بأول عمل فني يُخلِّد ذكراها.. شيرين أبو عاقلة تزيّن جدران جنين

الوقائع الاخبارية : بكل عنفوانها وهدوئها وجمالها، حضرت شيرين أبو عاقلة، الجسد المسجى أرضا وزي الصحافة بكامله من درع وخوذة وفدائي ملثم يتأبطها بين ذراعيه محاولا إنقاذها، وكاميرا تقطر دما وعناصر أخرى في لوحة فنية جعلت من مشهد الاغتيال مكتملا وتروي تفاصيل ما جرى وتكشف عورة الاحتلال الإسرائيلي وتفضح جريمته.

هناك وحيث ارتقت الزميلة الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة عند مدخل مخيم جنين الغربي أو "شارع شيرين أبو عاقلة" كما بات يسمى تجلى إبداع فنانين تشكيليين من المدينة، فخطوا جدارية تُخلِّد لمسيرتها وسيرتها حية وميتة، وتخبر المارين والزوار أن شيرين أبو عاقلة ما زالت بصوتها يصدح "هنا فلسطين المحتلة".

أربعة فنانين هم فارس حمارشة وهبة البلشة وتغريد أبو شهاب ويقودهم التشكيلي محمد الشلبي، لم ينتظروا كثيرا بعد استشهاد شيرين وهمَّوا إلى حيث سقطت واستنطقوا الجدار الصامت بلوحتهم الفنية، وزادوا المكان حياة وصخبا وحضورا "لأيقونة الإعلام وفارسة الصحافة الفلسطينية".

أقل واجب
وذات السور الذي اتكأت عليه شيرين لتحمي نفسها من رصاص الاحتلال حوَّله الفنانون للوحة فنية وأغدقوا عليها من ألوان الأكريلك المائي لينفردوا وبعد 4 ساعات من العمل بالجدارية الأولى التي تؤرخ لاغتيال أبو عاقلة.

يقول الفنان التشكيلي وابن مخيم جنين محمد الشلبي محدثا الجزيرة نت إن شيرين لم تغادر المخيم من تغطياتها المختلفة طوال ربع قرن من عملها، وهي لا تقل نضالا عن الشهيد والأسير، وكانت باستشهادها رسالة أكدت المؤكد.

وفي "أقل واجب" يضيف الشلبي بادروا كفنانين من مدينة جنين لهذا العمل تقديرا لجهودها في التغطية المستمرة حتى بعد وفاتها "فموت شيرين حياة لكل فلسطيني واقع تحت مقصلة الاحتلال وظلمه".

وبين عمل فني ورسم لصورتها واسمها وتسمية الشوارع والأماكن والمواليد الجدد باسمها وإطلاق أغنيات لها ومنح دراسية، فضلا عن عقد مؤتمرات وندوات وتنظيم فعاليات مختلفة حاول الفلسطينيون تخليد ذكرى شيرين أبو عاقلة.

عناصر مكتملة.. شيرين صورة ومسيرة
أما جدارية شيرين فجسدت عناصر عدة أهمها صورة تنبض بالحياة لشيرين وهي تظهر فوق صحيفة يحملها "حنظلة" (الشخصية الأبرز بأعمال فنان الكاريكاتير الراحل ناجي العلي) وكأنه يتنبأ باغتيال شيرين كما سبق وتنبأ باغتيال العلي نفسه، فالاحتلال يعمل ليكتم كل صوت يفضح جرائمه "وهذا ما فعلته شيرين والجزيرة التي كانت ولا تزال محط أنظار العالم بأسره" يقول الشلبي.

برزت عملية الاغتيال لشيرين كواقع آخر في اللوحة أيضا، وذلك بسقوطها أرضا ومحاولة أحد الشبان إنقاذها، وإلى جانبها خوذتها تنبت وردا من الدم النازف منها، بينما تعلو كاميرا الجدارية وهي تقطر دما.

وأظهر العمل الفني الشاب الذي حاول إنقاذ شيرين ملثما بالكوفية والعَلم الفلسطينيين، بالرغم من أنه معروف لدى الكل وهو الشاب شريف ابن مخيم جنين.

وليس بهذا إنكار لفعل الشاب يقول الفنان الشلبي، بل تأكيد لدور الفلسطيني الفدائي أينما وكيفما تواجد، مواطنا كان أم طبيبا أم معلما، "فالكل يقاوم بطريقته".

وكانت لحضور مفتاح العودة وفي حلقته رسم للمسجد الأقصى وآخر للكنيسة دلالة رمزية رائعة في جدارية شيرين أبو عاقلة، فالمخيم رمز للجوء والنكبة التي تتزامن ذكراها الـ74 واغتيال شيرين التي غطت صمود المخيم ومعاناته وعاشت ذلك أيضا.

واكتمل تصوير الواقع في لوحة الفنانين الأربعة (مجموعة إبداع الفن التشكيلي) بخط عبارة "وداعا شيرين" ورسم سنبلة القمح، وكأن بموتها حياة.

وتكمن جمالية الجدارية بشموليتها وتنوع عناصرها، وهذا أمر يلمسه كل من يراها يقول فارس حمارشة أحد معدي العمل، لكن اللوحة تحمل شكرا خاصا لكل من يعمل لجنين ومخيمها "وأولهم شيرين أبو عاقلة".

وفي العمل أيضا تخليد دائم لشيرين وحكايتها وذكرياتها بالمخيم "فهي جدارية مكتملة الحضور من ألوان وإبداع، وليست صورة يبهت لونها بفعل الشمس أو تمزقها الرياح" يضيف حمارشة للجزيرة نت.

وأضفت الجدارية حضورا للمكان بعد أن أضحى مزارا للفلسطينيين من شتى المدن والقرى الذين جاؤوا ليروا موقع الجريمة ويلتقطوا له ولأنفسهم صورا تذكرهم ببشاعة الاحتلال وظلمه.

تخليد المكان والحدث
كان الطفل إحسان أحمد القادم من مدينة الناصرة شمال فلسطين المحتلة عام 1948 بين أولئك العشرات الذين تجمهروا بالقرب من موقع الاغتيال ويطالع صورها ويبحث بالمكان عله يجد متسعا للوحاته الورقية التي رسم على إحداها صورة لخوذة شيرين وعلى الأخرى صورتها وكتب بخط يده عبارات كانت ترددها.

وكذلك فعل الأطفال من مدرسة الوكالة بمخيم جنين حينما تدافعوا بالعشرات لزيارة المكان، بعضهم يحمل وردا جمعه من جوانب الطريق ونثروه فوق المكان، وآخرون -مثل الطفلتين شام وسدين- جاؤوا بقصاصات ورقية اقتطعوها من دفاترهم وخططوا عليها عبارات تذكرهم بشيرين "لن تغادري ذاكرتنا" و"ستبقين حية في قلوبنا".

وبين أوراق الشجر وركام الأتربة وبقايا الشموع كانت الأسيرة المحررة رانية ذياب تبحث عن شيء من دماء شيرين وتتحسسها وتقول إنها "ستظل بصمة عار على الاحتلال".

وجاءت رانية رفقة زوجها الأسير المحرر حازم ملحم منذ الصباح قاصدة وبشكل خاص زيارة مكان اغتيال شيرين التي ترى بأنها ليست مجرد صحفية وإنما "صوت عشنا معه ونشأنا عليه أطفالا وكبارا"

وكغيرها استوقفت الجدارية الأسيرة رانية وراحت تسترجع حلما رأته يوم استشهاد شيرين لطفل يرتدي قميصا أبيض وبنطالا أسود وكان مسجى أرضا شهيدا، لتفيق على صوت طفلتها تناديها لتعدها للذهاب إلى المدرسة ورسالة عبر هاتفها تنقل خبر الفاجعة والصدمة التي لا تزال تعيشها حتى الآن.

ومثل حازم ورانية جاء الزوجان أحمد زيد وزوجته غدير من قرية طورة داخل الخط الأخضر خصيصا لزيارة المكان وأخذ صور تذكارية فيه، وفعل ذلك كثيرون.

وحتى المارة كانوا يوقفون مركباتهم ويترجلون مصطحبين هواتفهم لتصوير المكان بأدق تفاصيله خاصة تلك الشجرة التي نخرت جذعها رصاصات الاحتلال فأحدثت به علامات تدلل بما لا يدع مجالا للشك أن ما حدث كان استهدافا وليس خطأ كما يدعي الاحتلال.

على شق من الجدار خرج تشكيليو مدينة جنين بعملهم الفني الذي خطف الأنظار، وعلى القسم الآخر يعدون لنصب تذكاري يزيد جمال المكان الأسطوري وبهوه.