مرونة الاقتصاد الصيني.. هل تقود لانتعاش عالمي؟

الوقائع الاخبارية :على إثر الاضطرابات العميقة في التجارة العالمية والحمائية التجارية، شهد العديد من البلدان -بما في ذلك الدول الغربية المتقدمة- مشكلات اقتصادية خطيرة، مما دفع ألمانيا -التي يُطلق عليها اسم "القاطرة الاقتصادية الأوروبية"- نحو عجز تجاري لم تشهد مثله منذ عام 1991.

وفي تقرير نشرته صحيفة "غلوبال تايمز" (globaltimes) الصينية، يقول مراسلو الصحيفة إن الفائض التجاري للصين قد بلغ 78.76 مليار دولار في مايو/أيار الماضي، وحوالي 300 مليار دولار في الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام، في حين قال المحللون إن هذا التناقض لا يعكس مرونة الصين الاقتصادية فحسب، بل يظهر أيضا فشل الولايات المتحدة الذريع فيما يتعلق بتعطيل نظام التجارة العالمي.

وبحسب الصحيفة، فقد قالت الجمارك الفرنسية إن تدهور ميزان الطاقة في البلاد قد أدى إلى العجز التجاري للسلع الفرنسية الذي وصل إلى مستوى قياسي جديد في مايو/أيار، بنسبة 13.1 مليار يورو (13.34 مليار دولار).

ووفقا لرويترز، فقد شهدت اليابان أكبر عجز تجاري لها منذ 8 أعوام في مايو/أيار الماضي، حيث أدى ارتفاع أسعار السلع الأساسية وتراجع الين إلى تضخم الواردات، مما أدى إلى تشويش التوقعات الاقتصادية للبلاد.

كما قالت رويترز إن العجز التجاري المتزايد يسلّط الضوء على الرياح المعاكسة التي يواجهها ثالث أكبر اقتصاد في العالم، من انخفاض الين وارتفاع تكاليف الوقود والمواد الخام التي يعتمد عليها المصنعون المحليون في الإنتاج.

عجز تجاري
وأشار الخبراء -وفقا للصحيفة- إلى أسباب اتساع العجز التجاري في العديد من الاقتصادات، بما في ذلك الأزمة الأوكرانية التي أضافت مشاكل لسلسلة التوريد العالمية المنهارة بالفعل، إلى جانب الصدمة الاقتصادية في العديد من الاقتصادات المتقدمة في الأعوام الأخيرة.

ونقلت الصحيفة عن باي مينج نائب مدير معهد أبحاث السوق الدولي في الأكاديمية الصينية للتجارة الدولية والتعاون الاقتصادي، قوله "باستثناء الصين، تلقى العديد من البلدان ضربة قاسية في سلاسل التوريد والسلاسل الصناعية ولم تزل إلى الآن تعاني من ذلك"، مضيفا أن هذا الأمر قد تسبب في مواجهة العديد من الدول لصعوبات في إنتاج أو شحن منتجاتها إلى الخارج، وهو ما يؤثر على حصتها من الصادرات.

وشدد المراقبون تحديدا على دور الأزمة الأوكرانية في تسريع العجز التجاري، حيث ارتفعت تكلفة هذه الواردات بشكل كبير بالنسبة لدول مثل ألمانيا أو دول الاتحاد الأوروبي الأخرى التي تعتمد كثيرًا على السلع الروسية الأساسية.

وقال مي شينيو الزميل الباحث في الأكاديمية الصينية للتجارة الدولية والتعاون الاقتصادي بوزارة التجارة الصينية، لصحيفة غلوبال تايمز: "من شأن العقوبات الغربية ضد روسيا أن تؤدي إلى نتائج عكسية على الاتحاد الأوروبي من خلال تقييد قنوات صادراته، وزيادة تكاليف المواد الأولية والخدمات اللوجستية، وهو ما يقلل من كفاءة صناعاتها".

كما قال مي -بحسب الصحيفة- إنه من المرجح، في ظل الحرب في أوكرانيا، أن تنخفض العديد من الصناعات التنافسية التقليدية في الاتحاد الأوروبي، مثل السيارات والمواد الكيميائية في الأسواق العالمية.

ومع ذلك، قال المراقبون إن ظاهرة العجز التجاري تعكس مشاكل اقتصادية جوهرية تواجهها تلك البلدان، فقد قال تشن جيا الباحث في معهد النقد الدولي بجامعة رينمين في الصين، لصحيفة غلوبال تايمز يوم الأحد: "إن التقلبات التجارية في اليابان تُعدّ من أعراض الضعف الاقتصادي للبلدان في بيئة ما بعد فيروس كورونا، مع وجود مشاكل مثل ارتفاع التضخم وانخفاض قيمة العملة وما إلى ذلك".

وأضاف تشن: "لم يتسبب اعتماد الاتحاد الأوروبي على الطاقة الأحفورية الرخيصة في العقود الماضية في انحسار اقتصاده في ظل التقلبات العالمية فحسب، بل دفعه إلى التخلف إلى حد كبير عن الصين والولايات المتحدة فيما يتعلق بالإصلاحات التقنية الجديدة، مثل تطبيق الطاقة الجديدة".

النمو الصيني
على الرغم من تزايد الرياح المعاكسة لارتفاع أسعار السلع الأساسية الدولية وتراجع الطلب الخارجي وسط ارتفاع التضخم، توسّعت التجارة الصينية بنسبة 82.3% على أساس سنوي، ونمت بنسبة 11.1% على أساس سنوي في مايو/أيار الماضي، مسجلة فائضا تجاريا قدره 78.76 مليار دولار.

ووفقا للخبراء، لا يعكس التناقض بين الصين والوضع التجاري للعديد من حلفاء الولايات المتحدة تفوق الصين من حيث المرونة الاقتصادية فحسب، بل يظهر أيضا فشل إستراتيجية الولايات المتحدة لإصلاح نظام التجارة العالمي، خاصة مع تركيزها على قمع الصين ودعم مناطق أخرى.

وقال تشن: "يتم تعزيز دور الصين كقوة تجارية ومُصنّع عالمي، في الوقت الذي يتأثر فيه العديد من منافسيها بالمشهد العالمي المضطرب وبظهور علامات الركود الاقتصادي".

ولكن باي نبه إلى إمكانية تسبب الضعف الاقتصادي للدول الأوروبية في زيادة الضغط على تجارة الصين أيضا، حيث يُعتبر العملاء الأوروبيون والأميركيون المشترين الرئيسيين للسلع الصينية.

ويقول باي: "تراجع الضغط التجاري للصين تدريجيا في النصف الأول من هذا العام، في حين يتوقف الأداء في النصف الثاني على جملة من العوامل مثل المنافسة مع اقتصادات جنوب شرق آسيا والطلبات من الأسواق الأوروبية أو الأميركية"، لكنه أضاف أن السيطرة على الوضع في ظل وجود فيروس كورونا ستضمن وضعًا تجاريا مستقرا.

واختتمت الصحيفة تقريرها بما قاله مي من أن تزايد العجز التجاري في الدول الأخرى سيعزز دور الصين كمصنع في العالم، لكن ارتفاع أسعار الصادرات الصينية كثيرا، سوف يُتيح فرصا للدول الأخرى للحاق بمزايا هذه الصادرات.