أكاديميون وإعلاميون يُعاينون واقع وتحديات وإشكاليات الإعلام الأكاديمي

الوقائع الاخبارية:مع انعقادِ أربعِ جلساتٍ في الآن ذاته، لا تقلُّ أهميّة واحدةٍ منها عن الأُخرى قيدَ أُنملة، سواء كان في الطّرحِ أم في المضمونِ، كان لِزامًا علينا أن نُكثّفَ جهودَنا، ونقفَ مطوّلًا لتسليط الضّوءِ على كل ما دار فيها من نقاش وتوصيات قدّمها المشاركون لطلبة الجامعة المُهتمّين؛ باعتبارهم جزءًا من شريحة شبابية مثقفة ومتعلمة سيكون لها كبير الأثر في التغيير والتنمية والتطوير، لا على مستوى الإعلام القائم على الأخبار وتقديم المعلومة وحسب، إنّما على مستوى التخصص العميق في مجال الإعلام بما يشمله من معاينة للسياقات المُتعدّدة والبحث في المشاكل وإيجاد الحلول اللازمة لها إن اقتضى الأمر.

وقد استُهلّت تلك الجلسات بحديث لوزير الإعلام الأسبق المهندس سميح المعايطة حول اختزال الشباب اليوم مرحلة الوسيط في حمل قضاياهم والتعبير عنها، فبات طرحهم لها مباشرٌ للمجتمع والمسؤولين عن طريق منصات التواصل الاجتماعي الخاصة بهم أو بتعليقهم على منشورات غيرهم، داعيًا الطلبة أن يتقنوا فن صياغة قضيتهم بشكل جيد كي لا تضيع مطالبهم ويخسروا ما يسعون له إلى الأبد.

وأشار مدير عام الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع طارق أبو الراغب، أنّ لدينا مشكلة دائمة في حل وعلاج المشاكل المطروحة، إذ ثمّة فجوة قديمة بين المرسل والمستقبل. ولفت إلى أنّه يتعيّن على الإعلام الرسمي احتواء وسائل الإعلام حتى لا ينقاد الرأي العام إلى كل ما يُنشر فيها، منوّهًا إلى أنّ قبول النقد سهلٌ جدا إذا كان الإنسان واثقًا مما يقدمه ويتحدث به.

هذا وتحدث مدير وحدة الإعلام والعلاقات العامة والإذاعة في الجامعة الأردنية الدكتور محمد واصف عن حاجتنا إلى إعلام شاب "أي إعلام يعي أدوات العصر وتفاصيله"، ولا يكمُن القصد بوجود إعلاميين شباب وشابّات كما يُفسّر البعض، مؤكّدًا للطلبة بأنهم جيل له أدواته وخصوصيته. والآن، وفي ظل ما وصلت إليه التكنولوجيا باتت تلك الأدوات أساسيات لا كماليات، فهي جزءٌ من العالم الواقعي لا الافتراضي كما هو سائد لدى كثيرين.

وخاطب واصف الطلبة قائلًا "أنتم من تُوجّهون الدفّة والإعلام أيضًا؛ بطاقتكم الإيجابية والشبابية، وبجمال أرواحكم وميولها، وماذا تريديون أنتم من الإعلام، تأكّدوا أنه سيقول ما تريدون"، مضيفًا في هذا الصدد، وضمن بند الإعلام وقضايا الشباب، أنّه كلما كان الإعلام صادقًا ومسؤولًا، ذهبنا باتجاه المساحات الإيجابية المطلوبة للنهوض بمجتمعنا بالشكل الأمثل الذي نحلم به جميعًا.

من جانبه، أوضح رئيس قسم الصحافة والإعلام في جامعة اليرموك الدكتور عصمت حداد، أن حرية الرأي والتعبير هي العمود الفقري للديمقراطية المطلوبة، وأنه لا تقدم بدونهما، لافتًا إلى تقصير الإعلام في خلقه لمفهوم "الإعلام المتخصص" الذي نحتاج إليه، من خلال تسليط الضوء والتركيز على مجالات معينة على حدة، لكنَّ الإعلام بطبيعته لا بُدَّ أن يعكس واقع الحال، ونحنُ بحاجة إلى الوعي بكثير من المجالات، وهذا العمل يتطلب تضافر جهود الجميع للوصول إلى إعلام تنموي يُسهم في التغيير والتطوير وتحقيق الأفضل في كل شيء.

وفي جلسة ثانية أشار وزير الإعلام الأسبق المهندس صخر دودين أن الإعلام هو الإعلام بصرف النظر أكان قديمًا أم جديدًا، لكنّ أدوات الإعلام هي التي اختلفت، وباختلافها تغيّرت مستويات المعرفة، لافتًا إلى أن سلبيات الأدوات الجديدة تتمثّل بما نمر به إلى حين حدوث التوازن، فالقوانين لا يمكن لها أن تُعالج هذه الأدوات في الوقت الراهن، فيما تتمثّل إيجابيات الأدوات الحديثة في سهولة انتشار المعلومة لإيصال صوت المظلومين في العالم.

وبيّن عضو نقابة الصحفيين خالد القضاة أننا ما زلنا نعاني من حزمة قوانين تُقيّد الإعلام وحرية التعبير، مشيرًا إلى أن شبكات التواصل الاجتماعي غطّت القصور والفراغ الذي تركه الإعلام التقليدي من قوانين وتشريعات، موصيًا بأن تكون التربية الإعلامية إحدى متطلبات الجامعة، كما يجب، وفقًا له، تعظيم حقوق الأردنيين بحصولهم على المعلومة الصحيحة.

مدير الدائرة الثقافية في أمانة عمان الكاتب عبد الهادي المجالي قال إن مصدر الخوف هو غياب الوعي لدى هذا الجيل؛ فمن يمتلك الوعي يمتلك النجاح، واحتكار المعرفة هو أعلى درجات الجهل، مضيفًا أنّه في الماضي واظب الجميع على حمل الكتاب، أما اليوم فالأجهزة الإلكترونيّة هي سيدة الموقف، وهو أمر خطير لا بد من التنبه له والتركيز على إيجاد حلول لتفادي تحدياته.

بدورها، لفتت مدير مركز تنمية وخدمة المجتمع في الجامعة الأردنية الدكتورة جمانة الزعبي إلى أنه لا يوجد في الجامعة ما يمنع التعبير عن الرأي وإقامة المسيرات، بل على العكس، ففي كثير من الأحيان يُشارك العمداء والرؤساء في هذه المسيرات لنصرة قضايا كثيرة، كما تَسمحُ كليات الجامعة بالمناقشات السياسية بكل حرية، لافتةً إلى أن العمل الشبابي لا يقتصر على السياسة وإنما على العمل الاجتماعي ثم الثقافي وأخيرًا السياسي، مؤكدة أن الشباب يملكون مهارات عظيمة في استخدام أدوات الإعلام الجديدة، وأن هذا الجيل لن يستطيع التعامل مع الإعلام القديم لذا يجب ألّا نطالبهم بالتعامل مع الأدوات القديمة.

أمّا الجلسة الثالثة التي تمحورت حول إشكاليات الإعلام الأكاديمي، فقد تطرق فيها مدير عام وكالة الأنباء الأردنية فائق حجازين إلى كيفية تأثير صناعة المحتوى في الناس وتوجيه آرائهم، موضّحًا أن الصحافة هي إحدى وسائل الإعلام لكنّها لا تشمل كلّ وسائل الإعلام، مشيرًا إلى وجوب إعادة النظر في تدريس الصحافة في الجامعات والتركيز على صناعة المحتوى بشكل يسهم في تطوير الصحافة.

وأشارت مديرة معهد الإعلام الأردني الدكتورة ميرنا أبو زيد إلى أنه لا بد من تضافر الجهود لمواجهة التحديات والإشكاليات في موضوع الإعلام الأكاديمي، فالموضوع في غاية الأهمية، ويجب التركيز عليه لحاجتنا إلى مخرجات أكاديمية وإعلامية في الآن ذاته، لافتة إلى أننا بحاجة أيضا إلى برامج تعليمية تطبق معايير متقدمة في جودة تدريس الصحافة كما هو الحال لدى المعهد؛ برامج قائمة على مبدأ التوازن بين الجانبين النظري والتطبيقي والاندماج في تكنولوجيا الاتصال والتطبيقات الرقمية.

من جهته، تحدت الأستاذ الأكاديمي في معهد الإعلام الأردني الدكتور سليم عبد الرحيم حول التحديات الكبيرة التي تواجهها الرحلة التعليمية في حقل الإعلام، وأن الإبداع موجود في أي تخصص إذا توفّر ما سمّاه بـ"شغف المهنة "؛ وهو شغف غير مرتبط أبدا بالشهرة والنجومية، إذ كلما أحب الطالب تخصصه، أبدع وأتقن وتمكّن من تطوير نفسه فيه، وحقل الإعلام واحد من تلك التخصصات التي ينبغي أن يُقبلَ الطالب عليها بشغف ليستطيع أن يكون إعلاميا يمتلك مقومات وأدوات النجاح ويصل إلى أعلى درجات التميز التي تجعل منه صحفيا غيورا على مصلحة كل ما يخُصّ بلده.

هذا وركز الناطق الإعلامي باسم وزارة التعليم العالي مهند الخطيب في مداخلته على أن النجاح يرتبط بالقدرة والرغبة، منوّهًا إلى أهمية أن يكون هناك دور محوري للإعلام الأكاديمي في المؤسسات التعليمية، وتكثيف العمل على موضوع الإعلام المتخصص والصحافة المتخصصة والكثير من الحقول الإعلامية الأخرى.

عميدة كلية الإعلام في جامعة الشرق الأوسط الدكتورة حنان الشيخ أكّدت في جلسة الملتقى الرابعة أن هناك حاجة فعلية إلى تسليط الضوء على بعض التحديات التي يواجهها الإعلام في الأردن، كتلك المتعلقة بأخلاقيات الإعلام ومواثيقه والأخطاء التي يرتكبها بعض الإعلاميين على اختلاف أنواعها.

وأشارت في مداخلتها إلى أن الإعلام الرقمي حقل مهم جدا لكافة الشرائح والتخصصات في ظل انتشار منصات التواصل الاجتماعي وتنوعها، منوهة بأهمية هذا الملتقى الذي يسعى إلى دمج الجهود بين الأكاديميين والإعلاميين لحلّ الإشكاليات والتحديات المتعلقة بجوانب الإعلام الأكاديمي كافة.

فيما قال المدير التنفيذي ومستشار التعليم والشباب لملتقى طلال أبو غزالة المعرفي فادي الداوود إن ‏ العلم الآن أصبح مُتاحًا والمعلومات متوفرة عبر كل شبكات الإنترنت والمواقع الإلكترونية المختلفة؛ وهنا تأتي أهمية اكتساب مهارة الملاحة الرقمية ‏التي تساعد الشباب في كيفية البحث والتحليل والوصول إلى المعلومات الدقيقة والصحيحة في عصر ازدحام المعلومات والمعرفة الهائل.

وأضاف الداوود أنّ استخدام الأدوات الرقمية في ظل تطور التكنولوجيا يُعتبر داعمًا ومساعدًا للعملية التعليميّة لا بديلًا عنها، ‏لذا لا يفترض أن يُنظر إلى التعليم الرقمي بوصفه بديلًا عن التعليم الوجاهي بل مساندًا وداعمًا له، فقد تركّز دور المعلم أو المُحاضر في تيسير المهمّة على الطالب للوصول إلى المعلومات، وباتت أهمية ذلك الدور في ترك الأثر وتعليم المهارة وكيفية الوصول إلى المعلومة باستخدام التكنولوجيا.

وحسب الإعلامي في موقع خبرني محمد الحوامدة فقد واكب الإعلام الأردني التطور الرقمي الذي جرى في العالم، بدءًا من إنشاء مواقع إلكترونية للصحف المطبوعة نهاية التسعينات حتى إنشاء مواقع إلكترونية إخبارية منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ومع التطور الملحوظ في منصات مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت هذه المنصات جزءًا من أماكن نشر محتوى المواقع الإلكترونية.

ولفت الحوامدة إلى أن مالكي منصات مواقع التواصل الاجتماعي باتوا يتحكمون في طبيعة المحتوى الذي يُنشر عبر منصاتهم، تحت حجة "معايير المجتمع"، لذا فإن الحاجة ملحة اليوم لإيجاد طريقة للضغط أو الطلب من مالكي تلك المنصات لتعديل معايير المجتمع حسب المناطق حول العالم، ومنها منطقتنا العربية.

هذا وأكدت الإعلامية سرى الضمور من جريدة الرأي على أن الأمر يستدعي شراكة مُعمّقة مع مختلف الجهات المعنية لوضع حجر الأساس نحو تعليم رقمي هادف يقودنا إلى مستقبل أفضل؛ فالتعلم الرقمي على حدِّ وصفها بحاجة إلى بيئة خصبة لتفعيله، ويتأتّى ذلك من خلال التواصل مع مؤسسات دولية رائدة في هذا المجال واستقطاب بعضٍ من الكوادر المُؤهّلة لنقل التجارب الناجحة.

وتابعت الضمور أنه أثناء التعمق في التحديات التي تحول دون تطور التعليم نجدُ من أبرزها قصور البنى التحتية وانعدامها في بعض المؤسسات التعليمية، إضافة إلى الحاجة الملحة إلى تأهيل وتدريب الكوادر التعليمية والتربوية، وانعدام التنسيق مع المؤسسات ذات العلاقة في عملية التطوير نحو تعلم رقمي يجب أن تعززه شبكات المعلومات.

وتجدرُ الإشارة إلى أن هذه الجلسات جاءت ضمن فعاليات ملتقى الإعلام الأكاديمي الجامعي الأول الذي انطلقت فعالياته في الجامعة الأردنية أول أمس تحت شعار "قضايا الشباب وإشكاليات التعليم المعاصر"، برعاية رئيس الجامعة الدكتور نذير عبيدات وحضور نخبة من كبار الأساتذة والأكاديميين والمتخصصين والإعلاميين وطلبة الجامعة.