مسلسل "مو".. كوميديا سوداء تحمل تجربة فلسطينية صادقة

الوقائع الاخبارية : مسلسل "مو" (Mo) هو أحدث إنتاج للجيل الأول للمهاجرين العرب في أميركا، من تأليف كل من "مو عامر" و"رامي يوسف"، ويتكون من 8 حلقات، وقد عُرض كاملا على منصة نتفليكس، وأصبح أول مسلسل يفرد هذه المساحة لشخصية أميركية من أصول فلسطينية.

وحقق مسلسل "مو" معدل 100% على موقع الطماطم الفاسدة "روتن توماتوز" (Rotten Tomatoes)، وحاز على إعجاب كثير من النقاد والمشاهدين الذين رأوا فيه صورة جديدة للشخصية العربية غير المعتادين عليها.

"مو" نتفليكس و"رامي" هولو
عام 2019، فوجىء المصريون بسماع موسيقى برنامج "الكاميرا في الملعب" خلال حفل توزيع جوائز "غولدن غلوب"، واكتشفوا سريعا أن السبب وراء ذلك هو مسلسل أميركي من بطولة الممثل صاحب الأصول المصرية "رامي يوسف" الذي فاز بجائزة أفضل ممثل في مسلسل كوميدي يحمل اسم "رامي" (Ramy).

واكتسب المسلسل شعبية عربية بعد ذلك، وانتظر المشاهدون الموسم الثاني الذي عرض في 2020، وهم على موعد مع الموسم الثالث بعد أقل من شهر.

وتجربة مسلسل "رامي" كانت مقدمة ضرورية لمسلسل "مو" على نتفليكس، ليس فقط لأن رامي يوسف اشترك في كتابة مسلسل "مو"، لكن أيضا هناك عدد من نقاط التشابه التي تجعل التجربتين تكملان بعضهما البعض وباكورة أعمال تبرز طبيعة عرب المهجر التي يصر البعض على عدم تقديرها بما فيه الكفاية.

وتحمل الجالية العربية في الولايات المتحدة تأثيرها الثقافي الخاص الذي يتعدى نقل الأطعمة الشعبية مثل الفلافل والشاورما إلى شوارع أميركية، لكن الأمر احتاج إلى نضوج جيل كامل من أبناء مهاجري الجيل الأول الذين تربوا في المهجر وجمعوا بشكل طبيعي بين الإرث الثقافي لكل من بلدهم الأصلي ووطنهم الجديد.

وفي عصر المنصات الإلكترونية وشبكات التلفزيون المتنوعة أصبح هناك متسع للجميع لعرض أفكارهم التي تحمل تفردها الخاص، وقد أعطت هذه المنصات صوتا لأجيال جديدة من المبدعين، أمثال "رامي يوسف" و"مو عامر" وكلاهما بدأ مسيرته في العروض الكوميدية (ستاند أب كوميدي) التي تتناول بشكل أساسي الفروقات الثقافية بين أصولهما وبين الولايات المتحدة التي ولدا وتربيا فيها.


بطل المسلسل محمد نجار أو "مو"، هو شاب فلسطيني الأصل ولد في الكويت قبل حرب العراق ثم هاجر مع عائلته إلى هيوستن في الولايات المتحدة، لكن حتى سن الـ30 لم يحصل على حق اللجوء السياسي ولا الجنسية الأميركية، ويعيش مع أمه وأخيه، وهو على علاقة مع أميركية من أصول مكسيكية.

ويعيش "مو" تحت ضغوطات مختلفة، فعدم حصوله على الجنسية الأميركية يحرمه من عمل يتقنه، ويحاول إعالة أسرته بطرق غير شرعية مثل بيع السلع المزورة.

ويتمزق "مو" بين ثقافته العربية التي تجعله يحمل زجاجة زيت زيتون في جيبه لأنه يجعل كل طعام أشهى، لكن في ذات الوقت يطمح في الاندماج بالمجتمع الأميركي أكثر ولكنه يتعرض للعنصرية بسبب كلمة عربية يقولها وهو غافل، ويظن الكل أنه إرهابي لأن يترك لحيته.

الكثير من الكوميديا السوداء
وينتمي مسلسل "مو" إلى الكوميديا، لكنها كوميديا سوداء في الكثير من تفاصيلها، فاستطاع كاتبا المسلسل خلق المفارقات الكوميدية من قلب مشاهد شديدة المأساوية، ولكن في ذات الوقت لم ينس هدفه الأهم وهو رسم صورة صحيحة لحياة الأميركي من أصل فلسطيني يعيش غربة لم يجربها أي عربي آخر يمتلك في النهاية بلدا يستطيع العودة له بسهولة.

فمحمد أو "مو" يعيش في الولايات المتحدة بصورة غير شرعية وأيضا لا يمكنه العودة إلى فلسطين التي لا يحمل جواز سفرها، فنجده في أحد المشاهد حانقا على كلب بوليسي معلق جواز سفره الذي يحمل أصوله على عنقه بينما لا يملك هو هذا الحق أو هذه الرفاهية.

ولم يستحوذ "مو عامر" بالكوميديا وحده في المسلسل، بل سانده كثير من الشخصيات التي يمكن أن نطلق عليها ثانوية، لكنها ليست كذلك بالمعنى الحرفي، فهي مهمة في دفع الحبكة الدرامية بالفعل، وهي نماذج ضرورية لرسم الصورة الكاملة للعمل، مثل والدته يسرا نجار (فرح بسيسو) وأخيه المصاب بطيف توحد سمير (عمر علبة) وحبيبة "مو" الميكانيكية ماريا (تيريزا رويز) التي تعاني لكونها صاحبة أصول مكسيكية. ورغم نجاحها إلا أن الجميع يشكك في قدراتها على النجاح.

واستطاع المسلسل تقديم صورة الأسرة الشرق أوسطية وروابطها العائلية المعقدة التي تجمع بين المحبة والدفء والترابط وفي ذات الوقت الغضب الدفين والارتباط الخانق في بعض الأحيان. وظهرت هذه التفاصيل الحقيقية في مشاهد أخرى مثل جلسات لعب الورق على القهوة والزفة الفلسطينية التقليدية في زفاف أحد الأصدقاء.

وربما هذه الدقة والدفء في إعادة رسم صورة العربي المشوهة كثيرا في الإعلام الغربي وإبراز مواطن العنصرية التي تقع عليهم بهدوء كانت السبب في التقييمات العالية التي حصل عليها المسلسل من المشاهدين والنقاد في ذات الوقت.