التصوير.

جسّدت عبلة دور "وداد" التي أحبّت "زين" العازف والمطرب الجوال، وفي مخالفة واضحة للعرف والتقاليد تعلن هذا الحب، وتطارد محبوبها في الأقسام وفي محطات المترو، وتتحدث بجنون إلى ابنتها المتخيلة "سمسم" وتعلن استعادة المبادرة للقلب العاشق وليس للرجل أو المرأة، كان أداء الفتاة المحبّة نصف المجنونة في "هيستيريا" أكثر من عفوي وأكثر من رائع.

سارق الفرح
منحت عبلة كامل المبدعين في السينما إلهاما يكاد يكون خروجا على ناموس السينما المستوردة من الغرب طبقا لمنظومته ولم يحاول أحد "تعريبها" أو "تمصيرها"، حيث قدمت في فيلم "سارق الفرح" مع المخرج داود عبد السيد دور فتاة ليل.

وعقد داود وعبلة جلسات عمل لاكتشاف المساحة التي ينبغي أن تقدم لجمهور عربي في سياق الفيلم، فكان أن جاءت فتاة الليل التي اضطرتها الظروف إلى هذا العمل من دون مشهد واحد يمكن أن يكون خادشا للحياء أو مسبّبا للحرج؛ قدمت عبلة فتاة الليل في دور إنسان أولا وأقنعت الجميع أن لا منطق في عرض تفاصيل عمل "فتاة الليل" ما دام الجمهور يعرف المهنة.

فاطمة كشري
شاركت عبلة كامل في العديد من المسلسلات التلفزيونية مثل "ليالي الحلمية"، و"الشهد والدموع"، و"هوانم غاردن سيتي" و"ريا وسكينة". ورغم أن كثيرا من الممثلات المصريات قدّمن دور "الأم"، فإن "فاطمة كشري" في مسلسل "لن أعيش في جلباب أبي" تحولت إلى حالة فنية دفعت بالممثلة التلقائية إلى مساحة انفردت بها بعيدا عن المعايير المعتادة للأداء، وصُنّفت نقديا خارج المقاييس، واستدعى النقاد النبوءة القديمة باعتبارها ستكون خليفة لسيدة الشاشة العربية فاتن حمامة.

احتفل المجتمع المصري بـ"فاطمة كشري" كما لم يحتفل بممثلة من قبل، وتحولت الشخصية التي يفترض أنها تقلد واقع الحال في المجتمع إلى نموذج تقلّده الأمهات في تربية بناتهن والحفاظ على أبنائهن، وحاول الإعلام التعاطي معها شخصيا في مقابلات، لكن عبلة عاهدت نفسها منذ البداية على ألا تتحول أو تتغير وأن تكون مخلصة لطبيعتها التي ترفض دفع ضريبة "النجومية" بما تحويه من افتعال وتدخل في الحياة الشخصية، وامتنعت عن الإعلام إلا من حوارات قليلة لا تتعدى أصابع اليد الواحدة في مشوار يقترب من 50 عاما.

خالتي فرنسا
رغم تألقها في الأعمال التلفزيونية ودخولها القلوب من أوسع الأبواب، فإن الأداء المميز لعبلة كامل جعل من وجودها في كل فيلم ماركة مسجلة ليس لإقبال الجمهور عليه فقط، وإنما لحالة فنية مستقلة داخل العمل نفسه، لذلك لم تكن استعانة الجيل الجديد بعبلة كامل في سلسلة من الأفلام التي بدأت بـ"اللمبي" غريبة.

قدمت" الأم" في اللمبي، والطبيبة التي تعيد تركيب رأس اللمبي في جسد الضابط الذي مات في حادث سيارة في "اللي بالي بالك" ثم "كلم ماما" في تجربة بطولة جماعية نسائية مع منة شلبي ومها أحمد وأحمد زاهر وغسان مطر، وقدمت في السياق السينمائي نفسه أدوارا تتميز بالدفء والتلقائية في أفلام "سيد العاطفي" و"بلطية العايمة" و"خالتي فرنسا" الذي يحمل في تفاصيله نبوءة بثورة يناير التي جاءت نتيجة مباشرة للحصار الذي ضربه الفساد السياسي والاقتصادي على بسطاء الناس في مصر وجعل الاختيارات محصورة في الموت جوعا أو العمل في مهن "مهينة" لإنسانيتهم، ورغم هدوء عبلة في حياتها العادية فإن أداءها لهذا الدور في الفيلم جاء باهرا لدرجة جعلت البعض يعتقد أن تحوّلا ما طرأ على الممثلة نفسها.

انفصلت عبلة كامل عن زوجها الأول الممثل والأكاديمي أحمد كمال، لكن العلاقة ظلت راقية وفي إطار من الودّ المتبادل، وتزوجت الممثل الراحل محمود الجندي وانفصلت عنه بعد أقل من عامين من الزواج.

ارتدت عبلة الحجاب، وأصبحت مقلّة في أعمالها في ظل التحولات العنيفة للدراما المصرية في السنوات الأخيرة، لكن الجمهور بحث عنها وطالب بها عبر وسائل التواصل الاجتماعي شوقا إليها ولما تمثله من صدق وعفوية ورشد.