مشكلة الطاقة.. لماذا تكرر أوروبا أخطاءها؟

الوقائع الاخبارية : اتخذت سياسة بروكسل في مجال الطاقة لسنوات أبعادا سياسية، لكن الكثير من المحللين توقعوا أن يتبع الأوروبيون نهجا أكثر واقعية في التعامل مع أزمة الطاقة الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا.

وفي مقالهما الذي نشرته مجلة "ناشيونال إنترست" (nationalinterest) الأميركية، قال الكاتبان ستيفانو غراتسيوسي وجيمس جاي كارافانو إن البرلمان الأوروبي صوّت مؤخرا على حظر بيع السيارات التي تعمل بالبنزين والديزل بحلول عام 2035.

 فهل سيوفر التحول الأخضر بالانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة طاقة موثوقة وبأسعار معقولة ووفيرة بحلول عام 2050؟ مع الأسف، إن ذلك غير متوقع. وهل سيحقق الاتحاد الأوروبي "صفر انبعاثات" بحلول عام 2050؟ حتى هذا الاحتمال غير وارد. لقد كان تأثير الأجندة الخضراء (مصادر الطاقة المتجددة) واضحا، حيث أضر بالأمن الأوروبي بشكل كامل.

وقد صنّف برلمان الاتحاد الأوروبي بعض مشاريع الغاز والطاقة النووية على أنها "استثمارات خضراء"، وذلك لا يعود إلى تقبلهم حقيقة أن تزويد العالم بطاقة الرياح والطاقة الشمسية يكاد يكون هدفا مستحيلا، بل لأنهم يكافحون من أجل الحصول على مصادر الطاقة، لذلك أعادوا تسمية نفس المشاريع ليقنعوا أنفسهم أنهم يتجهون بثبات نحو الاقتصاد الأخضر.

الاضطرابات الاجتماعية
إن هذا النقص في الطاقة سببه أولويات بروكسل الخاطئة في سياسة الطاقة طويلة الأجل. ولقد أثر ذلك اقتصاديا على الطبقة العاملة الأوروبية بشكل خاص، وأدى هذا بدوره إلى تفاقم الاضطرابات الاجتماعية التي نشأت بسبب الجائحة. في المقابل، تعتقد بروكسل أن الحل يتمثل في تقليص استخدام الأوروبيين لوسائل النقل.

ولم تخطئ بروكسل في التعامل مع التهديد الروسي لأمن الطاقة فحسب، بل إنها تثير مشكلة الصين أيضا. فحظر السيارات التي تعمل بالوقود الكربوني سيجعل أوروبا أكثر اعتمادا على بكين التي تسيطر على سوق بطاريات السيارات الكهربائية وحقوق تعدين احتياطيات الليثيوم في أفريقيا وأميركا اللاتينية.

وقد وصف وزير التنمية الاقتصادية الإيطالي جيانكارلو جيورجيتي حظر البرلمان الأوروبي بأنه بمثابة "هدية للصين". ولطالما أعرب جيورجيتي عن قلقه بشأن تنامي نفوذ بكين في أوروبا الغربية. وغالبا ما استخدم حق النقض ضد عمليات الاستحواذ الصناعية الصينية في إيطاليا لحماية الأصول الوطنية المهمة.

وتتعارض سياسات بروكسل مع كل قوانين المنطق. حتى عندما أرادت معاقبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتقليل اعتمادها على الطاقة الروسية من خلال فرض العقوبات على نظامه؛ فإنها زادت من اعتمادها على الصين ذلك النظام الاستبدادي الذي يحافظ على علاقات وثيقة مع موسكو ولم يدن الغزو الروسي. من جهة أخرى، يعتمد الحزب الشيوعي الصيني على العلاقات التجارية لزيادة نفوذه السياسي في العديد من الدول الأوروبية؛ ما يؤثر سلبا على العلاقات عبر بلدان المحيط الأطلسي. وهذا يعني أن فرض عقوبات على موسكو والتقارب مع بكين سيكونان أمرين لا جدوى منهما.

الاعتماد المفرط على الغاز الروسي
وكانت سياسة الطاقة التي اتبعها الاتحاد الأوروبي قصيرة الأجل، وزادت من الاعتماد المفرط على الغاز الروسي في البداية جراء الجدل الذي أثاره النشطاء مثل غريتا ثونبرغ، والأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها أنجيلا ميركل التي جعلت ألمانيا والقارة الأوروبية بأكملها مهووسين بالتحول إلى مصادر الطاقة الصديقة للبيئة مع تجاهل مخاطر التعامل مع نظام موسكو العدائي.

وبدلا من الاعتذار عن الأخطاء التي ارتكبتها، دافعت المستشارة السابقة مؤخرا عن سياساتها السابقة، كما لو كان أمرا غير متوقعا أن يستخدم بوتين التهديد بقطع الطاقة لإخضاع أوروبا لإرادته السياسية. ومن خلال حظر السيارات التي تعمل بالبنزين والديزل بحلول عام 2035، يبدو أن الاتحاد الأوروبي مستعد لإلقاء نفسه في أحضان الصين، ومن الواضح أن الأوروبيين لم يتعظوا أبدا من الدرس الروسي الأوكراني.

ويحتاج "المجتمع عبر الأطلسي" (transatlantic community) إلى البدء في اتخاذ بعض الخيارات الصعبة، في حين أنه على الغرب السعي إلى توفير مصادر الطاقة بعيدا عن أعدائه. وسيحتاج الغرب أيضا إلى النفط والغاز والطاقة النووية لكي يزدهر ويضمن أمنه الطاقي.

ويختتم الكاتبان بالقول إنه على الولايات المتحدة أن تصبح مصدرا رئيسيا للنفط والغاز، بينما أوروبا بحاجة إلى وضع سياسات طاقة مسؤولة تعزز الابتكار وتقدم حلولا تدعم السوق الحرة بدل أن تقدم أجندة سياسية حول مستقبل الطاقة لا تمت للواقع بصلة.