المخرجة التونسية مفيدة فضيلة: الأطفال في أفلامي يفضحون الواقع

الوقائع الاخبارية : عرف جمهور السينما العربية مفيدة فضيلة منتجةً نشطة وصاحبة رؤية وتجارب ناجحة في السينما التونسية، لكنها سرعان ما أقدمت على تجارب إخراجية بجانب الإنتاج أثبتت أن مخرجة واعدة في الطريق إلى عالم الفن السابع، وبعد أن أنهت عملها منتجةً في فيلم " أطياف" للمخرج الشاب مهدي الهميلي، تنشغل حاليا بالتجهيز لفيلمها الروائي الأول.

فضيلة التي تنتمي إلى الحساسية الجديدة في السينما العربية، اختارت الأطفال باعتبارهم كل المستقبل، فقدمت فيلمي "صغار" و"آية"، الذي فاز بجائزة التانيت الذهبي بمهرجان أيام قرطاج 2017.

قادها شغفها بالصورة إلى تجارب تمزج بين الفنون البصرية والإنتاج والسينما، وذلك من خلال عدد من الأفلام السينمائية التي تجعل الطفل موضوعها الرئيسي، فهي لا تتردد في كونها مشغولة بسينما الطفل، التي تكشف من خلالها عشرات القصص ذات الارتباط بالأسرة والمجتمع ونمط التفكير السائد داخل العالم العربي في التعامل مع الطفل ووجدانه.

عن تجربتها السينمائية وعلاقتها بسينما الطفل في تونس، كان للجزيرة نت هذا الحوار الخاص مع المخرجة السينمائية مفيدة فضيلة:

**داخلية** مفيدة بعد حصولها على جائزة في مهرجان تطوان بالمغرب (مواقع التواصل الاجتماعي)
فضيلة بعد حصولها على جائزة في مهرجان تطوان بالمغرب (مواقع التواصل)

تقدم فضيلة نفسها قائلة: أنا مخرجة ومنتجة وفنانة بصرية. درست الفلسفة والفنون الجميلة والسينما، وكنت دائما مهتمة برواية القصص. أحب أن أكون في قلب المشاعر والحكايات، مما يولد تجارب سينمائية ملهمة، ويجعلني أحلم بعالم أفضل، وأعمل على المساهمة في تغيير العقليات، وبوصفي امرأة، فهي معركة لا تنتهي. كما يقول روبرت فيليو "الفن هو ما يجعل الحياة أكثر إثارة من الفن".

إلى أي حد تستطيعين المزج في سيرتك الفنية بين الإنتاج والإخراج؟
بوصفي فنانة، بالنسبة لي لا وجود لحدود بين المجالات. وهذا يمنحني المزيد من الحرية والمسؤولية أيضا لإخراج وإنتاج الأفلام. على العكس من ذلك، فهي رحلة مثيرة، وعادة ما تفتح إمكانيات أخرى لمشاريع وتجارب جديدة. وهذا يمنح لفضولي وإبداعي بعدا أوسع.

حصل فيلمك السينمائي القصير "آية" على الكثير من الجوائز الدولية. ما السر في انجذاب الجماهير العربيّة إلى هذا الفيلم مقارنة بفيلمك الآخر "صغار"؟
الفيلمان مختلفان في السرد والدراما والإنتاج. "صْغَارْ" (Hors-Je) هو فيلم وثائقي روائي، يروي أحلام الأطفال بأحد الأحياء الشعبية في تونس العاصمة، وهو حي التضامن. حيث دعوت الأطفال من خلال أداء فني لتقاسم أحلامهم وكتابتها على جدران مباني الحي.

أما فيلم "آية" فهو روائي ومختلف من ناحية الحبكة الدرامية. كما تطلّب إنتاجه موارد أكثر وفريقا أكبر، وهو يعكس تأثير الأفكار الظلامية على الأطفال، ودور الوالدين في إنقاذ أطفالهم من هذه الأفكار.

كيف جاء التفكير في حكاية "آية"؟
في أفلامي أخصص مساحة كافية للتعبير بالوجه عن المشاعر. كما يسعى الفيلم إلى التقاط عملية التفكيك المحتمل للقيم المفروضة منذ الطفولة المبكرة، وهذا يتطلب الغوص أكثر في الشخصيات من خلال التناقض الذي تعيشه.

هو أيضا تجربة إنسانية تلتقي فيها أحلام الطفولة بضوابط المجتمع الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية. وقد كان العمل مع ممثلين محترفين -مثل عفاف بن محمود وغانم الزرلي- مهما جدا بالنسبة لي، وهي تجربة مميزة. أما مي بالرحومة في دور آية فهي شخصية واعية، رغم صغر سنها، وتقمصت الدور بشكل مدهش. وكان العمل معهم أكثر من رائع، نتج عنه ديناميكية وجمالية معينة للفيلم.

في "Hors je" و"آية" يبرز الطفل باعتباره مادة سينمائية قادرة على خلق أفق بصري متخيل. لماذا سينما الطفل أمام ما يحبل به الواقع التونسي سياسيا واجتماعيا؟
اختياري للاشتغال في مجال سينما الطفل ينبع من إيماني بأن للفن الذي يشكل فضاء لحرية التعبير، دورا أساسيا في التغيير الاجتماعي نحو الأفضل. وكما تقتضي صناعة الأفلام الموجهة للطفل عملية التقصي والتعمق في جذور عالم الطفولة لإنجاز أشرطة تنتمي لفئة سينما الطفل.

فصورة الطفل في السينما ووجوده أمام الكاميرا لتقديم دور ما يشكل انعكاسا لفترة معينة ليصبح الأطفال أولئك الشهود الأحياء لاحقا لأنهم الفئة الأشد هشاشة والأكثر عرضة لعملية الدمج، إذ يشكلون فريسة سهلة لكافة أشكال التلقين الأيديولوجي، ولا بد من حماية هذه الشريحة الاجتماعية عبر الفن عموما والسينما خاصة.

هل تعتقدين أن سينما الطفل حظيت بما تستحقه من الاهتمام مقارنة بموضوعات أخرى ذات علاقة بالمرأة والواقع والهجرة؟
ليس هنالك اهتمام كاف بسينما الطفل في السينما التونسية والسينما العربية. ونحن بحاجة لاهتمام أكثر بالطفولة العربية. الطفولة وقت حاسم حيث نسمح لأنفسنا بطرح جميع أنواع الأسئلة دون الخوف من الحكم.

على سينما الطفل أن تأخذ بعين الاعتبار بيئة الطفل وتاريخه الاجتماعي واستعداداته الفكرية، فضلا عن الفروق الاجتماعية بين أطفال المناطق المرفهة وأطفال المناطق الفقيرة والمحرومة.

على المستوى الفني، ما حدود التقاطع والتلاقي بين "Hors je" و"آية"؟ وأيهما الأقرب إلى قلبك؟ ولماذا؟
يعالج الفيلمان قضية الطفل في الأحياء الشعبية، وصعوبة التحرر من السلطة الأبوية. كما يتساءل الفيلمان عن معنى الحرية في المجتمع التونسي ما بعد الثورة، بما في ذلك حرية التعبير من خلال إدماج اللعب.

أحب تصوير ما لم يفقده الأطفال، أي قدرتهم على النظر إلى العالم دون الحاجة بالضرورة إلى الحصول على رأي فوري واستخلاص النتائج. يعبر الطفل عن هشاشة الإنسان. يجد الطفل نفسه في موقف يكون فيه أعزل، فهو رمزها.

"صْغَارْ" (Hors-Je) هو رحلة إلى الطفولة المتمردة التي تريد أن تكون حرة في تونس غير المبالية بظروف معيشتهم في الأحياء المحرومة والمناطق النائية.

أما "آية" فهو فيلم عن العملية الحميمة والمؤلمة التي تشكل الخطوة الأولى نحو التحرر الذاتي. "آية" هي الطفولة في خرق دائم، ترى العالم دائمًا لأول مرة. ومن خلال رؤيته المرحة، يكتشف الطفل الحياة، ويصبح قادرًا على دمج كل شيء من خلال اللعب.

وعلى الرغم من أنه متجذر في سياقه التونسي ومستوحى من رؤيتي الخاصة للنكسات الاجتماعية والسياسية التي شهدتها تونس السنوات الأخيرة، فإن "آية" له بعدٌ يتعلق بهموم العالم تجاه الطفل أيضا.